قد لا يكون الكثير منا من المعاصرين لطرح الرئيس التونسي الراحل، الحبيب بورقيبة، لمشروع تسوية النزاع العربي - الإسرائيلي، في العام 1965، والذي تلمسه حينها على أساس القبول العربي بقرار تقسيم فلسطين، الصادر عن الأمم المتحدة، في العام 1947على اعتبار ان لا جدوى من الامعان في التحضير لحرب تحرير طويلة ومكلفة..ولن يسمح بها الغرب مطلقا .. يمارس فيها العرب هوايتهم الاثيرة في رمي الاعداء في البحر..
ولكننا نستطيع ان ندعي مجايلتنا لنوعين متعاقبين من ردود الفعل العربية على هذه الخطوة ..قد لا تختلف فيما بينها بالشدة والقوة والاتساع.. ولكنها تتقاطع بالاتجاه بالتاكيد..الاولى موجة من الاستنكار والتقريع والتخوين والاتهام بالتخاذل والاستخذاء امام العدو ولعن سنسفيل اجداد الرئيس الراحل بدأت منذ صدور هذه التصريحات وحتى قيام اتفاقات اوسلو.. لتبدأ بعدها مرحلة من الطرح الهادف الى اعادة الاكتشاف والمراجعة والترحم على نفس السنسفيل الذي لم يحسنوا الاصغاء له..
مثل هذا الاستحضار لحكمة رجالات السياسة التاريخيين مطلوب الان من قياداتنا السياسية عند مقاربة وتلمس التصريحات الاخيرة للسيد مسعود برزاني رئيس اقليم كردستان والتي القاها في المؤتمر العام للحزب الديمقراطي الكردستاني، حين أكد بدء مرحلة شعار حق تقرير المصير للشعب الكردي في كردستان العراق..
فرغم ان مثل هذه الخطوة عدت مفاجِئة في الشكل والتوقيت..ورغم التعبير الصادم لمثل هذه التصريحات وتزامنها مع اكداس الكلام عن الوحدة الوطنية والشراكة التي ترافق جهود اعلان تشكيلة الحكومة .. الا انها ومن خلال النظر اليها بصورة واقعية..نجد انها لم تكن مستغربة او غير متوقعة خصوصا مع التأكيدات المستمرة للقادة الكرد على حق الاقليم في تكوين دولته السيدة المستقلة ..
فللامانة ان القوى السياسية في الاقليم لم تداهن او تخاتل او تهون في الطرح الدائم والروتيني الى ان حق تقرير المصير للكرد مسالة مركزية وغير قابلة للنقاش ومرتبطة بانضاج ظروف موضوعية معينة يبدو انها تبلورت حاليا حسب وجهة نظر هذه القيادات اعتمادا على" نهجٍ واقعي ودراسة موازين القوى والمعادلات السياسية"..
وهنا قد يكون من الحكمة البالغة لقادة الكتل المتصدية لادارة الحراك السياسي العراقي تلقف هذه الكلمات والتأسيس عليها لعملية جادة وواقعية تتجه نحو ترتيب دائم للعلاقة بين الطرفين العربي والكردي حتى لو ادى ذلك الى انفصال كردستان وتكوين دولته المستقلة التي يبدو انه لا مجال-داخليا وعربيا ودوليا-من تقبلها..
فيبدو انه على الرغم من التاريخ الطويل الذي يحكم العلاقة بين الشعبين-وربما بسبب هذا التاريخ-..فان جميع الامتيازات والوضع الخاص للاقليم ضمن المنظومة الادارية السياسية والثقل والمفصلية التي تتمتع بها القوى السياسية الكردية ومشاركتها القيادية في رسم وادارة وتوجيه السياسة الداخلية والخارجية العراقية والاسهام في وضع التصورات لشكل الدولة والنظام..كل هذا لم يكن كافيا لامكانية تخليق مبدأ تعايش وطني حقيقي عادل ومتوازن يحكم العلاقة بين افراد الشعبين ضمن اطار دولة ديمقراطية وتعددية مبنية على الخيار الشعبي الحر..
وقد يكون هذا التوقيت ملائما لتخفيف ضغط المجاملات السياسية التي تتخذ طابع الضرورة في تصريحات المسؤولين العراقيين في هذه المرحلة.. وقد يكون فرصة حقيقية للمقاربة الواقعية المنطقية المعمقة لازمة حقيقية وجودية اريد لها دائما ان تدفن تحت ركام التلاعب اللفظي المنمق..
فلن يكون من التجاوز لو اننا وضعنا علاقة المركز بالاقليم وطبيعة الوضع الذي يطالب به وازدواجية التعامل الظرفي النفعي المتقافز على الاستحقاقات القومية والانتخابية واستخدامها حسب المصلحة اللحظوية الانية للطرف الكردي..ولو اضفنا لها التشجيع المسرف لباقي المحافظات على اتخاذ خطوات احادية الجانب تحمل الكثير من التقاطع والتحدي مع الحكومة المركزية..فسنصل الى ان هذه الممارسات هي اكبر معوقات بناء الدولة السليم المبني على التوزيع العادل للثروة والصلاحيات وتحقيق مبدأ اللامركزية الادارية والاقتصادية الصحية في الحكم..
وقد تكون هذه الفرصة الحقيقية للجانبين لحل اخير وحاسم وعادل للمشكلة الكردية التي طال الامد بها واسئ لها كثيرا من خلال ربط المعطيات والعوامل التي من الممكن ان تفك اختناقاتها بمصالح دولية واقليمية وفئوية وشخصية ضيقة اضرت بعلاقات ومصالح الشعبين الكريمين..ولمستقبل واستقرار الكرد العراقيين بوجه خاص..واول الصواب هو العمل على تحديد شكل العلاقة القائمة الان على انها بين كيانين ذوي توجهات ورؤى ومنطلقات لا تتطابق بالضرورة مع بعضها البعض..وان العلاقة والتفاهم يجب ان تكون على شكل الارتباط الحالي وان يتم التحكم بموارد عدم الاتفاق حسب الآليات والقواعد المتبعة في القانون الدولي وليس عن طريق مواد القانون العراقي غير الملزم كما يبدو لسلطات الاقليم.. وهذا التنظيم لا يقصد به الطرح العنصري الشوفيني الذي يريد ان يرمي كردستان لقمة سائغة لدول الجوار..بل هو التفاهم المستند الى عمق الاخوة التي تربط الشعبين الكريمين ..ولجار طيب خير بكثير من شريك مخالف..
لقد اختار الاشقاء الاكراد دائما مصطلح الفيدرالية لتوصيف العلاقة ما بين المركزوالاقليم..وهذه الفيدرالية كانت دائما تفسر بانها اتحاد اختياري طوعي..اي شراكة بين طرفين منفصلين..وكل شراكة من هذا النوع تتحمل ازالة الشيوع..ومثل هذه الازالة يجب تكون بصورة مفصلة تحدد اشكال العلاقة المستقبلية واسلوب ادارة الموارد المشتركة وخصوصا الموارد المائية والطبيعية..فازالة الشيوع تكون عادة مقننة بقرار قضائي يحفظ حقوق جميع الاطراف..وليس عن طريق خطاب سياسي مهما كانت بلاغته..
التعليقات (0)