حكومة الثقافة . للكاتب / إبراهيم أبو عواد . جريدة العرب اللندنية 26/9/2011
كلُّ منظومة ثقافية هي _ بالضرورة _ نسقٌ ناقدٌ للانهيار المجتمعي الذي تعززه هيمنةُ المفاهيم السُّلطوية النابعة من أيديولوجية القهر الحاكم. وهذا النسق الناقد للسلبيات يعكس موقف الثقافة الداعم للإنسان المحاصَر بالأزمات المعرفية والضغوطات المعيشية والأسئلة المصيرية . وحينما يتلاحم النسقُ الفكري لمنظومة الإنقاذ الاجتماعي مع موقف الأفق الثقافي من قضايا الإنسان فإن النتيجة هي تحرير الفرد من الخوف والملل والشعور بالهزيمة . وعمليةُ التحرير تجعل الفرد يشعر بأهميته وجدوى وجوده ، وأنه ليس حجراً على رقعة شطرنج تتلاعب به الأيدي القادمة من الأعلى، أو دميةً في مسرح للعرائس تحركها الأيدي المختفية وراء الستار . فلا يمكن للمجتمع أن ينهض إلا إذا تم تأسيسه على قواعد الثقافة والمعرفة الشاملة، وهذا لا يتأتى إلا في ظل وجود أفراد يملكون قرارَهم وغير قابلين للتدجين . ومن هنا تنبع حتمية شعور الأفراد بكيانهم ودورهم المحوري كخطوة أساسية لنقل تطبيقات العقل الجمعي إلى الواقع .
لكن المشكلة الاجتماعية التي تحاصر المجتمع وثقافته تكمن في قناعة صناع القرار في الدول البوليسية بأن العقل المفكِّر يُشَكِّل خطراً على نظام الحكم ، وبالتالي يجب محاربة الإبداع بشتى الطرق. فالحكمُ الاستبدادي لا يريد شعباً حياً ، بل قطيعاً من الكائنات الميتة يُساق إلى الذبح دون اعتراض من أجل تفادي المعارضة والمساءلة والمحاسَبة .
وفي ظل هذا التحدي الصارم يتضح دور الثقافة كرأس حَربة في مقاومة المشاريع القمعية الرامية إلى إقصاء الشعب وعدم الاعتراف به. ولن يصل المجتمع إلى حالة التوازن العاطفي الراقي، والتطور الشامل في كل المجالات، والنهضة المعرفية المتفجرة ، وتوليد الأنساق التنموية المنعكِسة على وقائع الحياة الاجتماعية بكل تشعباتها ، إلا إذا صارت الثقافةُ حكومةً قائمة بذاتها تنتشل المجتمع من فخ التخلف والتبعية ، وتزرعه في فضاءات الحرية والازدهار .
إذ إن تحول الثقافة من نظرية مجرَّدة إلى جسم سياسي فاعل هو الخطوة الأساسية لكسر عزلة الفرد والجماعة ، وصناعة دولة الحق والعدالة والتقدم . فكلُّ دولة تبني وجودها على المادة وتُقصي الثقافة ستسقط _ لا محالة _، لأن الخواء الروحي هو العدو الأول للحضارة ، ولا يمكن القضاء عليه بالترسانة العسكرية أو القوة الاقتصادية ، وإنما يُواجَه بالقوة الثقافية المدعومة بالاستثمارات المالية . ومن هذا المنطلق يتضح أن الإنفاق على الثقافة ليس ترفاً أو إضاعة للوقت والمال. بل هو استثمار ضروري للحيلولة دون انهيار الدولة الداخلي وسقوطها الخارجي .
http://ibrahimabuawwad.blogspot.com/
التعليقات (0)