حكاية قبل النوم
حكاية الست مريم
شريف هزاع شريف
بعد الانفتاح الاجباري الذي دخلناه تسربت الينا البضائع الشرقية والغربية من منتجات الاعلامين الكبار الى البيت العراقي في الوقت الذي كنا في داخل قمقم سحري وها نحن اليوم ندشن عصر السطلايت مبرمجين حياتنا على قنواته الكثيرة فبرجوعنا الى المنزل نجلس على هذا الجهاز الساحر لنشاهد ما فاتنا من اخبار العالم ثم بدانا نكتب اهم القنوات وماذا تقدم اسبوعيا وفجأة ومع الاحتلال الانجلو امريكي الذي انعم علينا (بالانفلات ! ) دخلت الى بيوتنا امراة اثارت حولها الجدل والتساؤل الكثير انها (مريم نور) المراة التي تقتسم حياتها كل الاديان السماوية والوضعية والوضيعة واشو وكرشنا والكيلاني ومورتي وسيفناندا واليوغا والتاي شي انها شخصية مثيرة للجدل تعلمنا كيف نأكل وماذا نشرب وكيف نفكر وتقدم لنا النصائح الجريئة وتوبخ وتشتم النساء الجاهلات فهي امرأة جمعت معلومات كثيرة، منها الصحيح ومنها المغلوط ومنها المفيد ومنها الضار لكن عامة الناس لا يميزون الصح من غيره، والمثير انها تدعي الصداقة بل رفع الكلفة بينها وبين الكثير من المشاهير فتذكر بوش الأب والابن وكلينتون ومعمر القذافي والام تريزا وعلي صالح وتوجه رسائل إلي مشارق الأرض ومغاربها وتصور للناس أن لا حل إلا عندها ولا علم إلا ما تقول وفي خضم هذه الأجواء تسوق مريم نور أفكارها الغريبة والناس في حيرة لا تميز ماهو الصح وما هو الخطأ ، لاسيما أننا نشهد طغياناً من البرامج المتعلقة بالتبصير والتنجيم والأبراج خاصة في القنوات اللبنانية ، فقد اصبح كل من يقدم هذه البرامج يدعي العبقرية والكمال وان الكهانة عادة من جديد.
انتشرت ظاهرة مريم نور ونصائحها حول المايكوبيوتيك والريكي و التأمل والاعشاب و موضة الطب البديل منذ اكثر نصف عقد و مع أول ظهور لها على قناة الجزيرة تهافتت عليها فيما بعد القنوات لتقديم علومها ومعارفها وخلطها بين الأديان والاعشاب والطبخ وتربية الاطفال والفلسفة والتصوف الاسلامي واليوغا والريكي ولم يقف الامر عند هذا الحد بل وصل الى تفسير القرأن والحديث النبوي وطرح أمور ملتبسة وتحاول بظنها الحصول على رضا الجميع وتتعمد تفسير بعض النصوص الدينية على خلاف الواقع والموازين الصحيحة لأجل ذلك. فمن اجل أن تبرهن على ضرورة أكل التين الناضج أو (المستوي) كما نقول في العامية، تستشهد بالآية القرآنية (الله استوي على عرش) و امثلة كثيرة لا تستقيم لغويا فكيف دينيا، و تتبني مريم نور الإسلام من خلال استشهادها ببعض نصوصه من جهة ثم تمجد بوذا واليوغا والهندوسية من جهة اخرى وتجمع بين عبد القادر الكيلاني و الحسن البصري مع هندوسي لانعرف هل هو من عبدة البقر ام الفأر في ميزان واحد وبعدها تمدح أساتذتها في ألمانيا وأمريكا جامعة بين متناقضات كثيرة،ويأتي مدحها للإسلام في المناسبات لأجل استرضاء ممولين خليجيين الذين يقصدونها ومن بينهم الاميرات الغنيات وهي تتقلب في أحاديثها لأنها تريد استرضاء الجميع وهذا امر مستحيل فحين تتكلم عن النبي (صلى الله عليه وسلم) تضرب أمثلة عن أفكار وعقائد ضمنية أو بوذية وهندوسية وطاوية وتنسب لنفسها نظرية الاختيار أو التوافق. في حين ان ما تبنته من معتقدات و أراء تتعارض مع جميع الأديان فهي تدخل من الطب الصيني لتخرج الى التراث الهندي، وتمزج الياباني، بالألماني والأمريكي بالعربي الإسلامي، بطريقة اقل ما يقال فيها إنها متناقضة وبغاية تخفى على السذج فهي تطرح القيم والعناوين في خليط سطحي قد يفاجأ الناس انها بلا دين ومع ذلك لا يحق لها إطلاقا أن تدعي الإسلام في مناسبة وتنكره في مناسبات أخرى. وإذا كان من حقها الاطلاع على كل الأديان والأخذ بما تريد منها فهذا شأنها، إلا انه ليس من حقها أن تنطق بلسان كل الفلاسفة وكل المفكرين وكل الأديان وكل الأنبياء في جلسة واحدة. ورجوعا الى برنامجها نجد انها لاتختلف عن أي مروج راسمالي لبضائعه هدفه الربح فقط والحاق الضرر ببضائع الاخرين فالدجالين والسحرة يعرفون فن الترويج فمثلا في احدى حلقاتها قالت ان المؤلفين الذين يكتبون الكتب(تقصد الخاصة بالعلاج العشبي و الروحي) يتوخون الربح (المصاري)يعني النقود ونصحت المشاهدين عدم شراء هذه الكتب لانها زائفا وبلا مبداء في حين ان أي شخص يذهب الى الانترنيت سيفاجأ لان نصيحة مريم نور ستكلفه (500$) انها تستغل الناس لشراء كتبها ومنتوجاتها بأغلي الأسعار فهي تطلب مبلغ 500 دولار فقط لا غير لمجرد سؤالها عبر موقعها المذكور وقد اعترفت انها تأخذ اجورا عالية جدا فهي تسعي وراء مصلحتها المادية وشهرتها، و صرحت بذلك علنا حتى قالت اكثر من مرة أن مراكزها مفتوحة خاصة ( للخليجيين) الذين يدفعون المال الكثير وهي تحب ذلك. وهذا ينبيء بامر خطير هو انها بلا مبداء نبيل كما ادعت ، والمفاجئ أن ذلك يجعلها تعتد بنفسها اكثر ويبدو أن جاذبيتها تكمن فقط علي الشاشة، أما علي ارض الواقع فكل من زارها أو لجأ إليها صدم بالمعاملة السيئة التي لقيها والتكاليف الباهظة التي اضطر لدفعها مع تفويت النتائج التي كان يطمح إليها. فكثير ممن زاروها عادوا يجرجرون الخيبة وتمنوا لو اكتفوا منها بالمشاهدة التلفزيونية. والامر الاخر أن الكثير من وصفات مريم نور تتناقض مع الإسلام، ومع القواعد الطبية السائدة فهي تحذر مثلا من تناول الخل رغم أن الإسلام يؤكد على استحباب الخل في الطعام، كما تحذر من أكل اللحوم بينما يحذر الإسلام من ترك أكل اللحوم لمدة طويلة والأمر نفسه فيما يتعلق بالحليب والاجبان والألبان.وهذا من ضمن اصول ومبادئ الريكي والتاي شي وغيرها من المدارس الروحية ، فنهجها يعتمد علي الكاريزما الذي يبدي تذمرا من الحضارة المادية ويسعى الى الرجوع للطبيعة، وهذا هدف جيد إلا أن الوصول إليها لا يتم بطريقة مريم نور.فالتعاليم الروحية في الاسلام تكفي وليست قاصرة بل انها ذروة التعاليم الروحية لان الاسلام جاء بعد الهندوسية والمسيحية واليهودية والتاوية ...الخ واذا اعتبرنا ان هناك تأثير على التصوف الاسلامي من مدارس غير اسلامية فأننا نعترف بأن التصوف الاسلامي هو خلاصة التجربة الروحية للامم السابقة.
الامر الاهم في شخصية مريم نور هو نشاطها السياسي المغلف بالدعوة الى السلام العالمي في بعض المؤتمرات التي تمتدح اليهودية كالنظام الشرق أوسطي الجديد الذي يهدف إلى إدخال إسرائيل في منظومتها. إن هذه البرامج وفي مقدمتها برامج مريم نور هدفها إبعاد الناس عن الهموم الحقيقية وإلهائهم بعناوين كبيرة يصعب رفضها كالدعوة إلي السلام والوئام والحوار والمحبة.وهو امر عظيم لكنه لايتحقق من طرف واحد ولا من تنازل طرف واحد ورغم اننا نحترم الاديان كلها وان قنوات التقارب فتحت من قبلنا اولا وهذا ما يشهد له التاريخ لكننا نتسأل " ترى أي غول يقف وراء هذه العجوز ؟؟؟"
التعليقات (0)