مواضيع اليوم

حكم الدولة .. وحكم المجتمع ..

محمد غنيم

2009-05-12 09:29:14

0

جميعنا يعرف بوجود منظومة من القوانين التي تحكم وتنظم الحياة العامة في كل دولة ومجتمع، وهناك من القوانين ما تسمى عرفية وهناك منها ما يسمى ديمقراطية، وهناك أيضاً قوانين عرفية، وإلى جانب ذلك هناك أحكام وأعراف اجتماعية يحكم بها المجتمع في القضايا الاجتماعية العامة مثل قضايا الشرف والفساد وما إلى ذلك ..

 

أحياناً قد يكون حكم المجتمع أقسى من حكم القوانين وحكم الدولة، أحيانا يكون هذا النوع من الأعراف الاجتماعية قاسياً جداً، وأحيانا يكون غير واضح وأحياناً يخرج حكم المجتمع بواسطة إشاعات أو اجتهادات شخصية لمغرضين وحاسدين وإليكم بعض الأمثلة ..

 

أبو محمد رجل كبير متزوج ولديه أبناء، فقير، يعشق الماركسية، حارب مع الفدائيين الفلسطينيين في الأردن ولبنان، يشرب الكحول وإن سنحت له فرصة تعاطي المخدرات لفعل، يعمل في مجال البناء، له فكر شاذ عن المجتمع نتيجة انتماءه للماركسية.

 

هذا الرجل مكروه جداً جداً من محيطه الاجتماعي لأنه سكير وغريب الأطوار، وفي أحد المرات كما يقولون هداه الله فأصبح يرتاد المسجد، حيث لم يكن الشيوخ يسلمون عليه وكانوا يتهمونه بالتكفير، ودماؤه محللة لعامة المسلمين، تلقى بعدها أبو محمد سيلاً من عبارات السخرية، وأصبح كل من في الحي همه الأكبر رؤية أبو محمد في ذهابه وإيابه للمسجد، حتى وصل الأمر بأبو محمد أن أقلع عن الصلاة وارتياد المسجد وعاد متشدداً في ماركسيته أكثر مما كان عليه.

 

هذا نموذج واقعي لحكم اجتماعي، وهذا تقريباً ما حصل معي عندما كنت ألتزم في المسجد وقتها كان والدي بعثياً اشتراكياً، وكان ينظر لي نظرة غضب عندما كنت أتأخر في المسجد أو أعود من الصلاة، وكثير من الأصدقاء ابتعدوا عني، وعندما تحولت كما جرت العادة في مجتمعاتنا المسلمة إلى علماني أو غير ملتزم، عاد لي مجموعة من الأصدقاء ونبذني الآخرون في المسجد، وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي واحتلال العراق ونشوب انتفاضة الأقصى العام 2000 تحول والدي إلى ملتزم دينياً لا يترك صلاة ويقرأ القرآن يومياً، وهو يدعوني الآن للالتزام بالصلاة وقراءة القرآن.

 

وبعيداً عن الدين وحكم المجتمع في هذه الأمور، فإنك عندما ترتدي ملابس من جينز مثلاً يختلف الأمر عندما ترتدي نلابس من قماش، ويختلف عندما ترتدي قبعة على رأسك أو ملابس رياضية، فقد يتم التعامل معك ويحكم عليك من ملابسك، وهذا كثيراً ما يحصل معي، فحتى سائقي التاكسي يتعاملون معي بكل احترام عندما أرتدي بدلة أتأنق بها، لكن عندما أرتدي بنطالاً عادياً أو ثياباً عادية يختلف تعاملهم معي، ما الأمر.

 

ومنطقياً لا يجوز الحكم على الفرد من ثيابه، وأنا أعرف أكثر من شاب لجأ إلى المساجد ليوفر الملتزمون بها عملاً له، أو يحظى باهتمام فئة من المجتمع، وأعرف من يرتاد النوادي الليلية والبارات للتعرف على مرتاديها من أجل مصالح معينة، وهناك من يفعل الاثنان معاً، فمرة حدث معي قبل نحو 15 عاماً عندما ارتدت إحدى السينمات الشعبية وسط العاصمة عمان، كانت أيامها عيد الفطر السعيد، وكانت دور السينما وقتها تبث الأفلام الإباحية خاصة في الأعياد، جلست على أحد المقاعد ولأول مرة أجلس في سينما، جلست ألتفت، التفت ورائي فرأيت ذاك الشيخ الباكستاني الذي كنت عادة أراه يزور أحد الجيران وكان كلما يمر يدعونا للصلاة في المسجد، والجميع يحترمه على هذا الأساس.

 

استدعتني أحد الجهات الأمنية ذات مرة، فنفر مني الأصدقاء خوفاً ورعباً، وحصلت على مال وافر ذات مرة فاقتربوا مني، ما هي معايير الحكم الاجتماعي معي ومع غيري إذاً ..

 

الموضوع واسع جداً ويستحق التمحيص والتأمل، وإذا كانت المجتمعات العربية تحارب القوانين الرسمية التي تنشئها الدولة ويأمر بها الحكام والزعماء، فلماذا لا ننشيء لمجتمعاتنا أعرافاً تحكم بيننا بعدالة دون أن نكون ظالمين لأنفسنا فلا نغير من قوانين ظالمة وفاسدة وعرفية ومتخلفة ولا نتقدم خطوة نجو الأمام!! ..

 

mgnaim@yahoo.com




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات