حكاية الحب والظلام للروائي الاسرائيلي عاموس عوز ـ سيرة ذاتية
يمتد كتاب "حكاية الحب والظلام" للأديب والروائي الاسرائيلي ذائع الصيت وصاحب الحظوة والمكانة الأدبية والأجتماعية، محليا وعالميا، عاموس عوز، على مساحة تزيد عن ست مائة صفحة عبر رواية مثيرة، مليئة بالغرائب والعجائب، والمفاجآت، والنوادر، والحكم، وصولا الى ذروات عاطفية، وانتهاء بقصة انتحار والدة عوز التي ظلت تخيم على فصول الرواية كما على فصل حياة عوز.. ومن حيث البنية تعج الرواية بالصور الوصفية الدقيقة المفصلة التي تغوص في أعماق النفس البشرية، وأعماق الحكاية الصهيونية الاسرائيلية، في مقاربة عجيبة بين السيرة الحياتية للكاتب وبين النهضة العارمة والروح الصهيونية الجارفة التي سرت في أوصال الأمة..
تتقاسم أدوار البطولة عدة شخصيات منها أفراد أسرة عوز رجوعا الى أجداده في القرن الثامن عشر، وتدور حبكتها حول المجازر التي حصلت في أوروبا، مرورا بطلائع العائدين الى صهيون، والمحرقة، وحرب الأستقلال، وحال الأساتذة الجامعيين في القدس خلال أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، وواقع حال القرية التعاونية (الكيبوتس)، والأحزاب السياسية، وشخصيات ومواقف تحتشد عبر تفاصيل لا حصر لها، ترغم القارئ على مطاردتها.. وتشكل ما يشبه المسرحية التراجيدية، الكوميدية.. هي رحلة في مسرح الحياة.. ينظر اليها القارئ من خلال منظار النخبة الصهيونية..
عندما نتحدث عن الثقافة العبرية عموما فإن أولى السمات التي ترد الى الذهن هي روح الفكاهة اللاذعة والحادة التي يتسم بها الأنسان العبري والأدب العبري.. وقد نسج عوز على هذا المنوال في رواية الحب والظلام مستخدما سخرية مسلية تتميز بخفة ظل وبديهة حاضرة تنم عن ذكاء مفرط.. وبينما يتسم أدب عوز بسمة التزاحم بين السعي الصوفي نحو اليقين المطلق والسعي الى الأمتناع عنه في واقع الأمر، فإن هذا التزاحم يتجلى في ملامح شتى.. فعندما سُأل عوز عن المنطلقات الفكرية التي تتجلى من خلال احدى رواياته أجاب: "عندما أرغب في التعبير عن امر ما ألجأ الى كتابة مقال، ولكن حينما أرغب في التعبير عن أمرين او اكثر عند ذاك ألجأ الى الأدب" ...
حكاية الحب والظلام تروي سيرة النخبة الاسرائيلية التي حددت مسار الأدب العبري الحديث.. تلك النخبة التي ظلت لسنوات ينظر اليها باعتبارها سنام المجتمع الاسرائيلي، وتجلياً لروحه المثالية، وحاملا رايته الثقافية المتجددة.. بيد ان هذه النخبة الطليعية، ترتدي حلة مغايرة في رواية الحب والظلام، وتتشح بوشاح جديد.. حيث يواجه المجتمع الاسرائيلي قوى التاريخ، ليتبلور تحت كنفها.. ويشتد عوده من خلال المواجهة.. ليفسح المجال امام كافة فئاته ومكوناته.. لتتولى زمام المبادرة.. كلّ يدلي بدلوه، في مرحلة من مراحل الزمن.. كلّ على طريقته.. سواء كان هؤلاء شرقيين او نساء او عرب او سواهم.. كلّ يناضل من أجل هويته ووجوده..
أسوق ههنا شذرات من رواية الحب والظلام التي تعتبر وبحق من روائع الأدب العبري ومن اكثر الكتب مبيعا في اسرائيل، ترجمت الى عدة لغات، وأثرت المكتبة العالمية، وأثارت موجة من ردود الفعل الاسرائيلية والعربية والعالمية :
... ان الصفات الوراثية، وبيئتك التي نشأت بها، ومكانتك الأجتماعية، كل ذلك يشبه الأوراق التي تلتقطها بشكل أعمى قبل البدء بلعبة الورق.. هنا.. انت لا تملك ارادتك.. فالعالم يعطي وانت تأخذ.. دون اي قدرة على الأختيار.. والسؤال هو التالي: ماذا يفعل كل منا بالأوراق التي حصل عليها؟ ثمة من يتفنن ويكشف عن مهارات عالية باللعب بأوراق متواضعة.. وهناك من هو عكس ذلك.. فتراه يبذر ويخسر كل شيء حتى لو لعب بأوراق رابحة.. لكن المفارقة وسخرية القدر ان حرية اللعب ترتبط بالحظ، والذكاء، والبصيرة، وطبعا الإقدام.. ولكن اذا كان الأمر على هذا النحو فماذا يتبقى لنا في نهاية المطاف..!؟ الحقيقة ان كل ما يتبقى لنا هو ان نضحك بحرية على حالنا او نرثي لحالنا.. فلنا الخيار ان نشارك باللعبة او ننسحب.. الخيار هو بين أمرين.. اما حياة نعيشها بيقظة وانتباه او حياة تتسم بالغفوة والنعاس....
... عندما نشعر أحيانا، ولبرهة، اننا نعلم شيئا ما، فإن هذا لا يبشر بالخير أبدا.. فخير لنا ان نعيش دون ان نعرف شيئا من ان نعيش واهمين.. ولكن من يدري.. فلو فكرنا مليا بالأمر.. ربما خير لنا الف مرة ان نحيا الوهم من أن نحيا في الظلام...
.... تذكر ان الصداقة بين المرأة والرجل هي أمر غالي ونادر.. وهو أغلى ألف مرة من الحب.. فالحب ما هو الا شيء سميك.. وغليظ.. ومكتنز.. مقارنة بالصداقة.. ان الصداقة تنطوي على قدر من رقة المشاعر، والأصغاء، والكرم، وسلامة الطوية، والحس الراقي ....
طابت أوقاتكم
التعليقات (0)