مواضيع اليوم

حكم العمل بالحديث الضعيف في غير العقائد

ماطر غنيم

2009-10-17 00:00:54

0

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين وعلى آله وصحبه .
أما بعد فهذه وريقات كتبتها في موضوع حكم العمل بالحديث الضعيف.
فإن العلماء قرروا أموراً تتعلق بالحديث الضعيف والموضوع وهي على النحو التالي :
الأول : ـ أن الحديث الموضوع لايجوز العمل به لا في الفضائل ولا في العبادات .أي حيث كان مخالفاً لقواعد الشريعة وأما لو كان داخلاً في أصل عام فلا مانع منه لا لجعله حديثاً بل لدخوله تحت الأصل العام ،ولاتجوز روايته إلا بشرط أن يقرن ذلك الحديث المروي ببيان وضعه .قال السخاوي في شرحه للألفية : وقد روى الثوري عن حبيب بن أبي ثابت أنه قال من روى الكذب فهو الكذاب ولذا قال الخطيب يجب على المحدث أن لا يرى شيئا من الأخبار المصنوعه والأحاديث الباطله الموضوعه فمن فعل ذلك باء بالإثم المبين ودخل في جمله الكذابين .كتب البخاري على حديث موضوع من حدث بهذا استوجب الضرب الشديد والحبس الطويل.لكن محل هذا مالم يبين ذاكره آمارة كأن يقول :هذا كذب أو باطل أو نحوهما من الصريح في ذلك. انتهى كلام السخاوي
الثاني :أن شديد الضعف لا يعمل به أيضاً والحديث شديد الضعف هو الذي لا يخلو طريق من الإشارة عن كذاب أو متهم بالكذب كما قال ابن حجر . وتجوز روايته بلا بيان ضعفه لكن إذا أردت روايته بغير إسناد فلا تقل قال رسول الله كذا وما أشبهه من صيغ الجزم بل قل روي كذا وبلغنا كذا أو ورد أو جاء أو نقل عنه وما أشبهه من صيغ التمريض وكذا ما شك في صحته وضعفه كما بيّن في كتاب التقريب .الثالث :أنه يجوز العمل بالحديث الضعيف في الفضائل والسيرة :حيث ذهب إلى ذلك جمهورالعلماء أو جماهيرهم كما قال الإمام النووي في الأذكار .
الرابع : أنه وقع الخلاف في جواز العمل بالحديث الضعيف الذي لم يشتد ضعفه في مسائل الأحكام كما تفيده عبارة السيوطي .قال السيوطي ويعمل به ـ الحديث الضعيف ـ أيضا في الأحكام إذا كان فيه احتياط فقيده بذلك.
وقال الحافظ السخاوي : وعن الإمام أحمد أنه يعمل بالضعيف إذا لم يوجد غيره ولم يكن ثم ما يعارضه .[1]أ ـ هـ
و قد ذهب بعض الأئمة الى العمل بالحديث الضعيف في الأحكام الشرعية أي في مسائل الحلال والحرام حتى قدموه على القياس الذي هو أحد المصادر التشريعية التي اتفق على الاعتماد عليها جماهير علماء الإسلام، والعمل بالضعيف في هذا المجال هو مذهب الأئمة الثلاثة من المجتهدين:فهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد وهو مذهب جماعة من أئمة المحدثين كأبي داود والنسائي وابن أبي حاتم لكن بشرطين :
الشرط الأول:أن لايشتد ضعفه .
والشرط الثاني:أن لايوجد في المسألة غيره .وهذا هو مذهب ابن حزم أيضا فإنه قال في المحلى: وهذا الأثر في دعاء القنوت وإن لم يكن مما يحتج بمثله فلم نجد فيه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم غيره وقد قال أحمد بن حنبل رحمه الله ضعيف الحديث أحب الينا من الرأي ،قال علي ـ هو بن حزم ـ :وبهذا نقول.انتهى كلامه
و الإمام الشافعي يعمل بالمرسل إذا لم يوجد في المسألة غيره في حين أنه يرى أن الحديث المرسل ضعيف ، نقل ذلك عن الشافعي الحافظ السخاوي في فتخ المغيث بواسطة الماوردي من أئمة الشافعية ،ونُقل ذلك في المسودة لآل تيمية رحمهم الله تعالى ،والإمام النووي الشافعي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم. ويعمل بالحديث الضعيف أيضاً إذا عرض حديث يحتمل لفظه معنيين دون ترجيح بينهما وورد حديث ضعيف يرجح أحدهما فحينئذ نأخذ بالمعنى الذي يرجحه هذا الحديث ولو كان ضعيفاً كما نص على ذلك عدد من الأئمة السابقين واللاحقين0 وسترى لذلك أمثلة في النقول التالية إن شاء الله.
تنبيه مهم
قال بعضهم : المراد بالضعيف هنا الضعيف في اصطلاح المتقدمين وهو الحسن في إصطلاح المتأخرين وإليه مال الإمام ابن تيمية في منهاج السنة كما نقله عنه القاسمي . وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (ج1ص31): "ليس المراد بالضعيف عند أحمد الباطل ولا المنكر ولا ما في روايته متهم لا يسوغ الذهاب إليه والعمل به، بل الحديث الضعيف عنده قسم من الصحيح وقسم من أقسام الحسن ولم يكن يقسم الحديث إلى صحيح وحسن
وضعيف بل إلى صحيح وضعيف، وللضعيف عنده مراتب"
وجواب ذلك : أن هذا القول بعيد للأسباب التالية :
1ـ لأن الحسن يحتج به ـ إذا لم يكن له معارض  ـ في الأحكام والعقائد والفضائل وغيرها ، وهنا خصُّوا الفضائل ونحوها.
2ـ أنهم اشترطوا في العمل بالضعيف شروطاً وهذه الشروط لا تنطبق على الحديث الحسن بتاتاً .
3ـ أن الحسن ورد على ألسنة العلماء المتقدمين ومنهم الشافعي والبخاري فدعوى أن الضعيف في اصطلاح المتقدمين هو ما يطلق عليه الحسن في اصطلاح المتأخرين فيه نظر :وإليكم هذه النقول عن الإمام الشافعي يصرح فيها بما ينفي صحة الدعوى السابقة :
فقد ورد ذكر الحسن على لسان الشافعي في عدة مواضع من مصنفاته . قال الإمام الشافعي في كتابه اختلاف الحديث (130-131 (( وسمعت من يرويه بإسناد حسن أن أبا بكرة ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه ركع دون الصف فقال : زادك الله حرصاً ولا تعد)) فلا حظ قول الإمام الشافعي يرويه بإسناد حسن .وهو يتكلم عن سند الحديث مع أن أهل العلم يعلمون أن الحديث قد صح بأسانيد وهو من أحاديث الصحيحين.فكلامه عن سند وقف عليه رحمه الله ذكر أنه حسن .
وقال الشافعي أيضاً :« وحديث ابن عمر عن النبي مسند حسن الإسناد أولى أن يثبت منه لو خالفه ». اختلاف الحديث للشافعي 165
و كقوله عن مرسل سعيد بن المسيب إنه حسن . مختصر المزني (9/ 88 )
قال الإمام ابن الملقن في كتابه المقنع في علوم الحديث الجزء الأول في مبحث الحديث الحسن ناقلاً عن الإمام ابن دقيق العيدمانصه: وقال صاحب الاقتراح هذا كلام فيه مباحثات ومناقشات على بعض هذه الألفاظ قلت قد حسّن البخاري حديث أسامة بن زيد عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال في السواك ناوله أكبر القوم قال الترمذي سألت محمدا عن هذا الحديث فقال حديث حسن وأسامة مختلف فيه وهو من رجال مسلم .وحسّن أيضا حديث موسى بن عقبة عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس رفعه إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء الحديث قال الترمذي سألت محمدا(يعني البخاري) عنه فقال حديث حسن وموسى سمع من صالح قديما .انتهى نقل ابن الملقن عن ابن دقيق العيد.
وقال ابن الملقن في نفس المصدر والمبحث ما نصه: الخامس كتاب الترمذي رحمه الله أصل في معرفة الحسن وهو الذي شهره ويوجد متفرقاً في كلام من قبله كأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهما.انتهى والاستشهاد بقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى : ليس المراد بالضعيف عند أحمد الباطل ولا المنكر ولا ما في روايته متهم لا يسوغ الذهاب إليه والعمل به، بل الحديث الضعيف عنده قسم من الصحيح وقسم من أقسام الحسن .فيه ما فيه : لأن الضعيف مراتب والإمام أحمد لا يحتج بالباطل والموضوع بلا ريب ولكنه يستدل بالحديث الضعيف في الأحكام فضلاً عن فضائل الأعمال وسيأتي النقل والتوثيق الدال على ذلك في ثنايا البحث إن شاء الله .
وقول ابن القيم رحمه الله : (بل الحديث الضعيف عنده قسم من الصحيح وقسم من أقسام الحسن) .
فإن كان مراده أنه قسيم لهما من حيث أنه يستدل به كما يستدل بهما إن لم يعارضه ما هو أصح منه فهذا كلام لا غبار عليه ،وأما إن كان مقصوده رحمه الله عدم العمل بالضعيف مطلقاً فغير مسلم به فقد جاء عنه : أن الخبر المرسل حجة نص عليه ـ الإمام أحمد ـ في مواضع وبه قال مالك وأبو حنيفة .
وقال أيضاً: فقال مهنا: قال أحمد :الناس كلهم أكفاء الا الحائك والحجام والكساح ، فقيل له : تأخذ بحديث ((كل الناس أكفاء الا حائكاً أو حجاماً )) وأنت تضعفه ؟ ! فقال الإمام أحمد: إنما نضعف إسناده ولكن العمل عليه. أي في الفتيا والقضاء والعرف.

والخلاصة: أن الحديث الحسن والحديث الضعيف متغايران اصطلاحاً عند المتقدمين والمتأخرين.
ولكن لا يعني ذلك أنهم لا يعملون بالحديث الضعيف على خلاف في المسألة يأتي بيانه إن شاء الله.
الاعتراض الثاني : قول بعض أهل العلم : ما عليه العلماء بالعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ليس معناه إثبات الاستحباب بالحديث الذي لا يحتج به، فإن الاستحباب حكم شرعي فلا يثبت إلا بدليل شرعي، ومن أخبر عن الله أنه يحب عملاً من الأعمال من غير دليل شرعي فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله كما لو أثبت الإيجاب أو التحريم".
فجواب هذا الاعتراض بما يلي :
الأول : أن الحديث الظني قد يكون ضعيفاً أو صحيحاً أو حسناً ولكنه آحاداً ،فالمكلف يبني عليه الحكم الشرعي من باب الترجيح وغلبة الظن لا من باب القطع به وكل يعلم أن أقسام الثبوت قسمان:قسمي قطعي وهو المتواتر وما يلحق به ،وقسم ظني وهو الآحاد وما يلحق به كالعزيز وغيره .
الثاني: أن المجتهد إذا أفتى أو حكم في مسألة بالحكم الشرعي فليس قائلاً على الله بهوى بل بعلم تام مشروط بشروط لا تخفى على طالب علم وعلى هذا فحكمه بالوجوب أو الاستحباب أو غيرهما من أقسام الحكم مبني على قاعدة الأخذ بالضعيف بشروطه المعتبرة في كل مذهب من مذاهب الأئمة رحمهم الله تعالى . قال الإمام أحمد: "إذا جاء الحلال والحرام شدّدنا في الأسانيد وإذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا في الأسانيد"
و نفس هذا الكلام يقال في القياس الفقهي وهو أحد الأدلة الأربعة عند جمهور الفقهاء .
الثالث: أن من يقول أن المسألة الفلانية لا يجوز العمل بها بناء على رده للحديث الضعيف هو أيضاً حكم بحكم شرعي وهو تحريم العمل بهذه المسألة أو كراهته فهل نقول : أنه يزعم أن الله يبغض هذا العمل فهو متقول على الله ؟!أم أنه اجتهاد قد يصيب وقد يخطىء ؟!.


اعتراض : قد يقول قائل : ما الفرق بين فضائل الأعمال والمغازي والسيرة وبين غيرها كالعقائد والطلاق والنكاح وسائر الحقوق .
والجواب:لأنه إن كان الحديث صحيحاً في واقع الأمر فقد أعطى حقه من العمل به، وإلا لم يترتب على العمل به مفسدة تحليل ولا تحريم ولا ضياع حق للغير. بخلاف العقائد ونحوها مما ذكر في الاعتراض.
ذكر الإمام ابن حجر الهيتمي في كتابه فتح المبين لشرح الأربعين ص 36 طبعة دار الكتب العلمية وهو شرح للأربعين النووية . (( قال الإمام النووي في الأربعين : وقد اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال وعلق الإمام ابن حجر الهيتمي فقال : لأنه إن كان صحيحاً في نفس الأمر فقد أعطى حقه من العمل به، وإلا لم يترتب على العمل به مفسدة تحليل ولا تحريم ولا ضياع حق للغير .))أ ـ هـ
ومشروعية العمل بالحديث الضعيف أشهر من نار على علم شامخ.وللعلماء فيها أقوال ثلاثة :كما قال الإمام الفرا الحنبلي ،والحافظ السخاوي كما في فتح المغيث وغيرهما.
المذهب الأول : الاحتجاج بالحديث مطلقاً أي في الأحكام وغيرها .
قال السخاوي " احتج أحمد رحمه الله بالضعيف حيث لم يكن في الباب غيره ، وتبعه أبو داود وقدَّماه على الرأي والقياس ، ويقال عن أبي حنيفة أيضا ذلك ،وكذا الإمام مالك . وأن الشافعي يحتج بالمرسل إذا لم يجد غيره ، وكذا إذا تلقت الأمة الضعيف بالقبول يعمل به على الصحيح حتى أنه ينزل منزلة المتواتر في أنه ينسخ المقطوع به ، ولهذا قال الشافعي رحمه الله في حديث " لا وصية لوارث " : أنه لا يثبته أهل الحديث ولكن العامة تلقته بالقبول وعملوا به حتى جعلوه ناسخاً لآية الوصية له . وقال الإمام أحمد لولده عبدالله : تعرف طريقتى فى الحديث لست أخالف ما ضعف من الحديث إذا لم يكن فى الباب شىء يدفعه . انتهى ذكره القاضى أبو يعلى فى مسألة الوضوء بالنبيذ.
وجاء في المسودة ص250:في الخبر المرسل (والمرسل من أقسام الضعيف كما هو معلوم) .
الخبر المرسل حجة نص عليه ـ الإمام أحمد ـ في مواضع وبه قال مالك
وأبو حنيفة. أ ـ هـ
قال ابن بدران الحنبلي في كتابه المدخل:الأصل الرابع ـ من أصول الإمام أحمد ـ :الأخذ بالمرسل والحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه ،وهو الذي رجحه على القياس ، وليس المراد عنده الباطل ولا المنكر ولا ما في روايته متهم.[2] أي متهم بكذب
إذن فالإمام أحمد يجيز العمل بالحديث الضعيف بثلاثة شروط :
1ـ أن لا يشتد ضعفه .فالضعيف أقسام كثيرة فيخرج بهذا القيد شديد الضعف.
2ـ أن لا يكون في المسألة دليل أصح منه ليستدل به.
3ـ أن لا يكون هناك ما يعارضه .[3] من أثر يدفعه أو قول صحابي ، أو إجماعاً على خلافه.
قال الزركشي : وقريب من هذا قول ابن حزم الحنفية متفقون على أن مذهب أبي حنيفة أن ضعيف الحديث عنده أولى من الرأي. والظاهر أن مرادهم بالضعيف ما سبق .أ ـ هـ
وأعظم ما يشهد لذلك المسائل الشرعية التي نص عليها الإمام أبو حنيفة أو أحمد أو مالك والتي كان مستندها حديث ضعيف أو الشافعي في أخذه بالمرسل وكتب الفقه الإسلامي في المذاهب الأربعة وغيرها شاهدة على ذلك فرد هذه الحقيقة دفع للحق بالصدر وليس ذلك دالاً على قصورهم رحمهم الله بل هو برهان على سعة علمهم وتنكب بعض طلبة العلم من المعاصرين لطريقتهم .
المذهب الثاني : منع العمل بالحديث الضعيف مطلقاً .
وهذا المذهب ينسب إلى ابن العربي المالكي ولكن قال الحافظ السخاوي : كلام الحافظ ابن العربي يحمل على شديد الضعف المتفق على عدم العمل به .

المذهب الثالث : العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال وفق ضوابط وشروط ويعمل بالمرسل من أقسام الضعيف في الأحكام وهو مذهب الشافعية بشروط عندهم . قال الإمام النووي الشافعي رحمه الله في كتابه الإرشاد م1 ص270 طبعة مكتبة الإيمان المدينة المنورة (( يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ورواية ما سوى الموضوع من أنواع الضعيف من غير اهتمام ببيان ضعفها ، ويجوز العمل بها فيما سوى صفات الله وأحكام الشرع من الحلال والحرام وغيرها ، وذلك كالمواعظ والقصص وفضائل الأعمال وسائر فنون الترغيب والترهيب وما لا تعلق له بالأحكام والعقائد )) .
وقال الإمام النووي في كتابه الأذكار ص36طبعة دار المنهاج . (( وقال العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم : يجوز ويستحب العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف مالم يكن موضوعاً )) .
وإليكم مزيد من النقول المفيدة في هذه المسألة من بعض كتب العلماء .:
1ـ قال الإمام ابن عابدين : ـ عبارة الرملي كما في الشرنبلالية العمل بالحديث الضعيف الخ قوله في فضائل الأعمال أي لأجل تحصيل الفضيلة المترتبة على الأعمال قال ابن حجر في شرح الأربعين : ـ لأنه إن كان صحيحا في نفس الأمر فقد أعطي حقه من العمل وإلا لم يترتب على العمل به مفسدة تحليل ولا تحريم ولا ضياع حق للغير .قال السيوطي ويعمل به ـ الحديث الضعيف ـ أيضا في الأحكام إذا كان فيه احتياط ثم قال ابن عابدين : ـ شديد الضعف هو الذي لا يخلو طريق من الإشارة عن كذاب أو متهم بالكذب قاله ابن حجر . قوله وأن لا يعتقد سنية ذلك الحديث أي سنية العمل به وعبارة السيوطي في شرح التقريب الثالث أن لا يعتقد ثم العمل به ثبوته بل يعتقد الاحتياط وقيل لا يجوز العمل به مطلقا وقيل يجوز مطلقا ا ه قوله وأما الموضوع أي المكذوب على رسول الله وهو محرم إجماعاً بل قال بعضهم إنه كفر قال عليه الصلاة والسلام من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار .
قوله بحال أي ولو في فضائل الأعمال قال ط أي حيث كان مخالفا لقواعد الشريعة وأما لو كان داخلاً في أصل عام فلا مانع منه لا لجعله حديثاً بل لدخوله تحت الأصل العام ا هـ تأمل قوله إلا إذا قرن أي ذلك الحديث المروي ببيانه أي بيان وضعه أما الضعيف فتجوز روايته بلا بيان ضعفه لكن إذا أردت روايته بغير إسناد فلا تقل قال رسول الله كذا وما أشبهه من صيغ الجزم بل قل روي كذا وبلغنا كذا أو ورد أو جاء أو نقل عنه وما أشبهه من صيغ التمريض وكذا ما شك في صحته وضعفه كما في التقريب . انتهى من حاشية ابن عابدين 1/ 127 أ ـ هـ
2ـ قال الإمام النفراوي المالكي : قد تقرر أن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال حيث لم يشتد ضعفه. 1/144 .
3ـ وجاء في المسودة لآل تيمية رحمهم الله ص250:في الخبر المرسل ـ والمرسل من أقسام الضعيف كما هو معلوم ـ الخبر المرسل حجة نص عليه ـ الإمام أحمد ـ في مواضع وبه قال مالك وأبو حنيفة ...إلى أن قال : وذكر أصحابنا رواية أخرى أنه ليس بحجة وهو قول الشافعي [4]، وأخذها القاضي من كون الإمام أحمد سئل عن حديث فقال : ليس بصحيح وعلل بأنه مرسل ، وهذا لا يخرجه عن كونه حجة فإن أهل الحديث لا يطلقون عليه الصحة وإن احتجوا به .
وقال القاضي أيضاً: ومرسل أهل عصرنا وغيره سواء عند أصحابنا[5] ،قال ابن عقيل : وهو ظاهر كلام أحمد وبه قال الكرخي والجرجاني ،وقال أبوسفيان : مذهب أصحابنا أنه يقبل مرسل الصحابة والتابعين وتابعي التابعين يشير إلى القرون الثلاثة المثنى عليهم.أ ـ هـ المسودة ص251.
4ـ وجاء في المسودة :ص273 ـ ذكر القاضى كلام أحمد فى الحديث الضعيف والأخذ به ونقل الاثرم قال رأيت أبا عبد الله إن كان الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فى إسناده شىء يأخذ به إذا لم يجيء خلافه أثبت منه مثل حديث عمرو بن شعيب وابراهيم الهجرى وربما أخذ بالمرسل إذا لم يجىء خلافه وتكلم عليه ابن عقيل ،وقال النوفلى: سمعت أحمد يقول :إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحلال والحرام والسنن والأحكام شددنا فى الأسانيد ،وإذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم فى فضائل الأعمال وما لا يرفع حكماً فلا نصعب .
قال القاضي قد أطلق أحمد القول با لأخذ بالحديث الضعيف فقال مهنا: قال أحمد :الناس كلهم أكفاء الا الحائك والحجام والكساح ، فقيل له : تأخذ بحديث ((كل الناس أكفاء الا حائكاً أو حجاماً )) وأنت تضعفه ؟ ! فقال : إنما تضعف إسناده ولكن العمل عليه، وكذلك قال فى رواية ابن مشيش وقد سأله عمن تحل له الصدقة وإلى أى شيء تذهب فى هذا ؟
فقال ـ الإمام أحمد ـ إلى حديث حكيم بن جبير، فقلت وحكيم بن جبير ثبت عندك فى الحديث؟ قال ليس هو عندى ثبتاً فى الحديث، وكذلك قال مهنا سألت أحمد عن حديث معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن غيلان أسلم وعنده عشر نسوة قال ليس بصحيح (ولكن )العمل عليه كان عبد الرزاق يقول معمر عن الزهرى مرسلاً، قال القاضى :معنى قول أحمد هو ضعيف على طريقة أصحاب الحديث لأنهم يضعفون بما لا يوجب التضعيف عند الفقهاء كالإرسال والتدليس والتفرد بزيادة فى حديث لم يروها الجماعة، وهذا موجود في كتبهم تفرد به فلان وحده فقوله: هو (ضعيف )على هذا الوجه وقوله والعمل عليه معناه على طريقة الفقهاء. قال : وقد ذكر أحمد جماعة ممن يروى عنه مع ضعفه فقال فى رواية إسحاق بن إبراهيم قد يحتاج الرجل أن يحدث الرجل عن الضعيف مثل عمرو بن مرزوق وعمرو بن حكام ومحمد بن معاوية وعلى بن الجعد واسحاق ابن أبى اسرائيل ولا يعجبني أن يحدث عن بعضهم وقال فى رواية ابن القاسم فى ابن لهيعة :ما كان حديثه بذاك وما أكتب حديثه الا للاعتبار والاستدلال ، أنا قد أكتب حديث الرجل كأني استدل به مع حديث غيره يشده لا أنه حجة إذا انفرد وقال فى رواية المروذى كنت لا أكتب حديثه يعنى جابرا الجعفي ثم كتبته أعتبر به ،وقال له مهنا لم تكتب عن أبى بكر بن أبى مريم وهو ضعيف؟ قال أعرفه .
قال القاضي: والوجه فى الرواية عن الضعيف أن فيه فائدة وهو أن يكون الحديث قد روى من طريق صحيح فتكون رواية الضعيف ترجيحاً أو ينفرد الضعيف بالرواية فيعلم ضعفه لأنه لم يرو إلا من طريقه فلا يقبل .[6] قال عبد الله بن أحمد قلت لأبي ما تقول فى حديث ربعى ابن حراش؟ قال الذى يرويه عبد العزيز بن أبى راود؟ قلت نعم .قال لا الأحاديث بخلافه وقد رواه الحفاظ عن ربعى عن رجل لم يسموه ،قال قلت: فقد ذكرته فى المسند ؟!قال قصدت فى المسند المشهور وتركت الناس تحت ستر الله ولو أردت أن أفصل ما صح عندي لم أرو من هذا المسند الا الشىء بعد الشىء ولكنك يا بنى تعرف طريقتى فى الحديث لست أخالف ما ضعف من الحديث اذا لم يكن فى الباب شىء يدفعه . انتهى ذكره القاضى فى مسألة الوضوء بالنبيذ .قال شيخنا قلت مراده بالحديث الذى رواه ربعى عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال قدم أعرابيان فهذا أو حديث (لا تقدموا الشهر) أو غيرهما قال شيخنا :قلت: وعلى هذه الطريقة التى ذكرها أحمد بنى عليه أبو داود كتاب السنن لمن تأمله ولعله أخذ ذلك عن أحمد فقد بين أن مثل عبد العزيز بن أبى راود ومثل الذي فيه رجل لم يسم يعمل به اذا لم يخالفه ما هو أثبت
منه .
وقال أحمد فى رواية أبى طالب ليس فى السدر حديث صحيح ،وما يعجبنى قطعه لأنه على حال قد جاء فيه كراهة ،قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يقول اذا كان فى المسألة عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث لم ينفذ فيها بقول أحد من الصحابة ،ولا من بعدهم خلافه.
وإذا كان فى المسألة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قول مختلف نختار من أقاويلهم ولم نخرج عن أقاويلهم إلى قول من بعدهم. وإذا لم يكن فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة قول فنختار من أقوال التابعين وربما كان الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فى اسناده شىء فنأخذ به اذا لم يجىء خلافه أثبت منه ،وربما أخذنا بالحديث المرسل إذا لم يجىء خلافه أثبت منه.أ ـ هـ [7]
5ـ قال الإمام النووي في المجموع: قدمنا اتفاق العلماء على العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال دون الحلال والحرام. ا.هـ (
أي أن الأحكام في الحلال والحرام ليس فيها اتفاق بخلاف فضائل الأعمال ففيها اتفاق )

6ـ وقال ابن مفلح الحنبلي في الآداب الشرعية: والذي قطع به غير واحد ممن صنف في علوم الحديث حكاية عن العلماء أنه يعمل بالحديث الضعيف في ما ليس فيه تحليل ولا تحريم كالفضائل، وعن الإمام أحمد ما يوافق هذا. ا.هـ
7ـ وذكر الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه شرح علل الترمذي م1 ص 72 طبعة دار الفلاح (( قد رخَّص كثير من الأئمة في رواية أحاديث الرقاق ونحوها عن الضعفاء ، منهم ابن مهدي ، وأحمد بن حنبل ، وقال الثوري : لا تأخذوا هذا العلم في الحلال والحرام إلا من الرؤساء المشهورين بالعلم الذين يعرفون الزيادة والنقصان ، ولا بأس بما سوى ذلك من المشايخ ، وروى ابن المبارك عن رجل فقيل له : إنه ضعيف فقال : يحتمل أن يروي عنه هذا القدر – يعني الأدب والمواعظ والرقاق ، وقال ابن معين في موسى بن عبيدة وكان ضعيفا : يكتب من حديثه الرقاق ، قال ابن رجب رحمه الله : وإنما يروي في الترغيب والترهيب ، والزهد ، والآداب أحاديث أهل الغفلة الذين لا يتهمون بالكذب ، فأما أهل التهمة فيطرح حديثهم ، كذا ذكره ابن أبي حاتم وغيره )) .
8ـ وقال محمد الحطاب المالكي في مواهب الجليل في شرح مختصر خليل : اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال. ا.هـ
9ـ وقال شهاب الدين الرملي الشافعي في فتاويه مجيباً على فتوى وجهت إليه بشأن العمل بالحديث الضعيف وهل يثبت به حكم، فقال: حكى النووي في عدة من تصانيفه إجماع أهل الحديث على العمل بالحديث الضعيف في الفضائل ونحوها ، وقال ابن عبد البر أحاديث الفضائل لا يحتاج فيها إلى من يحتج به، وقال الحاكم: سمعت أبا زكريا العنبري يقول الخبر إذا ورد لم يحرم حلالا ولم يحلل حراماً ولم يوجب حكماً، وكان فيه ترغيب أو ترهيب، أغمض عنه وتسهل في روايته ...إلخ اهـ
10ـ وقال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج: فائدة: شرط العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال أن لا يكون شديد الضعف، وأن يدخل تحت أصل عام، وأن لا يعتقد سنيته بذلك الحديث. اهـ
11ـ وقال الحافظ العراقي في شرحه على ألفيته في الحديث المسمى التبصرة والتذكرة 1/ ص291 طبعة دار الكتب العلمية ذكر العراقي تعليقا على هذين البيتين (( تقدم أنه لا يجوز ذكر الموضوع إلا مع البيان، في أي نوع كان ،وأما غير الموضوع، فجوَّزوا التساهل في إسناده وروايته من غير بيان لضعفه ،إذا كان في غير الأحكام والعقائد بل في الترغيب والترهيب من المواعظ والقصص وفضائل الأعمال ونحوهما، أما إذا كان في الأحكام الشرعية من الحلال والحرام وغيرهما، أو في العقائد كصفات الله تعالى، وما يجوز ويستحيل عليه ونحو ذلك، فلم يروا التساهل في ذلك، وممن نص على ذلك من الأئمة ،عبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وعبد الله بن المبارك وغيرهم، وقد عقد ابن عدي في مقدمة " الكامل " والخطيب في " الكفاية " بابا لذلك )) .
12ـ ونص الإمام السيوطي في تدريب الراوي شرح تقريب النواوي م1 ص 299 مطبعة السعادة مصر على جواز العمل في الحديث الضعيف في فضائل الأعمال ونقل أقوال الأئمة الذي جوزوا ذلك، كأحمد بن حنبل وعبد الرحمن بن مهدي وعبد الله بن المبارك ، ثم قال : وعبارة الزركشي : الضعيف مردود ما لم يقتض ترغيبا أو ترهيبا أو تعدد طرقه ولم يكن المتابع منحطا عنه .
13ـ ونص الإمام محمد بن علان الصديقي في كتابه الفتوحات الربانية على الأذكار النووية م1 ص82 المكتبة الإسلامية وهو شرح لأذكار النووي ، على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال وفق الضوابط والشروط التي وضعها الأئمة .
ثم نقل قول الزركشي ، قال الزركشي : نقل المصنف ( الإمام النووي ) في الجزء الذي جمعه في إباحة القيام الإتفاق ، فقال : أجمع أهل الحديث وغيرهم على العمل في الفضائل ونحوها مما ليس فيه حكم ولا شيء من العقائد وصفات الله تعالى بالحديث الضعيف أهـ
ثم قال ابن علان : قال في الأربعين ( الإمام النووي ) اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث لضعيف في فضائل الأعمال أهـ .
وبه يعلم أن المراد بالإجماع والاتفاق في العبارتين واحد وممن قال بذلك أحمد بن حنبل وابن المبارك والسفيانان والعنبري وغيرهم أهـ .
14ـ وفي كتاب ظفر الأماني في مختصر الجرجاني للإمام أبي الحسنات اللكنوي ص 210 طبعة الجامعة الإسلامية – الهند ، قال السيد الشريف الجرجاني في مختصره : (( ويجوز عند العلماء التساهل في أسانيد الضعيف دون الموضوع من غير بيان ضعفه في المواعظ والقصص وفضائل الأعمال )) .
وعلق الإمام اللكنوي قائلاً : ومن ثم ترى أرباب السير يدرجون الأحاديث الضعيفة في تصانيفهم من غير تصريح بضعفها ، قال العلامة نور الدين حلبي الشافعي في ديباجة سيرته المسمى إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون : لا يخفى أن السير تجمع الصحيح والسقيم والضعيف والمرسل والمنقطع والمعضل والمنكر دون الموضوع .
تنبيه أخير: إذا رأيت حديثاً بإسناد ضعيف فلك أن تقول هذا ضعيف الإسناد ولا يجوز أن تطلق وتريد ضعف متنه بناء على مجرد ضعف ذلك الإسناد فقد يكون مروياً بإسناد آخر صحيح.
جاء في النكت على ابن الصلاح : وهنا أمور مهمة: منها :قد كثر منهم الحكم على الحديث بالوضع استنادا إلى أن راويه عرف بالوضع فيحكمون على جميع ما يرويه هذا الراوي بالوضع وهذه الطريقة استعملها ابن الجوزي في كتاب الموضوعات وهي غير صحيحة لأنه لا يلزم من كونه معروفاً بالوضع أن يكون جميع ما يرويه موضوعاً، لكن الصواب في هذا أنه لا يحتج بما يرويه لضعفه ويجوز أن يكون موضوعاً لا أنه موضوع لا محالة وقد قال القاضي أبو الفرج النهرواني في المجلس المائة من كتاب الجليس الصالح " زعم جماعة من أهل صناعة الحديث وكثير ممن لا نظر له في العلم فظن أن ما ضعف راويه فهو باطل في نفسه ومقطوع على إنكاره من أصله وهذا جهل ممن ذهب إليه وذلك أن راوياً معروفاً بالكذب في رواياته لو روى خبراً انفرد به مما يمكن أن يكون حقاً أو يكون باطلاً لوجب التوقف على الحكم بصحته والعمل بما تضمنه ولم يجز القطع على تكذيب روايته والحكم بتكذيب ما رواه " انتهى
وفي كتاب أدب الحديث لعبد الغني بن سعيد " من سمع عني حديثاً فكذبه فقد كذّب ثلاثة: الله ،ورسوله ،والناقل له " ومنها قال الحافظ أبو سعيد العلائي " الحكم على الحديث بكونه موضوعاً من المتأخرين عسر جداً لأن ذلك لا يتأتى إلا بعد جمع الطرق وكثرة التفتيش وأنه ليس لهذا المتن سوى هذا الطريق الواحد ثم يكون في رواتها من هو متهم بالكذب إلى ما ينضم إلى ذلك من قرائن كثيرة تقتضي للحافظ المتبحر بأن هذا الحديث كذب ولهذا انتقد العلماء على أبي الفرج في كتابه الموضوعات وتوسعه بالحكم بذلك على كثير من أحاديث ليست بهذه المثابة ويجيء بعده من لا يد له في علم الحديث فيقلده فيما حكم به من الوضع وفي هذا من الضرر العظيم مالا يخفى وهذا بخلاف الأئمة المتقدمين الذين منحهم الله تعالى التبحر في علم الحديث والتوسع في حفظه كشعبة والقطان وابن مهدي ونحوهم وأصحابهم مثل أحمد وابن المديني وابن معين وابن راهويه وطائفة ثم أصحابهم مثل البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وهكذا إلى زمن الدارقطني والبيهقي ولم يجيء بعدهم مساو لهم ولا مقارب فمتى وجد في كلام أحد من المتقدمين الحكم بوضع شيء كان معتمداً ،وذلك لما أعطاهم الله عز و جل من الحفظ الغزير وإن اختلف النقل عنهم عدل إلى الترجيح . انتهى ولكن معلوم أن الحافظ ابن حجر وهو من المتأخرين وكان بعد الحافظ العلائي قد حاز القبول عند كثير من العلماء بعلم الحديث الذين في زمنه أو جاء بعده كالسيوطي ،والسخاوي ،وعلي قارىء وغيرهم من أهل المعرفة بعلم الحديث .والمتأمل في عصرنا يجد العبث الذي يفعله كثير من الناس الذي جعلوا من أنفسهم حفاظاً وحكاماً على أقوال الأئمة رحمهم الله وهذا هو حال الناس في آخر الزمان حتى انتشر التعالم وفشى بينهم ،ولو أنهم تمسكوا بأقوال المتقدمين لكان خيراً للأمة وأقوم وأقرب للتقوى ،فما أحوج طالب العلم للتمسك بأقوال الأئمة المقتدى بهم رحمهم الله تعالى وقد دونوا ذلك كما في نصب الراية للإمام الزيلعي ،وتلخيص الحبير ،وفتح الباري ،والفتاوي المطبوعة مع الإمتاع بالأربعين المتباينة السماع لابن حجر العسقلاني ، وكتب الإمام النووي ،ونحوهم ،فضلاً عن من سبقهم من الأئمة .
والخلاصة :أن العلماء قد فرغوا من الحكم على الأحاديث ،ودوّنوا ثمرات هذه المعرفة في كتب الفقه ،فدوّنوا الأحكام الشرعية ليفتي بها العلماء ويعلموها للناس ويقضوا بها في محاكمهم ،فاستقر الأمر على ذلك ولله الحمد .وأمتنا أمة بناء يرفع آخرهم ما بناه أولهم ،وليست أمة هدم يهدم اللاحق ما بناه السابق .فنسأل الله أن يجعلنا من المتبعين لورثة الأنبياء عليهم السلام الذين علموا فعلّموا وبيّنوا وقدّموا ما لم تستطع عليه جامعات مجتمعة في عصورنا .
هذا والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

وكتبه:ماطر بن عبدالله بن غنيم الأحمري


[1] القول البديع .
[2] المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص124ـ125
[3] أنظر القول البديع للسخاوي ، والأجوبة الفاضلة للكنوي.
[4] مذهب الشافعي قبول المرسل بشروط عنده .
[5] علق الشيخ تقي الدين بأنه إن أراد ما أرسله عن واحد ،فهذا قريب وإن أراد أرساله عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن سقوط واحد أو اثنين ليس كسقوط عشرة ..إلخ. لمسودة 251
[6] قال الشيخ تقي الدين: قلت قوله كانى أستدل به مع حديث غيره لا أنه حجةاذا انفرد يفيد شيئين أحدهما أنه جزء حجة لا حجة فاذا انضم اليه الحديث الآخر صار حجة وان لم يكن واحد منهما حجة فضعيفان قد يقومان مقام قوى الثاني أنه لا يحتج مثل هذا منفردا وهذا يقتضى أنه لا يحتج بالضعيف المنفرد فاما أن يرد به نفى الاحتجاج مطلقا أو اذا لم يوجد أثبت منه.انتهى وهو خلاف ظاهر كلام القاضي
[7] المسودة ص276




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !