حكايتي مع الكتاب
بقلم: سلمان عبدالأعلى
كنت في حاجة لمراجعة الطبيب، فذهبت لأحد المراكز الصحية واصطحبت معي كتاباً ليساعدني ويسليني على تمضية الوقت اللازم للانتظار دون أن أشعر بالملل، فتجاربي تقول بأني سوف أنتظر طويلاً حتى أتمكن من الدخول على الطبيب، وإذا كان كذلك، فالوقت سوف يمضي سواء استفدت منه أو لا، فلماذا لا استفيد منه وأطرد عني الشعور بالملل ما دامت قادراً على ذلك؟
هكذا حدثت نفسي قبل أن أذهب، لكنني فوجئت من ردة فعل المنتظرين معي في صالة الانتظار، وكل ذلك بسبب رؤيتهم لي وأنا ممسك للكتاب بيدي، إذ ما إن استقريت جالساً على الكرسي حتى تولاني أحدهم -وكنت جالساً بجانبه- بسلسلة من الأسئلة والاستفسارات: ماذا بيدك؟ وما هو هذا الكتاب؟ ولمن؟ وعن ماذا يتحدث؟ وهل هو منهج دراسي تدرسه في الجامعة أم أنه فقط للثقافة والإطلاع؟
ولم يكتفي بذلك، بل تابع أسألته وألحقها بسؤال عن المؤلف وجنسيته و... وبعدها لم يمنع نفسه من الضحك على الاسم، إذ أنني كنت أصطحب معي كتاب ((الفتنة للدكتور هشام جعيط))، وما إن سمع بالاسم حتى قال معلقاً بلهجته الشعبية: "جعيط ولا جعيس"، وتقهقه بعدها بقهقهات أراد أن يبين لي مدى فرحته لإبداعه لهذه النكتة !
جاريته قدر استطاعتي وأجبته على جميع أسألته التي كثرة وطالت كثيراً، ولكن ماذا أصنع فليس باليد حيلة؟
وما إن انتهى صاحبنا من تحقيقاته معي، حتى ألتفت نحونا أحد الجالسين وهمس بهمسات مسموعة، وكأنه أراد أن أسمعها ويسمعها الجمع كله قائلاً: ((هذه الكتب لا فائدة منها))، لكني تجاهلت كلامه ولم أعلق عليه وكأني لم أسمعه، وانشغلت بالقراءة في الكتاب، لأنني رأيت بأن لا فائدة من التعليق أو الكلام.
وبعد برهة زمنية غادر صاحبنا (المحقق) الصالة واعتقدت بأنني سوف أكمل القراءة بلا تعليق ولا تحقيق، ولكن شيئاً من ذلك لم يحصل، فلقد دخل علينا أحد الأشخاص قادماً من الخارج، وما إن استقر جالساً بجانبي حتى قال: هل من الممكن أن أطلع على الكتاب؟ فأعطيته إياه وأنا معتقد أنه مهتم بالقراءة والإطلاع، وأحب أن يطلع على الكتاب فعلاً، ولكنه لم يتركني دون أن يعكر علي الجو أيضاً، إذ سألني ممتعضاً: لماذا تقرأ هذا الكتاب هنا في المركز الصحي؟ لماذا لا تقرأه في البيت؟؟
وكان يخفي خلف سؤاله العديد من الاستنكارات والتشكيكات في نيتي الفعلية من القراءة، فتقاسيم وجهه فضحته، ولكن تجاهلت ما بان لي ولم أعره أي اهتمام، وأجبته على سؤاله ببساطة وببرود أعصاب، وكأني لم أفهم ماذا يقصد من ورائه، فقلت له: أنا أقرأ هنا لكي استفيد من الوقت، ولكي لا أشعر بالملل بسبب طول الانتظار.
وما إن أجبته بهذه الكلمات حتى نادت الممرضة باسمي لأدخل على الطبيب، وهكذا انتهت الجلسة في قاعة الانتظار دون أن أقرأ سوى أسطر معدودة، وخرجت من القاعة، وكأني خرجت للتو من مسرح يحكي واقع الناس في مجتمعاتنا مع الكتاب، إذ أن ما حدث معي أعطاني خلاصة للواقع المخجل الذي يعاني منه الكتاب في مجتمعاتنا.
فهو يعيش غريباً بيننا، وغربته شديدة، فالكثير من الناس في مجتمعاتنا لا يقرأ ولا يطيق أن ينظر إلى أحداً يقرأ أو يتحدث عن القراءة، لأنهم يعتقدون بأن من يقرأ في الأماكن العامة كأنه يريد أن يوحي للناس بأن ثقافته عالية لكي يتفاخر بعدها عليهم، فهم إلى الآن لم يعتادوا على رؤية هذا المشهد.
مع أن وسائل الإعلام تخبرنا وتنقل لنا باستمرار واقع الناس في الدول المتقدمة مع القراءة، فالكثير من الناس في تلك الدول لا تفارق الكتاب، ولهذا يبدو مشاهدة شخص وهو يقرأ مشهداً اعتيادياً ألفته الناس وتعودت عليه، فهم يستثمرون أي وقت لديهم للقراءة والإطلاع دون أن يسبب لهم ذلك أي حرج، ولهذا نراهم يقرؤون في صالات الانتظار، وفي الطائرة، وعلى ظهر السفن، وفي عربات القطار و... دون أن يلاقى ذلك بأي استنكار أو استهجان.
ولهذا أتمنى أن نعتاد على رؤية هذا المشهد في مجتمعاتنا أيضاً، بحيث لا نتعجب ولا نستغرب لو رأينا أحداً يقرأ، وبدلاً من أن نسأله مستنكرين أو متعجبين لماذا تقرأ؟ علينا أن نسأل أنفسنا نحن لماذا لا نقرأ؟ !!
التعليقات (0)