اعلم أخى الكريم أن تعالى لا يحتاج الى ساعد أو معين فهو سبحانه و تعالى النافع و الضار و المعين و هو الذى بيده مقاليد كل شئ كل المخلوقات قهر عظمته و أمره بين الكاف و النون . و لكن شأت ارادة أن يعين الخلق بالأسباب التى وضعها فى هذه الحياة . فوكل ملائكته بتصريف فى شئون الخلق فوكل ملائكة بالارزاق والامطار والموت والحنه والحفظ والسؤال علما بان الله لايحتاج الى مياعد اومعين لان امره بين الكاف والنون فأمد الناس جميعهم بأنبيائه و رسله و صالحى الأمة بالامان و النور و الهدى و كانوا رضى الله عنهم أسباب فى اغاثة الخلق و اخراجهم من الظلمات الى النور و من الكفر الى الايمان كما أغاث خلقه بالماء النازل من السماء لحياة أجسامهم و لزروعهم و فضاء مأربهم . فكلها أسباب لا تنفع و لا تضر و لا تعين و لا تغيث الا اذا امرها الله بالنفع .
و أن طلب المدد و العون و الاستغاثة من الانبياء و الصالحين لأن المؤمن يعتقد ان لهؤلاءحياة خاصة سواء كانت الحياة الكونية أو الحياة البرزخية بل أن الحياة البرزخية فى الواقع أكمل من الحياة الكونية بالنسة اليهم لأنهم فى عالم الرضوان و فى روضات الجنان و من يكون فى الروضة ممتعا بما فيها من نعيم و سرور و صبور يكون ميتا كما يتصور البعض أن الموت فناء . ان الموت فى الحقيقة زوال عن الانسان الأسباب الحاجبة التى تحجب عن الرؤة الواسعة . قال تعالى : " فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد "
لان حياة أهل البرزخ لهم اتصال بأهل الدنيا كما قال الامام ابو حامد الغزالى ( أنا عصفور و هذا قفصى ) اقرأ كتاب الروح لابن القيم . فلهم اتصال بأهل الدنيا و معرفة أخبارهم و أحوالهم كما روى البخارى ان عبد الله بن عمر رضى الله عنهما خدرت رجله فقال له
رجل : اذكر أحب الناس اليك فقال يا محمد كانما نشط من عقال . و روى البخارى ايضا أن الشمس تدنوا يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الاذن بينما هم كذلك استغاثوا بآدم ثم موسى ثم بمحمد فيشفع لبعض الخلق . و قال r : " اذا ضل احدكم لرأى عن الطريق أو أراد عونا و هو بأرض ليس فو انس فليقل يا عباد الله أغيثونوا أو أعينونوا فان لله عبد لا نروهم " رواه الطبرى .
و قال rعن ابن مسعود قال : " اذا انفلتت دايه احدكم بأرض فلينادى يا عباد الله اجيبوا . فان لله عز و جل فى الأرض حاضرا سبحانه " رواه ابن حجر. و فى فتاوى شمس الدين الرملى فى حامش الفتاوى الكبرى لابن حجر :-
سأل عن قول العمة عن الشدائد يارسول الله اغثنا و ادركنا يا شيخ فلان مدد و عون . فقال هذه الاغاثة جائزة و لا شئ فيها لان الله اعطى الانبياء و الصالحين اغاثة بعد موتهم لان معجزة الانبياء و الصالحين لا ينتهى بموتهم اكراما من الله لهم . و حتى يعرف الخلق فضلهم و ان الله اخصهم بهذا العطاء و الفضل . لما قدموه من الدعوة الى الله و جهادهم فى اغاثة خلق الله بالعلم و الايمان و النور .
و مع ذلك يعتقد المؤمن ان اغاثة الانبياء و الصالحين له انما هى بأذن الله و بعون الله و ليس من ذواتهم . بل بما مددهم به الله و فضلهم على كثير من خلقه بهذه الميزه العظيمة . و اجمع كثير من العلماء و الصالحين على انه يجوز الاغاثة و طلب المدد بالنبى r و بالصالحين و قد استغاث كثير من العلماء فى مدائحهم و كثيرهم لم يثبت ان أحد من الامة انكر عليهم ذلك .وقال الحافظ: ولحديث عتبة شاهد من حديث ابن عباس أنالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن لله ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون مايسقط من ورق الشجر فإذا أصاب أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد : يا عباد اللهأعينوني(31). والإغاثة هنا ليست كإغاثة الله لخلقه إنما هي تعليم وتعريف وإرشادومساعدة بإذن الله. وفي هذه الأحاديث دلالة على أن الله سبحانه وتعالى قد خصعبادا بأسرار وإمدادات ليخدموا بها المؤمنين مهما كان بين الداعي والمجيب من مسافاتشاسعة وذلك كله بأمر الله تعالى وهذا دليل صريح بجواز طلب المدد من عباد الله . وطالبو المدد من الأنبياء والصالحين لا يدفعهم إلى ذلك إلا اعترافهم بتقصيرهمفي أداء ما افترض الله عليهم على الوجه الكامل وعدم وصولهم لمقامات الإحسان فطلبواالإمداد والمساعدة من الله بواسطة المصطفين الأخيار والأولياء الأبرار لما لهم منقوة ومقدرة كبيرة بفضل الله على الطاعة والصدق والصفاء والعبادة والإخلاص والمعرفةبآداب العبودية وما هذا إلا اقتداء بما أمر الله به صحابة سيدنا محمد صلى الله عليهوآله وسلم في قوله تعالى ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفرلهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ) (32) فالآية المباركة ترشدنا إلى أدبالسؤال والطلب فأمر أولا بالمجيء إلى رسول الله ثم استغفار المذنب بنفسه بحضرة رسولالله صلى الله عليه وآله وسلم ثم اعترافه بعدم أهليته للطلب من الله لسواد صحيفتهمع الله فيطلب من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يستغفر له وما ذلك إلا لأناستغفار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لهم افضل واقرب قبولا منهم لما عنده منإخلاص وصفاء قلب وقوة في الطاعة أعظم مما عند السائل المستغفر فالسائل يسأل ربهأولا ومن ثم يطلب المدد ممن هو أرفع منه اعترافا بتقصيره وبأنه ليس أهلا لإجابةدعائه وبهذا يكون ملتزما بالكتاب والسنة حالا ومقالا. فقول السائل مدد يارسول الله أي استغفر لي وعلمني مما علمك الله بإذن الله وكذلك إذا قال مدد ياأولياء الله أي يطلب منهم التوسط له عند سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلمبطلب الشفاعة والمغفرة والإحسان ، فكل إنسان مبتدئ في أمور الدين والتزكية يحتاجإلى علم من سبقه في هذا المجال. والذي يذهب إلى الطبيب ويستغيث به بقوله: ياطبيب خلصني من آلامي هل يكون مخطئا لأنه يستغيث بإنسان ليمده بالشفاء بواسطةالعقاقير بالطبع لا لأن الله جعل الوسائط والأسباب بين خلقه وسعي العباد لكسبالأرزاق وكذلك معالجة المرأة العاقر بالعقاقير والأدوية مع العلم يقينا أن اللهسبحانه هو رازق العباد بالأموال والبنين لا ينافي قول الله ( ويمددكم بأموال وبنين ) (33)، ومما لا شك فيه أن الله سبحانه وتعالى بحكمته قد سخر الخلائق بعضهالبعض، وليفيد بعضها بعضا بإذنه تعالى، فكل نوع يفيد نوعه، فالشمس تعكس نورها علىالقمر في الليل، والقمر يعكس ضوءه على الأرض ويقال لهذه الظاهرة : ( مدد انعكاس ). فمن هنا نرى بأن الإنسان يستفيد من هذه الأنوار المخلوقة بوسائط ووسائل،فالله عز وجل قادر أن ينير الأرض بدون شمس ولا قمر وهو ليس بحاجة لهما ولا لغيرهمامن مخلوقاته. قال تعالى ( هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا ) فالشمس والقمرليسا أعظم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي وهبه قوة أعظم من الشمسوالقمر تضيء بنور سراج قلبه عالم القلوب بإذن ربه لقوله تعالى ( يا أيها النبي إناأرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ) (34). فإنطلب المريد المدد من شيخه ما هو إلا انعكاس قلب الولي الكامل الذي هو أفضل عند اللهمن الشمس والقمر على قلب المريد ولا شك أن الشيخ هو أحد وراث النبي صلى الله عليهوآله وسلم حيث قال « العلماء ورثة الأنبياء » وقال في الحديث نفسه « وفضل العالمعلى العابد كفضل القمر على سائر الكواكب »(35). قال « كفضل القمر » لأنه صلى اللهعليه وآله وسلم هو الشمس المضيئة كما أن الشمس تعكس نورها على القمر والقمر يعكسنوره على الأرض كذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعكس نوره على قلوبالأولياء وهم يعكسون ذلك النور على المريدين. يبين الامام المجدد السيد محمدماضى ابوالعزائم رضى الله عنه هذه الحقيقة قائلا: لايغيب النورعن اهل اليقينكيف ذا والنورفى الافق المبين نورنا شمس علت تدعوا الى ربنا المعبود مولاناالمتين لم تغب شمس الحبيب محمد وهى نورالروح فوقى عن يمين من يقل غابتفذاك لحجبه كيف يخفى نور رب العالمين شمسنا طه الحبيب المصطفى لم تغب ياطالب الحق اليقين وإذا ثبت الاستمداد بين الجمادات فيما بينها، فيكف ينتفي بينالمخلوقات البشرية والله خلق الإنسان في أحسن تقويم وكرم بني آدم؟! قال المحدثالورع الفقيه الإمام ابن أبي جمرة الأندلسي رضي الله عنه في شرحه لحديثالإفك:
... ولهذا المعنى جعل صلى الله عليه وآله وسلم لقيا المؤمن لأخيه المؤمنببشاشة الوجه صدقة لأن المؤمن يستمد من أخيه بحسب ما يظهر على ظاهره، كما أن أهلالبواطن يستمد بعضهم من بعض بحسب ما يكون في بواطنهم..(36) . هذا ما اكده الحكيمالترمذى فى( نوادرالاصول ) والامام ابوالعزائم فى ( النور المبين) حين اوردا حديثالرسول الله صلى الله عليه وآله يقول فيه:
" نظرة فى وجه اخ فى الله على شوق اليهخير من اجر من اعتكف فى مسجدى هذا اربعين سنه" وقد أورد الإمام الفقيه محمدأمين أفندي المشهور بابن عابدين في رسالته (الفوائد المخصصة) حيث يقول:
... وقدرأيت فيها رسالتين الأولى لعمدة المحققين فقيه النفس أبي الإخلاص الشيخ حسنالشرنبلي الوفائي رحمه الله تعالى وشكر سعيه والثانية لحضرة الأستاذ من جمع بينعلمي الظاهر والباطن مرشد الطالبين ومربي السالكين سيدي عبدالغني النابلسي قدس اللهتعالى سره وأعاد علينا من بركاته آمين فأردت أن أذكر حاصل ما في هاتين الرسالتينمستعينا بالله تعالى مستمدا من مدد هذين الإمامين الجليلين... . فهذا الإمامالجليل ابن عابدين الذي لا يخفى على أحد من طالبي العلم الشريف مكانته العلميةيستمد من أمداد الصالحين وهو رحمه الله تعالى يعلم يقينا أن الذي أمد هؤلاء الأكارمإنما هو الله سبحانه وهو يطلب مدد ربه بواسطة صلاح وتقوى هؤلاء الأكارم والأمثلةعلى ذلك كثيرة جدا ومن هنا يتبين لنا جواز الاستمداد من الأولياء ( أي طلب المددمنهم ) بشرط أن يعتقد المرء عند الطلب أن ما من شيء يجري في هذا الكون إلا بإذنالله تعالى ومشيئته وعلمه. وإن الولي إذا أمد الطالبين فإنما يمدهم مما أمدهالله به فهو لا يفيد الناس بشيء من دون الله إنما الضار والنافع في الحقيقة هو اللهتعالى, فجميع الفوائد التي ظهرت على أيدي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والأولياءرضي الله عنهم من عجائب المعجزات وغرائب الكرامات ما هي إلا إشارات على نعم المنعمالعظيم سبحانه التي أظهرت على يد من أنعم عليه من النبيين والصديقين والشهداءوالصالحين وإن إمداد الله لرسله وأوليائه يكون حسب ما يريد الله ويشاء وإمداد الرسلوالأولياء لباقي العباد يكون أيضا حسب ما يريد الله ويشاء هذا ولم ترد آية أو حديثبتكفير من يستمد من الأنبياء والصالحين الاستمداد الشرعي الصحيح ومن ادعى يلزمهالدليل: ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين )
و الله من وراء القصد و هو يهدى السبيل و صلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله و صحبه و سلم .
التعليقات (0)