حكاية المطربة أحزان يتيم مع الرجل الفنجرى ..
وبساتين البرتقال السكرى
من مقامات مجنون العرب
يفخرالإنسان بما حباه الله من عقل.. يدفعه لاختيار الأصوب في القول وفي
الفعل.. لهذا يندهش المجنون حين يرى أن الناس تتلذذ بالقتل.. منذ أن قتل
قابيل أخاه هابيل.. فشربت الأرض دماء أول قتيل.. وبدأت أولى حلقات مسلسل
القتل والتنكيل.. ومنذ ذلك اليوم الذي لا نعرفه.. أصبح هذا المسلسل أمرا عاديا
نألفه.. كما أصبح قابلا للعرض.. على امتداد سطح الأرض.. حيث يظل القاتلون
يقتلون.. ويظل المتفرجون يشهدون.. ومنهم من لايهتم.. إلا إذا تلطخت ثيابه
بالدم!.
هَرَشَ المجنون رأسه وقفاه.. وهو يتأمل ما يراه.. فالحيوان لايقتل أخاه
الحيوان.. إلا إذا أفقده الجوع الاتزان... فهو يقتل لكي يأكل.. وإذا شبع
فإنه لايقتل.. أما الإنسان المتزن العاقل.. فإنه يحب أن يتحول إلى قاتل.. حتى
وهو مصاب بالتخمة.. وحتى أن كان القتيل جلدا على عظمة.. لأنه لايجد ثمن
اللقمة.. كما أن الإنسان الذي يتميز بالعقل.. هو الذي يخترع كل مايسهِّل
عليه القتل.. ابتداء من السكاكين الغبية.. حتى الصواريخ الذكية.. ومن ساحات
الإعدام.. حتى حقول الألغام.. والأغرب من هذا أن الذين يسمون أنفسهم
متحضرين.. هم الذين يقتلون المتخلفين.. لكي ينهبوا ما في أرضهم من خيرات.. أو
يستخرجوا منها مايطمعون فيه من ثروات.. وهم يبررون مايرتكبون.. بأن
المتخلفين لايعقلون.. ويرفضون الرقص على حبال الديمقراطية.. لهذا يجب قتلهم دون
دية!.
في القاهرة حي يسمى الزمالك .. وتتشعب في هذا الحي المسالك.. بعضها يُفضي
إلى المهالك.. ويتحصن في هذا الحي أغنياء الفنانين.. حتى لا تنزعج عيونهم
برؤية الشحاذين.. ولايضايقهم أصحاب الحاجة.. ممن يحلمون بأن يأكلوا في
السنة فخذ دجاجة.. كما يتجمع في هذا الحي رجال الأعمال.. وكلهم يعيشون في
أحسن حال... حيث يقيمون السهرات الرائعة.. ويتمايلون عند الرقص بأشكال
بارعة.. ويتناولون الأفخاذ المرمرية.. حتى لو لم تكن لهم شهية.. أما الفقراء
فبينهم وبين الزمالك نفور.. لأن عيونهم تخاف من رؤية الفلل والقصور!
اقترض رجل الأعمال من البنوك ملايين.. ربما لكي يتصدق بها على المساكين..
أو ليقدم لهم اختراع الكهرباء.. حتى يعرفوا في الليل معنى الضياء.. وتزوج
رجلُ الأعمال فنانة شهيرة.. وأخذ يغار من شهرتها الكبيرة.. لأنه يعرف أن
العشاق كثيرون.. وأنهم في حروب الحب يتنافسون.. وهكذا أخذ الزوج الغيور..
يفتعل الأسباب لكي يثور.. وطالب الزوجة ألا تسهر خارج البيت.. وأن تلتزم
بآداب الصمت.. وتحبس ما لديها من جمال الصوت.
رفضت الزوجة هذا العرض.. فتحول حب الزوج إلى بغض.. وتحولت الغيرة إلى قوة
عمياء.. فلم يعد يستطيع تمييز الأشياء.. برغم كل أضواء اختراع الكهرباء..
وفي الليلة المعهودة.. وقعت الحادثة المشهودة.. حيث انهمر الرصاص ليخترق
الجسد.. ولم تعد الفنانة مثاراً للحسد.. فقد بكى عليها كثيرون.. بعد أن غاب
الصوت الذي كانوا يحبون.. بسبب الغيرة التي تندفع بلا عيون.. وهنا تنافست
الجرائد.. في حكايات كثيرة عما جرى من مكائد.. وقيل إن الزوجة قد سقطت
شهيدة الحب .. رغم أن الزوج كان يتمتع بأطيب قلب.. وهنا تعجب المجنون من
جديد.. وسأل نفسه: كيف يتحول القلب إلى صنم بليد؟.. وظل المجنون يهرش رأسه
وقفاه.. من هول مايراه.. من مآسي هذه الحياة.. وكلها من المآسي التي يتسبب
فيها الإنسان.. دون أن يفكر فيها أي حيوان.. وبعد أن ساد الصمت.. صرخ
المجنون بأعلى صوت:
صورُ القتلى عديدة
عندما تطغى المكيدة
وخواءُ العقل يفضي
للخيالات البليدة
ودمُ الإنسانِ يجري
بعد سَهْراتٍ سعيدة!
السلاحُ الآنَ سهلٌ
والعناقيدُ مبيدة
لم يعد للعقل معنى
والخطى ليست رشيدة
صوتُ حبٍّ قد تلاشى
بعد مأساةٍ جديدة
وجهُ مَنْ كانت تغنيِْ
ضاع في ريح عنيدة
وجهها أصبحَ ذكرى
والليالي لن تُعيده
همسةُ الحب تلاشتْ
أصبحت ذكرى بعيدة
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد .. فقد ظل طوفان القتل يمتد ويشتد .. وهكذا تكررت الحادثة .. وتدحرجت فصول الكارثة ..حيث قام أحد رجال الأعمال .. ممن لا يفرقون بين حرام وحلال .. بمحاولة إعادة تمثيل فيلم غرام وانتقام ..واختار لمن يلعب دور البطولة .. شخصا ممن فقدوا معنى النخوة والرجولة ..لا ليقوم بالتمثيل أمام الراحلة أسمهان ..وإنما لينتهى الفيلم بنهاية حياة المطربة أحزان .. هذا ما قاله الساخطون اللئام .. أما المدافعون فقد أكدوا أن الرجل شهم وهمام .. ولا يمكن أن يحرض على القتل والإجرام .
على أى حال فإن الحبكة كانت غبية .. وشهدت عليها بناية فى إحدى الدول العربية .. وكتبت الجرائد بالتفصيل حكاية مقتل المطربة أحزان يتيم .. على يد قاتل رجيم ..وبعد افتضاح أمر السكاكين ..قال الدفاع إن الشهم الهمام عاشق للبساتين .. وكان ينوى إجراء عملية تحسين .. لنوع معين من البرتقال السكرى .. وقد أنفق ما أنفق لا لأنه رجل فنجرى .. وإنما لكى يتذوق الرجال ..ألذ مذاق للبرتقال .
السؤال الآن .. هل يستحق من حرض على قتل أحزان .. أن يعاقب بالإعدام .. هو ومن نفذ القتل دون إحكام .. أم أن القضية كلها تلفيق فى تلفيق ..كما أن الحكم قد صدر دون تدقيق ؟ ! .. أبعد الله عن نسائنا كرم الفنجرى .. ولا أذاقنا الله البرتقال السكرى !
التعليقات (0)