حكاية الوردة السوداء
Oh Black Rose! I am the silent Caesar, please love me.
Mr. Mezouar Mohammed Said
على كل إنسان أن يجد لنفسه استراحة بين جنبات الأعذار، ففي جنب منها يسير القطار، و هو محملا في احدى عرباته بالأزهار، لكنّ المسافر في هذا القطار يتريث حتى يملّ الانتظار، و من هنا تبدأ نهاية البداية بالنسبة للحكاية.
إنها فترة لا يعرف فيها الفرد طريقه العام، و لا يفهم معاني الغمام، و على نفس الطريق يوجد الإنسان، فأي مستقبل يكون لهذا الإنسان؟
المستقبل لا يولد من الرحم العقيمة، و إنما يولد من مهابل النساء و أصلاب الرجال، و لنتمعن جيّدا هذه العبارة، فصاحبها يرمي إلى معان عدّة. و هنا علينا أن نميّز بوضوح بين الرجال و الذكور و الاناث و النساء، فليس كل ذكر هو رجل، و ليست كل أنثى هي امرأة، و بين المفردات يظهر الشارع و تنتصب القصور.
و من هذا الباب نجد الوردة السوداء، إنها كسائر الورود، لها رائحة عطرة، تتخذ من أنوف البشر مسكنا رفيع المأوى، و تعبث بعقول المستقبلين لعبقها أيام عبث، بينما منظرها يسرّ كل العيون، لأنها رغم مميزاتها من بين كل الورود، فهي تبقى من أجملها و أجلها حسنا و منظرا، و رائحتها لا يستعملها سوى أدهى العطارين، الذين يصنعون أغلى العطور، إنها نبات لا تهمه الحياة، لكن الدنيا كلها تقف له احتراما و تقديرا لأعماله القيّمة حقا، لأن وردتنا تحارب الخبيث من الروائح و الشاحب من المناظر، فكم تغنى الشعراء بجمالها، و كم أتقن الفنانون نحتها و رسمها، حتى صارت رمزا للأناقة و المودة و المحبة، فيا وردتنا عفوا، نحن نرجوا أن تقبلي ولاءنا، و يا أنيسة المحب نحن نعترف أننا نحترم عملك و وظيفتك، فهلا كشفتي لنا عن سرّ من أسرارك؟
و من باب الصمت يطلّ علينا قيصر القياصرة، أين وجه نظراته للوردة السوداء محاولا جعلها تنتبه لحبه الأعمى لها، و هذا دون أن يحس به أي أحد من الحاضرين سواها، لأنّ القيصر أحب الوردة السوداء دون أن ينتظر حبها له، فأصبحت له ملهما و محركا، أحبها دون اذن منها، أحبها من عمق أعماق مشاعره، فأشار لعواطفه أن تخدم الوردة كما تشاء هذه الوردة، و من هنا جاء قرار القيصر من أن يجعل الوردة السوداء وردته لوحده، أرادها أن تصير الأميرة الوردة السوداء بدل أن تبقى مجردة وردة.
أين سألته قائلة: " ... يا جلالة القيصر! يا عظيم العظماء... أنا وردة سوداء بسيطة، كيف تحبني أنا و تجعلني أميرتك؟ و في حديقة قصرك ورود كثيرة، الجميلة و الأنيقة و المثيرة! أفلا و ضحت لي يا سيدي أمر أن تجعلني أميرة؟ ..."
و عندها نظم القيصر أفكاره، و ابتسم ابتسامة الدهاة، و قبل أن يجيب أميرته نظر أوّلا إلى صورتها التي رافقت أحلامه الفاتنة، و هنا أذن للسانه أن يجيب فقال: "... نعم! في قصري كل ما أشتهي من الورود، لكنهم ليسوا ورودا سودا و بسطاء، إنهم ورودا أحبوا هندام القيصر، و أفكار القيصر، و قصر القيصر، دون أن يحبوا القيصر و قيصرته كما أحبته الوردة السوداء، فهي وحدها من أحبت روح القيصر، حتى تحوّل القيصر العظيم على يديها إلى طفل بريء، و جعلت من محياه أرضا خصبة تداعب الأفكار و الأمجاد، نعم! لقد أحببت بساطتك، كما أنت أحببت روحي.... " .
و في هذه اللحظة تاه خيال الوردة السوداء و أفكار القيصر في جوّ صاف جدا، فالقيصر يتساءل عن خلجات هذه الوردة و كيف يصل إلى امتلاك أحلامها ليسجنها في قلبه ما دام حيا و إلى الأبد، و الوردة السوداء تنظر إلى جواب القيصر بنوع من الشك، حيث تحدث نفسها قائلة: " أيريد هذا القيصر استغبائي؟ أم أنه قيصر أحبني فعلا كما يقول .... من يضمن لي حب قيصر بامكانه العبث بمشاعري ثم يختفي كما ظهر؟...."
لكن أناقتها تتبع عظمته، بحيث أن وردتنا السوداء تجعل من هذا القيصر منبع نوع من الأمل، فتعمد إلى توجيه اختبارات قاسية لتكشف عن خداعه لها إن كان هناك خداع أصلا.
و القيصر الصامت ما يزال ينجح في كل اختبار، انه يتعامل مع اختبارات أميرته الوردة السوداء كما تعامل مع جيوش الملوك الأخرى التي اعترضت مسار نجاحه، فهذا القيصر صمد حتى الآن أمام كل الضربات في هذه الحياة، فرغم أنه تألم كثيرا، إلاّ أنّ ألمه بقي طي الكتمان، و هذا ما جعله من القلائل الذين أمسكوا بجذوة النصر و تقدموا إلى الانتصار بصدورهم العارية. فتحية إكبار لك أيها القيصر الصامت، و تحية أنوثة أنيقة لك أيتها الوردة السوداء، فإنّ لك قيصرا ساد القياصرة كلهم بصمته القاتل، لكنه عجز أن يسود أميرته الوردة السوداء حتى الآن بحبه الدفاق.
السيّد: مــــزوار محمد سعيد
التعليقات (0)