كنت أعمل في مزرعتي الصغيرة التي تقع على قرب من بيتنا بين أشجار القات
وكان أطفال أخوتي يلعبون في طرف المزرعة , يركضون ويضحكون ويرددون أناشيد
ثورية (يادنيا واليت عليا لن أرضى بسواة بديل وبرئت من الباطل دوماً
بهتافي أحييت الجيل ) ثم يتغنون بأغنية حديثة طالما سمعوها تتردد على
مسامعهم من قناة الذهبية وفق مزاج آبائهم للفنانة يارا (ياعمي هدئ أعصابك
..عليك أحساب كم دمعة على خدي من أسبابك 0حكاوي ما اقدر أكشفها أنا اللي
بس يعرفها )
فبينما أنا احرث الأرض مستمتع بأصواتهم الرقيقة ومعجب ببراءتهم التي تردد
مصطلحات لا يفهمونها فإذا بالكلب المسئول والمكلف بحراسة بيتنا يمشي من
جانبي كالبرق الخاطف فقلت في نفسي ما دهاه ! هل أعجبه صوت الطفولة كما
أعجبني ؟ أسئلة تأتي الى مخيلتي فإذا بالكلب يزيل ما أبهم عني وينبح
الأطفال فإذا بالأطفال يصيحون صياح ممزوجاً بالضحك والخوف .. الكلب
يعرفهم وهم يطعمونه ليل نهار .. أهرعت إليهم وأزحت الكلب عنهم وهو لا
يأبه لي ولاحظت في نظراته الرفق والمسئولية ولو أستطاع ان يتكلم لقال لي
هذا ليس نباحاً هذه مسئوليتي تجاهكم لأني مكلف بحراستكم ورعايتكم ثم أسرع
الى البيت نابحاً وينظر الينا وكأنه يقول " عليكم أن تتبعوني جميعاً"
ففهمت أن وراءه شيء وازددت خوفاً وقلت في نفسي ليتني عُلمت منطق الحيوان
كسليمان حتى أعلم ما في نفس كلبي الذي اقلقني . هل أصاب بيتنا حريق ؟ هل
تعرض بيتنا لسرقة ؟ أم ماذا ؟ وأمسكت أبناء أخوتي الثلاثة وأسرعت وراء
الكلب ناظرا ليه فإذا دموعه تزفر من عيونه كالسيل المتدفق وتبسم لي كالأم
التي تلتقي بصغيرها بعد فراق طويل . دخلت البيت أنا والأطفال فإذا بالكلب
واقف في باب البيت رافعاً ذيله شامخاً برأسه ناظراً تارة الى السماء
وتارة أخرى إلينا , يبادلنا والسماء نظرات متناقضة نظرة الرفق والرضا
وينظر الى السماء نظرة الاستعداد لقدوم عدو يأتي من مكان بعيد من بين
السحب فإذا بالطائرة السعوديه تحلق في سماء بلادي وفي فضاء بيتي وتقصف
قصف عشوائي لا تفرق بين باحث للقمة العيش وبين من يبحث لنصيب الكعكة لا
ترحم صغير ولا توقر كبير
وأنشأت أفكر في أمر هذا الكلب وأعجب لشأنه وأقول ليت شعري هل يفهم هذا
الكلب معنى المسئولية والوفاء لرعيته
أجل انه يفهم معنى المسئولية حق الفهم وما كان نباحه للأطفال وإعلانه
حالة الطوارئ ووقوفة خارج البيت إلا إيماناً منه بالمسئولية وهنا علمت
أننا بني البشر مستبدون لا نفقه المسئولية كما يفهمها الكلب الذي يتعرض
للشمس الحارة والأمطار الغزيرة والطقس البارد والجوع القاتل الذي يتلذذ
بالآمه وأسقامه في ظل وفاءه بمسئوليتة والأمانة المكلف بها الذي أبى
الأنسان أن يحملها وحملها ذالك الكلب إنه كان ظلوماً جهولا
من أصعب المسائل التي يحار العقل البشري في حلها أن يكون الكلب ذلك
الحيوان الأعجم الذي شن عليه الفقهاء حرباً ظالمة بأنه نجس وهو أطهر
قلباً منهم وأوسع ميدانياً في المسئولية من الحيوان الناطق فهل فضل أن
يكون أعجم حتى لا يمسخه الله ويكون حاكماً أو مستبداً عربيا أو طيارا
سعوديا أو مطبلاً للأثرياء أو مسلماً لا يفهم من الإسلام إلا رسمه وقتل
البشر وإنساناً لا يستطيع الوفاء بمسئوليته , لماذا لا نتثقف بثقافة
الكلاب ؟ ونأخذ تلك الحقيقة الضائعة والميتة في نفوسنا .. بني الإنسان
ولو من سلوك كلب لا ثقافة الغابة وحياة الأسماك في البحر وحياة المواطن
في اليمن
ألا ترون كيف يتعامل الأوروبي مع الكلب بإحترام لأنه عرف السر الذي وهبه
الله للكلب وعرف كيف يستفيد من ذلك الكلب في الوفاء والمسئولية لكن
الملاحظ والمقروء في الثقافة العربية أننا قلدنا الأوروبيين في الإهتمام
بالكلب لكونه كلب وحاجة كمالية فقط بغض النظر عن الهدف الأسمى نرى بعض
الصحفيين المشهورين حالياً المهمشين سابقاً من يملك صحيفة مستقلة تنتهج
الوسطية في طرح القضايا لصحفي كان يكتب عن الفقراء والغلابة المهمشين
وأزقة المنسيين المعدمين عندما كانت حياته ممتلئة بالجمال العامر والحب
الثامر نراه اليو م يدلل كلباً أمريكياً ببيته ينفق عليه في الأسبوع
الواحد ما يعادل راتب جندي بصعدة , لماذا نؤمن بما لا نعمل ؟ أليس في
الأثر ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) نلاحظ الكلب راع ومسئول عن
رعيته والإنسان قاتلاً لرعيته مستبداً ظالماً .
العصافير تغرد صباحاً والأسماك تسبح في البحار والحيوانات تحيي الغابة
والشمس تبدد السحب لتضئ للبشر والأشجار تموت لا رغبة ً في أن تكون حطبا
تشعله النار وتكون رماداً بل لتقدم مسئوليتها اتجاه نضج أطعمة البشر .
والجبال أوتاداً للأرض والأرض أرضاً لمن أستخلف فيها والليل لباسا
والنهار معاشاً والقمر سراجاً منيراً
صنع الإنسان القوي للإنسان الضعيف طائرة تمنع الطيور من التحليق في
السماء وتقطع صوت الطفولة الهادئ وسماها راعية الدستور والقانون ظلماً
واستبدادا منه باسم أكذوبته المسمى "مسئولية " وعلاجه الشافي بإذنه وأمره
لمتنفذيه
لو عرف الإنسان قيمة المسئولية وأدرك فلسفة الطبيعة في قيامها بمسئوليتها
على أكمل وجه لانتحر وكان ذلك خيراً له من حياة التهرب والعبثية , حياة
لا يرى فيها شعاع المسئولية الذي كان الغرض من خلقة أن يتحمل مسئولية
الاستخلاف لا الخلاف والتناحر والصدام الدائم
المسئولية ليست حقنه من صيدلية ما أو ثوباً يلبس أحياناً ويخلع . إنها
مثل الله موجودة في كل زمان ومكان لا تسقط لموت أو حياة أحد سر أودعه
الله في كل نفس فمن عاش محروماً منها عاش في ظلمة حالكة , حياة الحكام
المستبدون والطغاة الظالمون والبعض من الإسلاميون المجرمون .
المسئولية هي الحياة وحياة بغير المسئولية أشبه ما تكون بكره في أيدي
الصبيان يتلاقفونها من جهة إلى جهة.
التعليقات (0)