مواضيع اليوم

حكم طلب العون و الاستغاثة :

رهن المحيس

2012-01-31 12:47:24

0

 

اعلم أخى الكريم أن تعالى لا يحتاج الى ساعد أو معين فهو سبحانه و تعالى النافع و الضار و المعين و هو الذى بيده مقاليد كل شئ كل المخلوقات قهر عظمته و أمره بين الكاف و النون . و لكن شأت ارادة أن يعين الخلق بالأسباب التى وضعها فى هذه الحياة . فوكل ملائكته بتصريف فى شئون الخلق فوكل ملائكة بالارزاق والامطار والموت والحنه والحفظ والسؤال  علما بان الله لايحتاج الى مياعد اومعين لان امره بين الكاف والنون فأمد الناس جميعهم بأنبيائه و رسله و صالحى الأمة بالامان و النور و الهدى و كانوا رضى الله عنهم أسباب فى اغاثة الخلق و اخراجهم من الظلمات الى النور و من الكفر الى الايمان كما أغاث خلقه بالماء النازل من السماء لحياة أجسامهم و لزروعهم و فضاء مأربهم . فكلها أسباب لا تنفع و لا تضر و لا تعين و لا تغيث الا اذا امرها الله بالنفع .

و أن طلب المدد و العون و الاستغاثة من الانبياء و الصالحين لأن المؤمن يعتقد ان لهؤلاءحياة خاصة سواء كانت الحياة الكونية أو الحياة البرزخية بل أن الحياة البرزخية فى الواقع أكمل من الحياة الكونية بالنسة اليهم لأنهم فى عالم الرضوان و فى روضات الجنان و من يكون فى الروضة ممتعا بما فيها من نعيم و سرور و صبور يكون ميتا كما يتصور البعض أن الموت فناء . ان الموت فى الحقيقة زوال عن الانسان الأسباب الحاجبة التى تحجب عن الرؤة الواسعة . قال تعالى : " فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد "

لان حياة أهل البرزخ لهم اتصال بأهل الدنيا كما قال الامام ابو حامد الغزالى ( أنا عصفور و هذا قفصى ) اقرأ كتاب الروح لابن القيم . فلهم اتصال بأهل الدنيا و معرفة أخبارهم و أحوالهم كما روى البخارى ان عبد الله بن عمر رضى الله عنهما خدرت رجله فقال له

رجل : اذكر أحب الناس اليك فقال يا محمد كانما نشط من عقال . و روى البخارى ايضا أن الشمس تدنوا يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الاذن بينما هم كذلك استغاثوا بآدم ثم موسى ثم بمحمد فيشفع لبعض الخلق . و قال r : " اذا ضل احدكم لرأى عن الطريق أو أراد عونا و هو بأرض ليس فو انس فليقل يا عباد الله أغيثونوا أو أعينونوا فان لله عبد لا نروهم " رواه الطبرى .

و قال r عن ابن مسعود قال : " اذا انفلتت دايه احدكم بأرض فلينادى يا عباد الله اجيبوا . فان لله عز و جل فى الأرض حاضرا سبحانه " رواه ابن حجر. و فى فتاوى شمس الدين الرملى فى حامش الفتاوى الكبرى لابن حجر :-

سأل عن قول العمة عن الشدائد يارسول الله اغثنا و ادركنا يا شيخ فلان مدد و عون . فقال هذه الاغاثة جائزة و لا شئ فيها لان الله اعطى الانبياء و الصالحين اغاثة بعد موتهم لان معجزة الانبياء و الصالحين لا ينتهى بموتهم اكراما من الله لهم . و حتى يعرف الخلق فضلهم و ان الله اخصهم بهذا العطاء و الفضل . لما قدموه من الدعوة الى الله و جهادهم فى اغاثة خلق الله بالعلم و الايمان و النور .

و مع ذلك يعتقد المؤمن ان اغاثة الانبياء و الصالحين له انما هى بأذن الله و بعون الله و ليس من ذواتهم . بل بما مددهم به الله و فضلهم على كثير من خلقه بهذه الميزه العظيمة . و اجمع كثير من العلماء و الصالحين على انه يجوز الاغاثة و طلب المدد بالنبى r و بالصالحين و قد استغاث كثير من العلماء فى مدائحهم و كثيرهم لم يثبت ان أحد من الامة انكر عليهم ذلك . وقال الحافظ:
ولحديث عتبة شاهد من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن لله ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر فإذا أصاب أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد : يا عباد الله أعينوني(31).
والإغاثة هنا ليست كإغاثة الله لخلقه إنما هي تعليم وتعريف وإرشاد ومساعدة بإذن الله.
وفي هذه الأحاديث دلالة على أن الله سبحانه وتعالى قد خص عبادا بأسرار وإمدادات ليخدموا بها المؤمنين مهما كان بين الداعي والمجيب من مسافات شاسعة وذلك كله بأمر الله تعالى وهذا دليل صريح بجواز طلب المدد من عباد الله .
وطالبو المدد من الأنبياء والصالحين لا يدفعهم إلى ذلك إلا اعترافهم بتقصيرهم في أداء ما افترض الله عليهم على الوجه الكامل وعدم وصولهم لمقامات الإحسان فطلبوا الإمداد والمساعدة من الله بواسطة المصطفين الأخيار والأولياء الأبرار لما لهم من قوة ومقدرة كبيرة بفضل الله على الطاعة والصدق والصفاء والعبادة والإخلاص والمعرفة بآداب العبودية وما هذا إلا اقتداء بما أمر الله به صحابة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ) (32)
فالآية المباركة ترشدنا إلى أدب السؤال والطلب فأمر أولا بالمجيء إلى رسول الله ثم استغفار المذنب بنفسه بحضرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم اعترافه بعدم أهليته للطلب من الله لسواد صحيفته مع الله فيطلب من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يستغفر له وما ذلك إلا لأن استغفار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لهم افضل واقرب قبولا منهم لما عنده من إخلاص وصفاء قلب وقوة في الطاعة أعظم مما عند السائل المستغفر فالسائل يسأل ربه أولا ومن ثم يطلب المدد ممن هو أرفع منه اعترافا بتقصيره وبأنه ليس أهلا لإجابة دعائه وبهذا يكون ملتزما بالكتاب والسنة حالا ومقالا.
فقول السائل مدد يا رسول
الله أي استغفر لي وعلمني مما علمك الله بإذن الله
وكذلك إذا قال مدد يا أولياء الله
أي يطلب منهم التوسط له عند سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بطلب الشفاعة والمغفرة والإحسان ، فكل إنسان مبتدئ في أمور الدين والتزكية يحتاج إلى علم من سبقه في هذا المجال.
والذي يذهب إلى الطبيب ويستغيث به بقوله: يا طبيب خلصني من آلامي هل يكون مخطئا لأنه يستغيث بإنسان ليمده بالشفاء بواسطة العقاقير بالطبع لا لأن الله جعل الوسائط والأسباب بين خلقه وسعي العباد لكسب الأرزاق وكذلك معالجة المرأة العاقر بالعقاقير والأدوية مع العلم يقينا أن الله سبحانه هو رازق العباد بالأموال والبنين لا ينافي قول الله ( ويمددكم بأموال وبنين ) (33)،
ومما لا شك فيه أن الله سبحانه وتعالى بحكمته قد سخر الخلائق بعضها لبعض، وليفيد بعضها بعضا بإذنه تعالى، فكل نوع يفيد نوعه، فالشمس تعكس نورها على القمر في الليل، والقمر يعكس ضوءه على الأرض ويقال لهذه الظاهرة : ( مدد انعكاس ).
فمن هنا نرى بأن الإنسان يستفيد من هذه الأنوار المخلوقة بوسائط ووسائل، فالله عز وجل قادر أن ينير الأرض بدون شمس ولا قمر وهو ليس بحاجة لهما ولا لغيرهما من مخلوقاته.
قال تعالى ( هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا ) فالشمس والقمر ليسا أعظم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي وهبه قوة أعظم من الشمس والقمر تضيء بنور سراج قلبه عالم القلوب بإذن ربه لقوله تعالى ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ) (34).
فإن طلب المريد المدد من شيخه ما هو إلا انعكاس قلب الولي الكامل الذي هو أفضل عند الله من الشمس والقمر على قلب المريد ولا شك أن الشيخ هو أحد وراث النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال « العلماء ورثة الأنبياء » وقال في الحديث نفسه « وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب »(35). قال « كفضل القمر » لأنه صلى الله عليه وآله وسلم هو الشمس المضيئة كما أن الشمس تعكس نورها على القمر والقمر يعكس نوره على الأرض كذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعكس نوره على قلوب الأولياء وهم يعكسون ذلك النور على المريدين.
يبين الامام المجدد السيد محمد ماضى ابوالعزائم رضى الله عنه هذه الحقيقة قائلا:
لايغيب النورعن اهل اليقين  كيف ذا والنورفى الافق المبين
نورنا شمس علت تدعوا الى ربنا المعبود مولانا المتين
لم تغب شمس الحبيب محمد وهى نورالروح فوقى عن يمين
من يقل غابت فذاك لحجبه كيف يخفى نور رب العالمين
شمسنا طه الحبيب المصطفى لم تغب يا طالب الحق اليقين
وإذا ثبت الاستمداد بين الجمادات فيما بينها، فيكف ينتفي بين المخلوقات البشرية والله خلق الإنسان في أحسن تقويم وكرم بني آدم؟!
قال المحدث الورع الفقيه الإمام ابن أبي جمرة الأندلسي رضي الله عنه في شرحه لحديثالإفك:
... 
ولهذا المعنى جعل صلى الله عليه وآله وسلم لقيا المؤمن لأخيه المؤمن ببشاشة الوجه صدقة لأن المؤمن يستمد من أخيه بحسب ما يظهر على ظاهره، كما أن أهلالبواطن يستمد بعضهم من بعض بحسب ما يكون في بواطنهم..(36) .
هذا ما اكده الحكيم الترمذى فى( نوادرالاصول ) والامام ابوالعزائم فى ( النور المبين) حين اوردا حديثا لرسول الله صلى الله عليه وآله يقول فيه:
نظرة فى وجه اخ فى الله على شوق اليه خير من اجر من اعتكف فى مسجدى هذا اربعين سنه
وقد أورد الإمام الفقيه محمد أمين أفندي المشهور بابن عابدين في رسالته (الفوائد المخصصة) حيث يقول:
... 
وقد رأيت فيها رسالتين الأولى لعمدة المحققين فقيه النفس أبي الإخلاص الشيخ حسنالشرنبلي الوفائي رحمه الله تعالى وشكر سعيه والثانية لحضرة الأستاذ من جمع بينعلمي الظاهر والباطن مرشد الطالبين ومربي السالكين سيدي عبدالغني النابلسي قدس اللهتعالى سره وأعاد علينا من بركاته آمين فأردت أن أذكر حاصل ما في هاتين الرسالتينمستعينا بالله تعالى مستمدا من مدد هذين الإمامين الجليلين... .
فهذا الإمام الجليل ابن عابدين الذي لا يخفى على أحد من طالبي العلم الشريف مكانته العلمية يستمد من أمداد الصالحين وهو رحمه الله تعالى يعلم يقينا أن الذي أمد هؤلاء الأكارم إنما هو الله سبحانه وهو يطلب مدد ربه بواسطة صلاح وتقوى هؤلاء الأكارم والأمثلة على ذلك كثيرة جدا
ومن هنا يتبين لنا جواز الاستمداد من الأولياء ( أي طلب المدد منهم ) بشرط أن يعتقد المرء عند الطلب أن ما من شيء يجري في هذا الكون إلا بإذن الله تعالى ومشيئته وعلمه.
وإن الولي إذا أمد الطالبين فإنما يمدهم مما أمده الله به فهو لا يفيد الناس بشيء من دون الله إنما الضار والنافع في الحقيقة هو الله تعالى, فجميع الفوائد التي ظهرت على أيدي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والأولياء رضي الله عنهم من عجائب المعجزات وغرائب الكرامات ما هي إلا إشارات على نعم المنعم العظيم سبحانه التي أظهرت على يد من أنعم عليه من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وإن إمداد الله لرسله وأوليائه يكون حسب ما يريد الله ويشاء وإمداد الرسل والأولياء لباقي العباد يكون أيضا حسب ما يريد الله ويشاء هذا ولم ترد آية أو حديث بتكفير من يستمد من الأنبياء والصالحين الاستمداد الشرعي الصحيح ومن ادعى يلزمه الدليل: ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين )

و الله من وراء القصد و هو يهدى السبيل و صلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله و صحبه و سلم .




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !