مواضيع اليوم

حكاية من زمن 23 فبراير

mohamed ch

2011-04-29 21:28:29

0

غادرت ورش النجارة الصغير حيث اشتغلت طيلة النهار وفضلت كما العادة المكوث داخله أدخن الكيف رفقة شلة من الأصحاب داخل حيز ضيق اقتطعته من مساحة المحل ، وليس في كل ذلك ما ينذر بالمفاجأة ، ولست أدري الداعي الذي جعل هذا العبثي الجالس معي يلح علي كي أسرد هذه التفاصيل التي أحاول جاهدا نسيانها. ولكي نتمم، فقد أغلقت المحل بعيد صلاة المغرب رغم إمارات الحنق التي بدت على محيا سفيان الذي استأنس بهذا المجلس الهادئ ولم يشأ أن يغادره ، فهو آت للتو من وسط المدينة حيث القيامة نايضة بين جماهير الوطن الساخطة والقوات العمومية وقد وجد لدي مجلسا هادئا يساعد على رفع درجات النشوة بعيدا عن صخب الشارع، وما كان مني إلا أن طلبت منه أن ينتظرني لكنه رفض قائلا أن القضية حامضة والأفضل له أن يدخل البيت . فكان أن ودعته وسرت متثاقل الخطى أحاول ما أمكن الإبتعاد عن بؤر التوتر إلى أن بلغت البيت حيث وجدتهم جميعا يتحدثون عن الحدث الجلل الذي ابتليت به المدينة، وقد أردت أن أشاركهم الحديث لكن الخرس الذي يصيب لساني بفعل تأثير الكيف جعلني أستمع فقط.نظرت إلى الساعة.لم يحن بعد وقت صلاة العشاء .نظرت من النافذة فلاح لي الزقاق هادئا بشكل مريب ورغم ذلك لم أجد مانعا من السير صوب المسجد الجديد لأصلي العشاء هناك .توضأت وتوكلت على الله من شر المتربصين وخبث الخبيثين ورششت الماء على وجهي حتى يزول مفعول المخدر ثم انطلقت مشدوها بهالة الهدوء الذي يسود الأجواء.لا خوف إذن، ومضيت أشحن الذهن بأفكار مبتورة حتى بلغت المسجد حيث بقيت حينا من الدهر أنتظر الآذان وقد لاحظت أن عدد المصلين قليل على غير العادة.بعد الآذان شرعنا في الصلاة وقد بذلت جهدا لبلوغ لحظة الخشوع لكن شبح الأحداث سيطر على ذهني. لذلك فلنقل أنني أديت الركعة الأولى شاردا وليغفر لي الله.في وسط الركعة الثانية سمعت زعيق سيارة الأمن يزمجر فارتجت أوصالي لأني مغربي جبلت على الخوف من كل شيء ذا علاقة بالأمن رغم أني في بيت الله الحصين. بعد انتهائنا من الصلاة أخذت نعلي الجلدي وأنا أتلو ما علق في ذهني من معوذات يقال أنها تطرد الأشرار.عند وصولي إلى الشارع المقابل للباب الرئيسي للمسجد رابني الهدوء الثقيل وتذكرت صوت سيارة الأمن.فقط لو أبلغ البيت وليأت الطوفان.سرت متثاقل الخطى أتحسس مفاتيح الباب عند انعطافي جهة اليمين لأعبر الشارع الذي يوصل إلى مقبرة سيدي غريب ، وهذا سيعرفه سكان مدينتي جيدا ، رأيت سيارة زرقاء قادمة بسرعة كاسحة والشارع خال لذلك صعدت إلى الرصيف لكني بغثت بسائقها يدير مقودها نحوي.أيريد قتلي؟ حتما لا، فأنا مغربي مثله تماما.ثم لماذا سيقتلني ؟فأنا حرفي مهنتي النجارة ورأسمالي دكان صغير أتعايش بما يذره علي مع تكاليف الحياة.ثم إني مستعد لأقسم بالمصحف والإنجيل والتوراة أنني لم أمارس السياسة يوما حتى أن يداي لم تلتقطا خنجرا ولا حجرا ولم أخرب ولم أضرب...لكن كما يحدث في الأفلام فقد كادت السيارة تخترق جسدي ولولا انزياحي اللاشعوري المدفوع بغريزة البقاء لألصقتني بالحائط وبالمقابل فقد أصبت في رجلي اليمني بفعل احتكاك رجلي اليمني بالإطار الأمامي للسيارة فكسرت عظامها وسقطت أرضا ولما ضغط السائق على الفرامل موقفا إياها ظننته سينزل ليعتذر لأنه أخطأ .لكنهم نزلوا جميعا ولا تسألني عن إحساسي لحظتها فقد تمنيت الموت قبل أن يشتموني ويركلوني ،لم أدر أي قوة جعلتني أصرخ : راني عاد خارج من الجامع..أجاب أحدهم : وسير تقاود نعاود نلقاك كادور ندوز على الز.. اللي ولدك ...ثم عادوا إلى سيارتهم الآثمة وقمت أنا من مكاني أقاوم انهمار الدمع فليست حتما تلك شيمة الرجال.
بقيت صورة السائق ماثلة في ذهني فأنا أعرفه.وسرت أعرج إلى أن بلغت البيت ولم أخبرهم بشيء وصعدت إلى السطح حيث رأيت كيف امتلأ الزقاق بالأحجار ورأيت الأوغاد كيف يركلون ويلطمون ويملأون سياراتهم الآثمة.فكرت في قنينة الغاز لكني فكرت أكثر في إبني وابنتي وزوجتي وأمي فأنا معيلهم الوحيد ولم أشتك يوما من سوء التغذية ولا من الفقر ولا من جودة الكيف الرديئة ، وحين حلمت بجنان الحياة الأخرى كسر زبانية الأرض عظام رجلي..وها أنت ترى فماذا ترى فيما ترى؟
حكاها :ع. النجار/الخميسات / 05 أبريل 2011




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !