"وأما حق اللسان: فإكرامه عن الخنا، وتعويده على الخير، وحمله على الأدب، وإجمامه إلا لموضع الحاجة، والمنفعة للدين والدنيا، وإعفاؤه عن الفضول الشنعة، القليلة الفائدة، التي لا يؤمن ضررها مع قلة عائدتها، ويعد شاهد العقل، والدليل عليه، وتزين العاقل بعقله حسن سيرته في لسانه، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. "
اليوم حديثنا عن حق الجارحة الأولى من الجوارح السبع الظاهرية، والتي إذا أتقنا إدارتها نستطيع بعدها أن نسيطر على الجوارح الباطنية. لا يمكن أن ندير مملكة الباطن دون أن تكون مملكة الظاهر خاضعة لما يريده الله منها.
وقد بدأ الإمام باللسان باعتباره الأخطر بين الجوارح، ففي الرواية الشريفة" إنّ لسان ابن آدم يشرف كلّ يوم على جوارحه، فيقول: كيف أصبحتم؟.. فيقولون: بخير إن تركتنا، ويقولون: الله الله فينا، ويناشدونه ويقولون: إنّما نُثاب بك ونُعاقب بك".
وعن النبي : " بلاء الإنسان من اللسان".
اللسان قد يكون بابا إلى الخير بالكلمة الطيبة والقول الحسن، وقد يكون بابا للشر والفتنة وخراب البيوت بل الدول أيضا.
باللسان يدخل الإنسان الدين، وبه يخرج منه. باللسان يكون ذكر الله والدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح بين الناس، وبه تكون الغيبة والبهتان والنميمة والكذب والفحش والقذف والبذاءة والسلاطة والفتنة وإشاعة الفاحشة.
القاضي قد ينطق بكلمة العدل، وقد يصدر بلسانه حكم الجور والظلم، و" كم من دم سفكه فم".
والمستبد قد يعينه المتملقون بألسنتهم فيزداد غيا على غي، وقد تردعه كلمة حق عن الإقدام على فعلة شنيعة، ولذا كان أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر.
في هذا المقطع يفصل الإمام حق اللسان كما يلي:
1 - إكرامه عن الخنا: أي حق اللسان الأول هو حفظ كرامته التي تتمثل في عدم استخدامه في الفحش والكلام البذيء. هذه ناحية السلب أو التخلية، أما التحلية فهي:
2 - تعويده على الخير وحمله على الأدب: إذ المطلوب أن يجري الخير على اللسان بسلاسة ودون تكلف، وهذا لا يكون إلا بالتدريب والتمرين حتى يتحول الأمر إلى عادة راسخة، وجزء من شخصية اللسان.
3 - حبس اللسان أو إراحته «إجمامه» إلا عن أوجه الخير، وعدم إشغاله بالكلام الذي لا فائدة ترجى منه، أو ما يكون ضره أقرب من نفعه. يقول الإمام علي : " صلاح الإنسان في حبس اللسان"، ويقول " ما من شيء أحق بطول السجن من اللسان".
لقد خلق الله اللسان محبوسا داخل الفم بل في قاعه، ولكننا وللأسف قد نخرجه من حبسه لنصبح أسرى لديه. ولذا تحذر الرواية من إطلاق سراحه: " احـبس لسانك قبل أن يطيل حبسك ويردي نفسك، فلا شيء أولى بطول سجن من لسان يعدل عن الصواب، ويتسرع إلى الجواب".
هذه حقوق اللسان علينا، والتي ينبغي أن نؤديها حق أدائها حتى يكون لساننا بالفعل شاهدا على رجاحة عقولنا لا خفتها، وتكون حسن سيرته دليلا على زينتها.
الكلام في اللسان كثير يمكن أن تكتب فيه الصفحات بل المجلدات، ولكن في القليل ذكرى ﴿لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾.
أخيرا أحيل القارئ لمقال ذي علاقة كتبته من قبل بعنوان «ليست مجرد كلمة»، تحت هذا الرابط:
http://bshabib.elaphblog.com/posts.aspx?U=844&A=30701
التعليقات (0)