أثار بلاغ وزراة التشريفات والأوسمة، حول مرض الملك محمد السادس ردود أفعال متباينة، منها المحلية التي لم تتجاوز في الأغلب، الاعتبارات "الاحترازية" من الخوض في موضوع "شائك"، غير أن اللا فت تمثل في حجم التداول الشعبي لمسالة "مرض الملك" عكسه، في أحسن الأحوال، تنقيب في صفحات الأنترنيت عن المعطيات اللصيقة بـ "روتا فيروس" الذي حدده البلاغ الرسمي، أما ما سارت به ألسن الشائعات فلا يُمكن حصره، وتحديد مرجعياته، نظرا لعدم استناده إلى معطيات ملموسة.
إن هذا الزخم في التعاطي مع الموضوع، كشف عن أهمية " سابقة" الإعلان رسميا عن مرض الملك، حيث كانت هذه المسالة من قبل، طابوها يُحاط بأسوار غليظة من الكتمان، وبالتالي كان "طبيعيا" أن يستأثر بكل ذلك الاهتمام والمتابعة.
لوحظ في شق المتابعة الإعلامية لذات الموضوع، أن "الحذر" من تناوله ومناقشته من بعض أوجهه، كان سيد الموقف، مما شكل مُفارقة مع الشوط المتقدم، الذي بلغه تناول الشارع لـ "طابوه" مرض محمد السادس.
نخصص غلاف هذا العدد من "المشعل" لموضوع "مرض الملك" وذلك من زوايا مُعالجة متنوعة، جمعت بين التقصي الإعلامي، ومحاورة الصحافي "خالد الجامعي" و "بيدرو كناليس" المراسل الصحافي الإسباني لأمد طويل بالمغرب، كما طرحنا اسئلتنا على الطبيب المختص الدكتور "محمدين بوبكري" والقيادي اليساري "عبد الصمد بلكبير" وراكمنا معطيات خبرية وتاريخية عن نفس الموضوع، مما منح هذه الحصيلة.
ظلت المعطيات المرتبطة بالأحوال الصحية لرؤساء وملوك وقادة الدول، في كل الأزمنة من المواضيع الدقيقة، التي لا يخوض فيها العموم، فسواء تعلق الأمر بالماضي البعيد أو المتوسط أو القريب، بل وحتى خلال الوقت الراهن، في بلدان متقدمة أو متخلفة في مجال التنظيم السياسي لشؤون الدولة، فإن تناول موضوع صحة رئيس الدولة يكون دائما مُحاطا باعتبارات سياسية، لا يُمكن القفز عليها بسهولة، وبينما استطاعت مجتمعات الغرب المتطور، وغيرها من بلاد المعمور، التي قطعت أشواطا مهمة، في مُواكبة أسباب الضبط الديموقراطي لأمور الدولة والمجتمع، أن تقنن التعاطي مع موضوع صحة رئيس الدولة، من خلال وضع استراتيجيات تواصل شفافة ومنتظمة، في أدائها مع العموم، فإن المجتمعات المتخلفة ظلت رهينة اعتبارات نماذج الحكم الكلاسيكية، التي يُعتبر فيها رئيس الدولة، أو الملك أو الامبراطور، شخصا فوق مستوى الاعتبارات البشرية الجسدية والمعنوية، وبالتالي فإن مرض "القائد" مسألة سرية يجب أن تُوارى خلف حُجُب سميكة، فلا يطلع عليها سوى الأطباء الخاصون، الذين يفحصون ويُعالجون أمراض الحكام، وخاصة الخاصة، من المقربين من نواة الحكم.
ينتمي المغرب إلى هذه العينة الأخيرة من أنظمة الحكم، حيث لم يسبق أبدا في التاريخ المُدون وغير المُدون، للسلاطين والملوك الذين تعاقبوا على حكم البلاد، أن تم الكشف عن سجلاتهم الصحية، حتى لو كان الأمر يتعلق بإصابتهم بأمراض فتاكة، عانوا منها ردحا من الزمن، قبل أن يُسلموا الروح، ليتم بغير قليل من الاحتياط المُناداة في الناس مات السلطان (أو الملك) عاش السلطان (أو الملك).. ويجب القول إن خطوات سريان الوعي والحس التنظيمي للمجتمع والدولة، البطيئة جدا، لم تسهل عملية الانتقال من طور "طفولة" شكل وتنظيم الدولة، حيث ظل الحال على ما هو عليه، بالرغم من كل التطورات السياسية والمجتمعية، التي حدثت في باقي انحاء العالم، ومنها - أي الأنحاء - ما لا يبعد عنا سوى بنحو أربعة عشرة كيلومترا في جنوب القارة الأوروبية، هناك حيث أصبح شكل ومضمون الدولة، يخضع لمتابعة حثيثة في أدق تفاصيله، ومنه الأحوال الصحية لقادة بلدان الرقعة الجغرافية المذكورة.
انطلاقا من هذه الاعتبارات، يُمكن القول إن البلاغ الصادر مؤخرا عن وزارة التشريفات والأوسمة، الذي أخبر بمرض الملك محمد السادس، بل وتحديد طبيعته بالدقة الكافية، ومدة النقاهة التي يتطلبها الإبلاغ به، مؤكدا أن الحالة الصحية للملك لا تدعو للقلق.. (يُمكن القول) إنه سابقة فريدة من نوعها في تاريخ مغرب السلاطين والملوك، سيُمكن إذا ما جُعِل منه تقليدا مُمأسسا، من تقنين جانب "محرم" في علاقة الحاكم بالمحكومين.
تعددت قراءات المراقبين وعموم الناس، لبلاغ وزارة التشريفات والأوسمة، ومنها أن زخم البرنامج اليومي للملك محمد السادس، بالأنشطة الدينية والعملية، لا يحتمل التأجيل، سيما تلك المرتبطة بحضوره الدروس الحسنية الرمضانية، المقررة والمعد لها، سلفا بغير قليل من الضخامة والدقة، وبالتالي لم يكن ممكنا المرور على مثل هذه المواعيد، مرور الكرام، حيث ستكون مسألة الغياب مثار تساؤل المتسائلين، واستغراب المستغربين، وبالتالي كان حتميا الإعلان رسميا عن سبب الغياب الذي هو "المرض الطارىء". وبطبيعة الحال تبدو الأمور وسياقاتها، خاضعة لمنطق معقول ومقبول، غير أنه بفحص مضامين قراءات أخرى لنفس المعطى، يُفضي إلى طرح أسئلة دقيقة محيرة، منها: لماذا تم اللجوء إلى تحديد طبيعة مرض الملك وأعراضه، مع ما يستتبع ذلك من مُتابعة معلوماتية متخصصة وغير متخصصة، والإحالات الإعلامية والسياسية.. التي يُفضي إليها.
من بين ما أسفرت عنه القراءات المتسائلة، نجد أن بعضها استند إلى معطيات غير مطروقة حول موضوع الأحوال الصحية للملك، ومفادها أن الأمر لا يتعلق بمرض طارئ بل هو عرض لعلاجات يتلقاها جراء علة مزمنة، حُددت في مرض القصور الكلوي أو أحد أمراض الكبد، تُُضاف إليها مشاكل في التنفس تستلزم الخضوع للعلاج بمستحضر "الكورتيزون".. وحسب منطوق نفس هذه القراءة فإن الإعلان لأول مرة عن مرض الملك، ليس سوى مرحلة أولى لتعميم أخبار حول الوضع الصحي للملك، وذلك بغاية خلق سياق تواصلي، يقطع مع مسار التكتم في الموضوع.
وفي هذا الصدد تجدر العودة إلى مُعطيات مرتبطة، كانت قد خلقت التباسا، بسبب غيابات طويلة للملك لم يتم تبريرها، وبالتحديد حينما انتقل لسنتين متواليتين (2008 – 2009) إلى العاصمة الفرنسية باريس، في عطلتين استمرت كل واحدة منهما ازيد من شهر، وحدث أن الصحافة الدولية (سيما الإسبانية والفرنسية) نشرت أخبارا، أفادت خضوع الملك لعملية جراحية ربيع سنة 2008، اقتضت وجوده كل تلك المدة الطويلة في أحد المستشفيات بباريس، وهو ما صدر على إثره، بلاغ رسمي عممته وكالة المغرب العربي للأنباء، كذب خبر العملية الجراحية للملك، دون منح إضافات تفسر الغياب الطويل للملك. أما السفر الثاني، الطويل بدوره للملك محمد السادس منذ بضعة أشهر، فتم التكتم أيضا على مبرراته، حيث تم الإكتفاء بمنح تفسير غير رسمي مفاده أن الأمر يتعلق بعطلة. وهو ما لم يكن كافيا لسد أبواب تساؤل المتسائلين، سيما من طرف وسائل الإعلام الدولية، ومنها أن موقع "بقشيش" الإلكتروني الفرنسي حصر مادة إخبارية على المشتركين فيه، ضمنها معطيات عن إصابة ملك المغرب بمرض مزمن، اقتضى خضوعه لعلاج دوري مكثف بفرنسا، ولم يصدر هذه المرة أي بلاغ تكذيبي رسمي في الموضوع، ليظل الالتباس مُقيما لدى المتتبعين محليا ودوليا.
ثمة من بين أولى نتائج المتابعات، للحيثيات السياسية والطبية لمرض الملك، كما أعلن عنها البلاغ الرسمي، أن إحدى الشخصيات السياسية المغربية، لم يتم الكشف عن هويتها، صرحت لموقع "الإمبرسيال" الإلكتروني الإسباني: "ليست هناك سابقة في كشف القصر الملكي بالمغرب، عن المتاعب الصحية للملك، وإذا كان ذلك قد تم الآن، فإن الموقف يُمكن أن يكون خطيرا، وبالتالي الرغبة في إعداد الرأي العام لذلك".
وحسب نفس المنبر الإعلامي الإسباني فإن "خبر إصابة الملك المغربي بفيروس (روتا فيروس) أحدث دهشة كبيرة في الأوساط العلمية والإعلامية، باعتبار أن الفيروس المذكور لا يُصيب في أغلب الأحيان سوى الأطفال الحديثي السن، ويتسبب في اجتفاف لأجسادهم مع حالات إسهال. وأنه اتخذت إجراءات طبية في إسبانيا منذ عام ونصف لمحاربة هذا الفيروس، كما قال الدكتور (ألفريدو كوادرادو) الذي يتوفر على تجربة طويلة في علاج الإصابة بـ (روتا فيروس) مُضيفا أن أمر إصابة الأشخاص الراشدين به، يُعتبر نادرا جدا، إلى حد الإحالة على الإعجاز، باعتبار أن هذه العينة من الناس تكون قد تشكل لديها جهاز المناعة ضد الفيروس المذكور، مستخلصا أنه في حالة إصابة شخص راشد به فإن أعراضه تكون وخيمة، حيث تطال في مستوى متقدم الدماغ، وحسب الأوساط الطبية الإسبانية، فإن محمد السادس يُمكن أن يكون قد أُصيب بالفيروس جراء سلبيات علاج غير مناسب".
بناء على هذه القراءات والمعطيات المتباينة، يُمكن القول إن موضوع الأحوال الصحية للملك محمد السادس، سيصبح منذ الآن مثار استفسارات ومُتابعة لصيقة، سيما بعد صدور البلاغ الرسمي بمضمون مرضه، وهو ما يجعل مسؤولية الإدارة التواصلية الرسمية مهمة دقيقة جدا. فكما لاحظ ذلك الصحافي "خالد الجامعي" (أنظر حوارنا معه في مكان آخر ضمن هذا الملف) فإن إصدار بلاغ رسمي عن مرض الملك ينطوي على محاذير جمة، منها أنه سيفرض إصدار بلاغات أخرى، عن تطورات الوضع الصحي للملك، في آجال متقاربة حتى آخر المطاف، وفي حالة العكس، أي التزام الصمت فإن باب الإشاعات والتأويلات سيتفاقم.
الصحافي خالد الجامعي لـ
حان الوقت لعقلنة التعاطي مع موضوع الوضع الصحي للملك
يرى الزميل خالد الجامعي، في هذا الحوار، الذي أجريناه معه في موضوع بلاغ وزارة التشريفات والأوسمة، حول الوضع الصحي للملك، أن شكله ومضمونه - البلاغ- ينطوي على إيجابيات وسلبيات، وأن هذه الأخيرة هي الأوفر، بالنظر إلى عدم استناد مبادرة إصدار البلاغ إلى استراتيجية تواصلية مُحكمة، وهو ما سيفتح المجال، في رأيه للإشاعات والتأويلات، بين الناس.. كما ناقشنا معه الفرضيات والاحتمالات السياسية لنفس الموضوع..
- كان مُفاجئا أن يصدر بلاغ عن وزارة التشريفات والأوسمة، بمضمون إصابة الملك بوعكة صحية..
+ (مُقاطعا) لا، لا.. حينما تقرأ البلاغ الذي ذكرتَ سواء باللغة العربية أو الفرنسية، لا تجد هناك استعمالا لكلمة وعكة، في عهد الحسن الثاني كانت مثل هذه البلاغات تستعمل كلمة وعكة صحية عابرة، أما البلاغ الجديد فيطرح مسألة أخرى غير الوعكة الصحية..
- بمعنى؟
+ إننا أمام مرض، والذين حرروا البلاغ جسدوا طبيعة المرض بالإشارة إليه بالاسم، أي "روتا فيروس". كما تم شرح المرض بالقول إنه تسبب في حالة اجتفاف حادة، ومن ثم فالموقف ليس بسيطا، فحسب الأطباء المختصين، فإن ذلك ينتج عنه فقدان الجسم للأملاح المعدنية، كما أنه كانت هناك إشارة في البلاغ إلى حاجة الملك إلى فترة راحة حُددت في خمسة أيام، إنني لستُ طبيبا، لكن هذا لا يمنعني من القول إن مدة خمسة أيام ليست كافية، ليتعافى فيها المُصاب بمثل هذا المرض المُجهد للجسم..
- هل تقصد أن بلاغ وزارة التشريفات يُخفي حقيقة الحالة الصحية للملك؟
+ لا يمكنني أن أجزم بذلك، فأنا لستُ طبيبا كما قٌلتُ لك، غير أن هذا لا يمنع من إبداء بعض الملاحظات وطرح بعض الأسئلة من مثل: لماذا تم تكسير طابو موضوع الحالة الصحية للملك؟ وفي رأيي إن هذا الأمر يخلق اوتوموتيكيا تساؤلا شعبيا في الموضوع.
- تقصد أن بلاغ وزارة التشريفات والأوسمة لم يكن في محله؟
+ أعتقد أنه حينما يتم منح خبر من هذا القبيل، فإنه يتم فتح المجال أمام شتى التساؤلات والاستفسارات، ما أريد قوله إن تذييع خبر من هذا الحجم، مع تفصيل وتحديد في طبيعة المرض الذي أُصيب به الملك، يُعتبر شيئا جديدا لم يتعود عليه المغاربة، وبالتالي فإنهم يتساءلون: ماذا وراء هذا الخبر؟ إن استراتيجية التواصل لم تكن موفقة من طرف اولئك الذين أذاعوا خبر مرض الملك، حيث إنهم خلقوا تساؤلات كثيرة لدى الرأي العام.
- تساؤلات من مثل ماذا؟
+ مثل: ألا يُريد الذين ذيعوا خبر مرض الملك التستر على شيء آخر؟
- من قبيل؟
+ لستُ أدري، فقد يكون هناك أمر خطير يتم إخفاؤه من خلال بلاغ التشريفات والأوسمة.
- سبق أن نشر الصحافي الإسباني "بيدرو كناليس" في ربيع السنة الماضية خبرا في موقع الإمبرسيال" مؤداه أن عطلة الملك الطويلة آنذاك في فرنسا، كانت بسبب تلقيه علاجا مكثفا، بعد خضوعه لعملية جراحية، هل تعتقد أن الخبر الرسمي الحالي عن الوضع الصحي للملك يرتبط بهذا المعطى؟
+ هناك إشاعات كبيرة حول الوضع الصحي للملك، المشكلة ترتبط بهذا السؤال: لماذا لم يتم تكذيب تلك الإشاعات في أوانها؟
- ماذا كان يجب فعله بهذا الصدد برأيك؟
+ إصدار بلاغات توضيحية، سيما حين يُسافر الملك لفترة طويلة إلى الخارج، ولا يتوفر لدينا رسميا أي شرح لأسباب تلك الغيابات الطويلة، وبالتالي التساؤل عما إذا كان الملك مريضا، ويجب أن نستحضر هنا أن المرض مسألة طبيعية، حيث يتعلق الأمر ببشر يمرض كما غيره من الخلق، ومن ثم فإنه من الأفضل أن يكون الشعب على علم بالأمر، من أن ينزل عليه دفعة واحدة، كما حدث مع بلاغ التشريفات والأوسمة. فهناك جانب خطير في البلاغ المعني ويتمثل في أنه ليس موقعا سوى من طرف طبيب واحد هو الدكتور الماعوني، في حين أن الأمر كان يتطلب توقيعات طبيبين أو ثلاثة، فالأمر يتعلق برئيس للدولة على كل حال، لذا أقول إن الذين أصدروا البلاغ أساؤوا للملك.
- وماذا عن القراءات الأخرى الممكنة للبلاغ؟
+ هناك إحداها في نظري مؤداها أنه شيء إيجابي أن يتم إعلامنا بالوضع الصحي للملك، فمثل هذا التصرف في بلد ديموقراطي يُعتبر شيئا معقولا، وبالتالي جعل هذه المناسبة امرا عاديا، حيث يكون هناك إخبار دوري مرة كل سنة، يتم خلاله إصدار كشف بالوضع الصحي للملك، فإذا كان القيمون على ورش التواصل في القصر يريدون أن يعلموا فيجب أن يكون الأمر على هذا النحو، والحال الآن أننا سننتظر ما إذا كان سيتم إصدار بلاغ آخر في موضوع صحة الملك أم لا؟
- تقصد متابعة تطورات الموضوع إعلاميا؟
+ نعم، ففترة النقاهة المحددة في خمسة أيام يجب أن يتبعها إصدار بلاغ آخر بمضمون أن الملك تعافى من مرضه إلخ، أعتقد أن البلاغ الإخباري في موضوع صحة الملك يُعتبر شيئا سلبيا وإيجابيا، في نفس الوقت. فهو سيىء لأنه لم تكن هناك دراية بتدبير مسألة التواصل حول الموضوع، وإيجابي لأن البلاغ كسر طابوها.
- لنفترض أن الوضع الصحي للملك أسوأ مما أفاده البلاغ، ما هي الإحالات السياسية لمثل هذا الأمر في نظرك؟
+ إن مسألة استمرارية الحكم في المغرب لا تطرح مشكلة كبيرة، ذلك أنه على المستوى الدستوري توجد المؤسسات وبالتالي لا مجال للفراغ الدستوري.
- ألا وضّحتَ لنا أكثر؟
+ في تراتبية الحكم هناك في المرتبة الثانية بعد الملك الأمير مولاي رشيد، وبالتالي لا يُمكن أن يُطرح مشكل دستوري، فالتشريع الدستوري جُعل على نحو لا يسمح بحدوث خلل ما في الحكم، بحيث أن ملكا يذهب فيحل مكانه آخر وتستمر الدولة، المشكل في نظري لا يكمن في هذا الباب، بل فيما نريد أن نصنعه بشؤون الحكم، مثل مسألة البلاغ الإخباري عن الوضع الصحي للملك.
- لكن الدستور يحدد أن الحكم يؤول من الملك لابنه البكر؟
+ إن هذا لا يطرح مشكلا دستوريا كما قلت لك، فما دام أن ولي العهد ليس راشدا بعد، فإنه في حالة ما إذا حدث أمر طارىء "الله يحفظ" فإن الحكم يؤول للأمير مولاي رشيد، وإذا لم يكن هذا الأخير بدوره، فإن هناك الأمير مولاي هشام وهكذا دواليك، ريثما يبلغ ولي العهد سن السادسة عشرة، بمعنى أن سيرورة الدولة لا تُمس. نحن نتمنى أن لا يصل الأمر حتى هذه الحدود، غير أن ذلك يجب أن يكون بمثابة درس لنا جميعا.
- أي درس تقصد؟
+ أن نقول فيما بيننا، إن الملك بشر مثلنا جميعا، يصح ويمرض، وأن الشعب يجب أن يكون على علم بما يقع في حالة حدوث مشكل، ويتعود على مثل هذه الأمور، مثلما حدث مع الوضع الصحي للرئيس الفرنسي "ساركوزي".. حيث ظل الفرنسيون على علم بكل التطورات المرتبطة بالموضوع منذ نقل الرئيس إلى المستشفى، وهنا يجب أن نسطر على مسألة أساسية، فخلال خضوع "ساركوزي" للعلاج لم تصدر البلاغات المرتبطة بوضعه الصحي، عن قصر الإيليزيه بل كان مصدرها الأطباء المشرفون، وإدارة المستشفى.
- هل من إحالات أخرى يمنحها البلاغ الخاص بالوضع الصحي للملك؟
+ من الإحالات المهمة أيضا في نظري، أن الناس تطرح الكثير من الأسئلة بعد صدور بلاغ من قبيل ما نحن بصدده، حيث تُطرح جميع الإحتمالات، ذلك اننا على كل حال أمام موضوع سياسي بامتياز، وبالتالي يُفتح المجال أمام جميع الإفتراضات.
- ما هو في نظرك، تأثير موضوع البلاغ المرتبط بالوضع الصحي للملك، على المشهد السياسي؟
+ قادة الأحزاب سيقومون بقراءة الفاتحة ورفع الدعوات بشفاء الملك: من قبيل الله يحفظ سيدنا.. الله يحفظ سيدنا، نعم ليحفظه الله فنحن لا نريد أن يصيب الملك مكروه، لكن لا أحد منهم سيفكر بشكل عقلاني في الموضوع، ذلك أننا بصدد موقف له إحالاته السياسية وهذه الأخيرة تقوم على التفكير بشكل عقلاني.
- عقلانية من قبيل ماذا؟
+ كأن تقول الأحزاب إنه يجب جعل موضوع مرض الملك، مناسبة للتعاطي معه بعقلانية، ومن بينها طريقة ومضمون البلاغات المرتبطة بالوضع الصحي للملك، وأن يتم إخطار الشعب بتطوراته، ماذا سيحدث لو طالبت الأحزاب بذلك؟ هل ستنقلب الدنيا رأسا على عقب؟ إنهم يعتقدون أننا نعيش مع ملك دائم للأبد، في حين أنه بشر مثل غيره، وأن الأمر يتعلق بسياسة الدولة، وبالتالي ضرورة التفكير في مثل هذه الأمور بشكل عقلاني وليس خرافيا، فالسياسة كما تمارس في جميع بلدان العالم تُطرح جميع الإحتمالات المرتبطة بالحكم، فكل رؤساء العالم يتوفرون على فرق طبية تُتابع أوضاعهم الصحية، إن التعاطي مع موضوع الوضع الصحي للملك بشكل عقلاني، هو من صميم التدبير الديموقراطي لشؤون الدولة.
- كيف تفسر أنه بعد قرابة 60 سنة على وجود مشهد سياسي بعشرات الأحزاب والمؤسسات لم نتوصل إلى تعاطي عقلاني مع موضوع الوضع الصحي للملك؟
+ السبب في ذلك أن الحسن الثاني مارس ضغطا كبيرا في موضوع حالته الصحية، فهو لم يكن يسمح بتسرب أي خبر في الموضوع، وبالمناسبة فإنه لحد الآن لا نعرف سبب موت الحسن الثاني، ولم يخرج بلاغ في الموضوع.
- قيل إنه توفي بسكتة قلبية..؟
+ كل موت هو سكتة قلبية، فهل كان لديه مشكل صحي وراثي؟ وهل وهل؟ إن هناك العديد من الأسئلة. المشكلة هي أن قادة الأحزاب في بلادنا ليس لديهم وعي بمثل هذه الأمور، كما لا يتوفرون على الشجاعة الكافية، لطرح مثل هذه الأسئلة. سوف ترى أنه لا أحد باستثناء الصحافة المستقلة، سيتحدث في مسألة مرض الملك ومناقشته. لتلاحظ أيضا أن وزيرة الصحة لم تتحدث في الموضوع، وهو ما يمنح الدليل الألف على أنه لا وجود للحكومة، ففي بلد ديموقراطي حقيقي يتدخل وزير الصحة في موضوع مرض رئيس الدولة، إن قادة الأحزاب واعضاء الحكومة لا يتوفرون على الشجاعة للحديث عن مرض الملك، وكأنه سيقطع رؤوسهم لو فعلوا. في حين أن الملك أصدر بلاغا في الموضوع بنفسه، وبالتالي فإن تقدم على قادة الأحزاب وأعضاء الحكومة.
- كيف تفسر أن إصدار بلاغ في موضوع الوضع الصحي للملك في المغرب ظل غير معمول به حتى هذا الوقت؟
+ ذلك لأن الوضع الصحي لقائد الدولة في الأنظمة الإستبدادية يُعتبر طابوها، وسرا من أسرار الدولة، وهو ما كان معمولا به من طرف الحسن الثاني.
- هناك من ذهب إلى القول إن البلاغ الصادر حول الوضع الصحي للملك ما هو إلا بادرة أولية إعدادا لما هو أخطر، فيما يرتبط بصحة الملك، ما رأيك في هذه الفرضية؟
+ ما يمكن أن أقوله بهذا الصدد إن الطريقة التي تم بها إصدار البلاغ، تدفع الناس للدخول في باب الإشاعات والتأويلات، وحينما نلج هذا المجال تكون المصيبة أعظم، في رأيي أنه بعد يومين من صدور البلاغ الأول يجب أن يكون هناك ثان، يتضمن تصريحا بالمستوى الذي عليه الحالة الصحية للملك، إن هذا هو ما سيجعل الناس تهدأ وتتوقف عن الإيغال في التأويلات.
- لنفترض أنه لا بلاغ صدر بعد يومين أو ثلاثة أو أكثر في الموضوع؟
+ حينها سأصاب شخصيا بالذعر، إنه لا حق لمصدري البلاغ في البدء بهذا المجال دون متابعة، فأنا كمواطن أريد أن أعرف ماذا يقع لملكي، وهذا من حقي لأن الأمر يتعلق بالمسؤول عن سير البلاد، إن الأمر لا يحتمل الهزل من قبيل إصدار بلاغ والتوقف عن متابعة التواصل مع الناس في تطورات الموضوع.
- تحدثت الصحافة الدولية، منذ أزيد من سنة عن لجوء الملك إلى فرنسا قصد العلاج، ولم يلق الموضوع الاهتمام اللازم في المغرب، كيف تفسر ذلك؟
+ المشكلة أنه لم يتم تكذيب الأخبار التي نشرت في الموضوع، وبالتالي فتح المجال أمام الشك، أتذكر حوارك مع الصحافي الإسباني بيدرو كناليس في الموضوع، فلماذا لم يصدر بلاغ تكذيبي بما قاله الرجل حول الوضع الصحي للملك؟ وهو ما يجعل الشك يستثب في أقل الأحوال. وبالعودة إلى البلاغ الرسمي حول الوضع الصحي للملك، فإن الناس ذهبت للبحث عبر محرك غوغل عن المعلومات المرتبطة بفيروس "روتا فيروس" وهو ما كشف الغلطة الفادحة لمصدري البلاغ، حيث يعتقدون أن محرك "غوغل" غير موجود في هذه البلاد، أو أنهم وحدهم مَن يقرأون.
الصحافي الإسباني "بيدرو كناليس" لـ
مصادر طبية في باريس أكدت لي أن محمد السادس مصاب بمرض مزمن
يؤكد الصحافي الإسباني "بيدرو كناليس" ضمن هذا الحوار، أن بلاغ وزارة التشريفات والأوسمة، حول الوضع الصحي للملك محمد السادس، قد يكون منطويا على ما هو أخطر، وحدد ذلك في مرض مزمن، قد يضطر الملك إلى التخلي عن ممارسة شؤون الحكم، كما أكد أن مصادر طبية في فرنسا، أفادته أن محمد السادس مصاب بمرض القصور الكلوي أو علة في الكبد، تقتضي سفره بانتظام إلى باريس لتلقي العلاج. معتقدا - أي كناليس- أن ما ذكره البلاغ الرسمي حول الحالة الصحية للملك ما هو إلا عرض لتلك العلة المزمنة..
- تم تذييع بلاغ رسمي في المغرب صادر عن وزارة التشريفات والأوسمة، بمضمون مرض الملك، بل وتم تحديد طبيعته، مما شكل سابقة مغربية، مارأيك؟
+ فعلا إنها مبادرة غير مسبوقة.
- باعتبارك صحفيا إسبانيا تابع التطورات والأحداث المغربية، منذ فترة طويلة كيف تقيّم هذه المبادرة غير المسبوقة؟
+ أعتقد أنه يجدر النظر إلى الموضوع من عدة أوجه، أولاها أن القصر يريد اعتماد مقاربة جديدة في كل ما يتعلق بالأسرة الملكية، وذلك باعتبار أن الملكين محمد الخامس والحسن الثاني، لم يعمدا أبدا إلى إصدار بلاغات فيما يتصل بأمور أحوالهما الصحية، وبالتالي فإن إصدار بلاغ حول صحة الملك، قد يدخل في إطار إظهار وضوح أكثر في التعاطي مع ما يرتبط بأحوال أفراد العائلة الملكية، غير أنني أميل إلى تفسير آخر ومفاده أن الأمر ينطوي على قضية خطيرة نسبيا، ذلك أننا عاينا مُضايقات لجرائد مغربية لأنها تناولت قضايا مرتبطة بالملك، باعتباره شخصا مقدسا، وهو ما يمكن القول معه إن الوضع في موضوع الملكية ما زال في عهد محمد السادس كما كان مع جده محمد الخامس وأبيه الحسن الثاني، وهو ما يدفعني إلى القول إن إصدار بلاغ في موضوع الحالة الصحية للملك يشي بأمر خطير.
- كنت أول من نشر خلال شهر مارس من السنة الماضية، في موقع "الأمبرسيال" خبرا أكدت فيه أن محمد السادس لم يكن في عطلة طويلة بفرنسا، بل كان بصدد تلقي علاج مكثف بسبب المرض، فهل تعتقد أن لذلك علاقة بالبلاغ الرسمي الحديث في نفس الموضوع؟
+ يمكن أن تكون هناك علاقة بين الموضوعين، فعلا لقد نشرتُ منذ ازيد من عام خبرا عن العملية الجراحية التي خضع لها الملك محمد السادس بفرنسا، وقد تأكد ذلك أكثر مؤخرا، حيث إن مصادر فرنسية أفادتني أن محمد السادس يشكو من القصور الكلوي أو مرض في الكبد يجعله يخضع للعلاج بانتظام في فرنسا، وهو ما قد يجعل موضوع المرض المعلن عنه في البلاغ الرسمي ليس سوى عواقب لعلة مزمنة.
- هل تعتقد أن عملية الإخبار بمرض الملك ما هي إلا عملية إعداد للناس لتقبل فكرة وجود الملك في وضع صحي حرج؟
+ نعم إنني أميل إلى مثل هذا التفسير.
- ضمن أية أبعاد في نظرك؟
+ في البعد الذي يُحيل على مشكل وراثة الحكم، في حالة إصابة الملك بمرض مزمن يُعيقه من ممارسة شؤون الحكم، حيث يكون محتما عليه أخذ فترات راحة طويلة لأسباب صحية، لعدة أسابيع أو شهور، وفي هذه الحال فإن البلاغ الرسمي بصدد الوضع الصحي للملك، يُمكن أن يكون ضمن عملية إعداد للرأي العام المغربي، لتقبل فكرة وجود بديل للسهر على شؤون الحكم، وبالتالي استمرارية النظام، وضمان الاستقرار.
- كيف يمكن لهذه الإستمرارية أن تتم في نظرك؟
+ يُمكن أن يتم ذلك عبر قيام محمد السادس بتسليم مقاليد الحكم لأخيه الأمير رشيد، أو تشكيل مجلس للعائلة الملكية، وفي هذا الصدد يجب ان نستحضر أن الأمير إسماعيل ابن عم الملك، أخذ مكانة مهمة بقرب هذا الأخير، كما أن الأمير رشيد يتوفر على حضور مهم على المستوى الدولي، حيث شارك في عدد كبير من الملتقيات والمؤتمرات الدولية، ممثلا للملك، وأشير بهذا الصدد إلى أن محمد السادس له علاقة طيبة جدا مبنية ربما، على الثقة بابن عمه الأمير إسماعيل، وهو ما يجعل الأمر، ربما، متعلقا بنوع من مجلس للعائلة الملكية، يكون على عاتقه تدبير الحكم، لضمان استمرار النظام الملكي، على نحو لا يؤدي بالضرورة إلى تسليم مقاليد الحكم للأمير رشيد، وهو ما يعتبر مستجدا، ذلك أن الأمر لم يتم طرحه على هذا النحو مع محمد الخامس والحسن الثاني.
- فكرة عقد بين أفراد العائلة الملكية كان قد طرحها الأمير هشام منذ بضع سنوات، خلال بداية حكم محمد السادس، ألا تجد الأمر مُفارقا؟
+ نعم إن الأمر ينطوي نسبيا على مُفارقة، باعتبار أن مجلس العائلة الملكية في العالم العربي يوجد في العربية السعودية فقط، وهو نموذج تدبير شؤون الحكم الذي اقترحه الأمير هشام، وهو ما اعتبره محمد السادس حينها مسا بصلاحياته باعتباره الوحيد الذي يراقب أمور السلطة ويقود البلاد، غيرأنه في ظرفية دقيقة قد تكون وصفة مجلس العائلة فكرة مناسبة، على غرار ما حدث في السعودية خلال اشتداد الأزمة الصحية للملك فهد.
- هل تعتقد أن الأرضية السياسية والاجتماعية بالمغرب يُمكن أن يُناسبها تدبير لشؤون الحكم بطريقة مجلس للعائلة الملكية؟
+ نعم إن الوضع في المغرب يختلف عما هو موجود عليه في العربية السعودية، ففي هذه الأخيرة يتولى أفراد العائلة الملكية أهم الوزارات في الحكومة، كما يتولون أهم المناصب في الدولة، وهو ما لا يلتقي مع طريقة تدبير شؤون الحكم في المغرب، فعلى سبيل المثال إن الأمير رشيد الذي يوجد في المرتبة الثانية ضمن تراتبية وراثة الحكم، ليست لديه مسؤولية رسمية في الدولة، بل يفوض له الملك بعض الصلاحيات الشكلية، وهنا يجب أن نتذكر أن الأمير عبد الله أخ الحسن الثاني، كانت لديه في فترة ما مهمة رسمية في الدولة، وبالتالي فإن الوضع ليس هو نفسه، غير أن هذا لا يمنع من تطبيق الفكرة في ظروف دقيقة.
كيف سافرت جثة الحسن الأول على صهوة جواده من تادلة حتى العاصمة؟
تحتفظ ذاكرة حكم ملوك العلويين بكم هائل من الأسرار، فيما يرتبط بحياتهم الخاصة، سيما تلك المتعلقة بأحوالهم الصحية، وإذا اقتصرنا على جزء من تلك الذاكرة، الممتد من نهاية القرن التاسع عشر إلى اليوم، فسنجد أن السلطان الحسن الأول (لم يكن لقب الملك قد ظهر بعد) عانى في أواخر حياته من آلام مرض غامض لم يُكشف عنه، وبالرغم من ذلك، كان مضطرا لركوب صهوة جواده، في عمليات حربية (حَركات مخزنية) لـ "تأديب" القبائل المتمردة على سلطة المخزن المركزي، وفي إحدى هذه الحَركات التي قام بها السلطان الحسن الأول على بعض قبائل وسط المغرب (تادلة) كان المرض قد بلغ به أشده، ليدركه الموت وهو في خيمة معسكر جيشه، ولأن الخبر كان خطيرا، فقد عمد الصدر الأعظم أحمد بنموسى الملقب بـ "با حماد" إلى إخفاء نبأ موت السلطان على قادة وأفراد الجيش، مخافة أن تأول أمور الحكم وٍجهة لم يكن يرغب فيها، ومنها تولي محمد الإبن البكر للحسن الأول السلطة، حيث كان يفضل أن يتولى بدلا منه، أصغر أبناء السلطان وهو عبد العزيز الذي لم يكن يتجاوز سنه السادسة عشرة، حتى يضمن (أي با حماد) وصايته على شؤون الحكم، لسهولة التحكم في سلطان صغير، ولتلك الغاية عمد "با حماد" إلى إيهام جميع مَن كان في معسكر السلطان، أن هذا الأخير ما زال على قيد الحياة، وأنه اتخذ فجأة قرار العودة إلى قصره بفاس، فكان أن عمد الصدر الأعظم إلى حيلة جهنمية، تمثلت في ضرب حصار على الأفراد القلائل من أفراد عائلة وحاشية السلطان، ممن كانوا يعلمون بخبر موته، وهددهم بأوخم العواقب، في حالة ما إذا كشفوا السر المكنون، ثم أمر بتجهيز موكب عودة السلطان، وذلك بشد جثة هذا الأخير على حصانه، بشكل يبدو معه، كما لو كان حيا، وطوال مدة السفر الطويلة التي دامت أياما، من منطقة تادلة حتى مدينة فاس، سهر "با حماد" على أن يظل كل شيء عاديا حول الموكب السلطاني، وهو ما تم بنجاح إلى غاية الوصول إلى عين المكان، وعندها فقط "رتب" الصدر الأعظم لمراسيم الإعلان الرسمي عن وفاة السلطان، وتنصيب ابنه عبد العزيز مكانه، ليدخل المغرب فترة اضطراب سياسي واجتماعي، واستئساد الأطماع الأجنبية، سيما الفرنسية والإسبانية، بعد مؤتمر الجزيرة الخضراء، حيث ختِم بتوقيع علماء فاس على وثيقة تنحية عبد العزيز وتولية أخيه عبد الحفيظ مكانه، غير أن أوان رتق رُقَعِ التدهور كان قد أزف، حيث اضطُر السلطان عبد الحفيظ إلى توقيع معاهدة الحماية الفرنسية سنة 1912، وليبدأ فصل آخر من تاريخ المغرب، انطلاقا من ضعف نواة الحكم السلطاني وما ترتب عنه، وصولا إلى سقوط المغرب في قبضة الإستعمارين الفرنسي والإسباني.
محمد الخامس مرض مجهول ووفاة ملغزة
لم يُعرف عن محمد الخامس، حين توليه الحكم خلفا لأبيه يوسف، بعدما وقع عليه الاختيار من طرف سلطات الإقامة الاستعمارية، بالرغم من حداثة سنه.. لم يُعرف عنه أنه كان يشكو من علة ما، بل على العكس من ذلك كان متمتعا بصحة بادية للعيان، سيما من خلال ما كان يُروى عن ولعه ببعض ملذات الحياة الحسية وبالأخص النساء، حيث كان له حريم في قصره تؤثثه عشرات الحسان، إلا أن "أب الاستقلال" انطفأ فجأة في شهر رمضان من سنة 1961 وسنه لم تكن تتجاوز الثانية والخمسين عاما، وذلك على إثر خضوعه لعملية جراحية وُصفت بالبسيطة في الأنف، وقيل الكثير عن "لغز" وفاة محمد الخامس، ذهب بعضها، مثل تلك التي أوردها المؤرخ عبد الكريم الفيلالي، إلى حد التشكيك في وفاة "طبيعية" للمعني، بل وتحدث نفس المؤرخ في أحد حواراته الصحافية عن "لغز" وفاة صالح "الكوزيني" الذي كان أحد خلصاء محمد الخامس المقربين، لأنه كان قد اطلع على بعض أسرار موته - أي محمد الخامس – الأكثر من ذلك إن القيادي في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية "الفقيه البصري" كان قد شكك في برنامج على الهواء بقناة الجزيرة في الرواية المُساقة رسميا عن موت محمد الخامس.
واليوم بعد مرور قرابة نصف قرن على وفاة محمد الخامس "الملغزة" لا يتوفر المغاربة على تفاصيل سجله الصحي الحقيقي، اللهم شذرات "تُقَطَّرُ" هنا وهناك منها القائلة بحصول أخطاء طبية أثناء الإعداد للعملية الجراحية التي أودت بحياته، ومن ذلك إجراؤها في مصحة القصر الملكي بالرباط، بدون مشاركة اطباء مختصين في الإنعاش والقلب، وكذا الإرتجالية التي تمت بها.
ثمة من الشهادات القليلة عن الوضع الصحي للملك محمد الخامس، في اواخر سني حياته تلك التي أوردتها فاطمة اوفقير في كتابها المعروف "حدائق الملك" نجتزئ منه هذه الفقرات الدالة: ".. كان محمد الخامس مريضا (مستهل سنة 1961) ولم نكن نعلم بذلك، وبعد ذلك بشهر، وبينما كنا نتناول إفطار رمضان، أطلق علينا العبارة التالية: كلوا واشبعوا، ستأكلون قريبا في مأتم ملككم. أخذ الجميع هذه الملاحظة على محمل المزاح، وكيف كان لنا أن نشك في ذلك؟ كان لملك متورد الخدين، جميلا، في الثانية والخمسين من عمره، يبدو في صحة ممتازة، وحينما انفردتُ به أخبرته كم يبدو في أحسن حال.. ليُجيبني: – كلا يا فاطمة لو أنك تدرين كم أتألم، تنتابني الرغبة أحيانا أن أرمي بنفسي من النافذة لأرتاح من اوجاعي.
ربما أراد أن يموت، وربما استسلم للسقوط. شعر بأن السلطة المطلقة تفلت من بين يديه، وبما أنه رغب في انتقال العرش إلى ابنه بأسرع ما يمكن. كان يعلم بأن مولاي الحسن حينما سيصبح ملكا سوف لن يقبل أبدا أن يُملى عليه سلوكه وأن تُحصر مهامه في افتتاح معارض الأقحوان.
لم يكن أحد يعرف أي داء بالضبط كان يُضني الملك. شخصيا، أعتقد أنه كان مصابا بسرطان في منطقة الأذن، فقد كان يعاني باستمرار من آلام مبرحة. كانت آلامه شديدة ومرعبة إلى حد أنه لم يكن يطيق الصخب من حوله.
نصحه الأطباء بعدم اللجوء إلى التدخل الجراحي، ولكن الألم الشديد جعله يقرر الخضوع لعملية جراحية في يوم 26 فبراير سنة 1961، بدون حضور طبيب مختص في القلب، بل فقط بحضور طبيب مختص في أمراض الأنف والأذن، كان يعلم أنه لن ينجو، كان يقول لنا ذلك ويُعلنه للمحيطين به. أعتقد أن ألما مبرحا قد يدلك على قرب النهاية.
لم تكن العملية معقدة كثيرا، ولكن مشاكل قلبية ظهرت فأجري له تدليك للقلب، ولكن الأوان كان قد فات. فقد توقف عن التنفس".
بالرغم من هذه التفاصيل التي كانت تكتنف الوضع الصحي لمحمد الخامس، كما روتها فاطمة أوفقير، إلا أن لا شيء منها خرج للعموم حينها، ذلك أن ستارا سميكا من السرية كان يحيط بمسألة الوضع الصحي لمحمد الخامس، حتى حلت النهاية وهو بعد لم يتجاوز العقد الخامس من عمره، لذا كان وقع نبأ موته حينما أُذيع رسميا، صادما الجميع.
الحسن الثاني: صحة فولاذية في المظهر وعِلَلٌ بالجملة سرا
حرص الحسن الثاني طوال فترة حكمه التي دامت ثمانية وثلاثين عاما، على منح انطباع راسخ عن توفره على صحة جيدة، فخلال كل ظهور علني له، وفي كل الصور والأشرطة، وما أكثرها، التي نُشرت وبُثت له، كان الدأب كبيرا على أن يبدو الملك في أفضل حالاته، ويُمكن القول إن ذلك لم يكن بالشيء الهين، حيث كان يقتضي عملا مضنيا من لدن عشرات خدام البلاط، المختصين وغير المختصين، وأمهر المصورين وخبراء التجميل "الإعلامي" يقودهم مقربون من الحسن الثاني، وعلى رأسهم الجنرال الفولاذي في قسوته ومخزنيته "عبد الحفيظ العلوي" وزير التشريفات والقصور والأوسمة.
وكان مفارقا حقا، أن يتجاوز الحسن الثاني عقده السادس من عمره، ويستمر اعتبار تاريخ ميلاده مناسبة للاحتفال بعيد الشباب، في عملية إيحاء "خرافية" على أن الملك لا يشيخ رغم أنف الزمن.
وبعيدا عن كل هذه الإعتبارات الإحترازية، والدأب على تسويق صورة إيجابية، حد المغالاة، في كثير من الأحيان عن صحة الحسن الثاني، فإن نُتف أخبار تسربت على مراحل، أفادت أنه - أي الحسن الثاني – عانى طوال سني حياته، من عدة علل، حيث كان قد اضطر وهو لا يزال في العقد الرابع من عمره إلى الخضوع لعدة عمليات جراحية، في الأنف والأمعاء، كما اشتكى من مشاكل في التنفس، جعلته يكره الإقامة في قصر الرباط أغلب فترات السنة، لضرورات الحكم، وكان يستغل كل الفرص ليذهب إلى قصوره في مدن داخل البلاد، بعيدا عن الساحل الأطلسي، سيما إلى مراكش وفاس وإفران..
حينما تعرض الحسن الثاني لوعكته الصحية، التي أذنت بأفول شخصه، وهو في خضم زيارة رسمية للولايات المتحدة الأمريكية سنة 1995، تناسلت الأخبار والإشاعات عن إصابته بمرض خطير، حدده البعض في سرطان القولون، والبعض الآخر في سرطان الرئة، أما العامة فكانوا يتداولون خُفية فيما بينهم، أن الملك مُصاب بـ "الضيقة" أي الربو.
وبطبيعة الحال لم يتسرب شيء عن طبيعة "الوعكة" الصحية للحسن الثاني، واكتُفي بإذاعة بلاغ رسمي، أشار باقتضاب إلى إصابته بالتهاب رئوي، وأنه دخل المستشفى في أمريكا لتلقي العلاج.
غير أن جزءا من الحقيقة، عكسته تقارير صحفية أجنبية، تحدثت حينها عن وجود الحسن الثاني في وضع صحي حرج، وكان دالا بهذا الصدد، حينها، أن أحد أعداد جريدة "القدس العربي" نشر خبرا عما تضمنته تلك التقارير تم منعه من دخول المغرب، أما الصحافة المحلية بالمغرب، فلم يكن من المُتصور أن تشير ولو همزا ولمزا إلى الموضوع، ناهيك عن أن يتحدث أحد المقربين من البلاط، عن الوضع الصحي للحسن الثاني علنا. كان مُفارقا حقا، أن تبدو علامات الوهن الشديد على الحسن الثاني في أواخر أيام حياته، دون أن يصدر أي بلاغ رسمي عن وضعه الصحي الحرج، فقد بلغ به الضعف خلال زيارته الرسمية يوم 14 يوليوز سنة 1999 إلى فرنسا، أن وجد صعوبة كبيرة في المشي، وهو ما دفع مُضيفه وصديقه الرئيس "جاك شيراك" إلى الإسرار في أذن دبلوماسيين غربيين كانوا ضمن المناسبة الاحتفالية الفرنسية، بأن أيام الحسن الثاني باتت معدودة. بالرغم من كل تلك العلامات إلا أن الوضع الصحي للملك ظل مُحاطا بسرية تامة، يتداوله أفراد أسرة العائلة الملكية وبعض كبار رجال الدولة، دون أن يتجاوز نطاق تداولهم، وهو ما يفسر أن وقع خبر وفاة الحسن الثاني بعد عصر يوم 23 من يوليوز سنة 1999 نزل بقوة على ملايين المتلقين، سيما في المغرب، حيث كان يا أيها الناس، يعتقدون بشكل خرافي، أن الملك الذي حكمهم طوال ما يقرب من أربعة عقود لا يموت. وفي ذلك واحدا من أقوى علامات نوع "الوعي" السياسي القروسطي لجل المغاربة.
محمد السادس أسفار طويلة، فهل تكون لغايات "صحية"؟
حرص أفراد شلة تسويق صورة إيجابية في وسائل الإعلام عن محمد السادس، خلال بداية حكم هذا الأخير، على التسطير على لقب "الملك الشاب"، وبالفعل فإن تولي محمد السادس للسلطة وسنه ستة وثلاثين سنة، منح فرصة مواتية لأفراد شلة الدعاية المذكورة، التي ترأسها المستشار الملكي المخضرم "أندري أزولاي" لنشر تلك الصورة "الشابة" عن الملك الجديد، وهو المعطى الذي تم استثماره حتى آخر مدى ممكن، كيف لا والملك محمد السادس كان يبدو في هيئة رياضية، مشفوعة بعشرات المئات من الصور وهو يتزحلق فوق أمواج البحر أو الكتل الجليدية؟ ما لم يكن معروفا هو أن الملك محمد السادس عانى منذ سنين طفولته الأولى من أعراض مرض الحساسية، بل إن سيدي محمد كان يتعرض بين الفينة والأخرى لاختناق بسبب ضيق التنفس، مما كان يستوجب عرضه على طبيب مختص، غير أن هذه العوارض لم تمنع ولي العهد من ممارسة حياته كما ينبغي، ولأن لا أحد كان يعلم بحقيقة أمراض الملك فإن الصورة التي تم تسويقها منحت بداية عهد محمد السادس نكهة "ظريفة" في أعين الرأي العام المحلي والدولي.
بيد أنه مع منتصف العقد الأول من الألفية الميلادية الجديدة، بدأت صورة الملك تأخذ تغييرا مضطردا، والسبب زيادة سريعة ملحوظة في الوزن، صاحبتها أوامر طبية صارمة تفرض عليه إتباع حمية تقوم أساس على تناول الأكل بدون ملح، مما حجب صورة الملك الشاب الرشيق، وكما هي العادة، فإن الألسن لاكت هذا المُعطى بغير قليل من المبالغة، فمن قائل إن ذلك علامة على موفور الصحة والعافية، إلى قائل إن الملك يتبع علاجا ما بمستحضرات من مضاعفاتها زيادة الوزن.. إلخ إلخ، ولم تكن هذه الإشاعات مما يسبب الإنزعاج للقصر وخدامه، ما دامت لم تتجاوز نطاقها الضيق.
غير أنه في شهر مارس من سنة 2008، نشر الصحافي الإسباني "بيدرو كناليس" في موقع "الإمبرسيال" الإلكتروني الجاد، خبرا عن خضوع محمد السادس لعملية جراحية في أحد المستشفيات الكبيرة بباريس، كشف الصحافي المذكور في الحوار الذي اجرته معه اسبوعية "المشعل" حينها أن لديه مصادره الموثوقة في العاصمة الفرنسية، أكدت له أن الملك المغربي يشكو من مرض اقتضى خضوعه لعملية جراحية، واجتياز فترة راحة طويلة استمرت أزيد من شهر بفرنسا، وبعد صمت مطبق، رسمي مغربي، خرج مدير التشريفات والأوسمة عبد الحق المريني، ببلاغ نشرته وكالة المغرب العربي للأنباء كذبت فيه خبر مرض الملك وخضوعه لعملية جراحية، لكن دون أن يشفع ذلك ظهور علني لمحمد السادس، في حينه يؤكد نفي خبر مرضه.
وازداد الغموض أكثر حينما سافر الملك شهورا بعد السفر الطويل المذكور، ربيع هذه السنة، في عطلة مفتوحة إلى فرنسا، استمرت أزيد من شهر، دون أن يصدر بلاغ رسمي يحدد سبب الغياب الطويل للملك، وهو ما منح أخبار وشائعات خضوعه للاستشفاء، ثقلا أكبر.
مرض الملك و"الفقيه غوغل"
فاجأت وزارة التشريفات والأوسمة الرأي العام المحلي والدولي، ببلاغها "السابقة" المُعمم يوم الأربعاء ما قبل الماضي، بمضمون إصابة الملك بمرض شخصته في فيروس "روتا" وحدد البلاغ أعراض المرض في اجتفاف حاد يقتضي التزام الملك بفترة راحة من خمسة أيام.
وكان طبيعيا أن يهرع الناس إلى الشبكة العنكبوتية، لاستفتاء "الفقيه" غوغل فيما يقوله عن تاريخ وهوية الفيروس الذي اصاب الملك، ليتبين لهم أن "روتا فيروس" لم يُكتشف سوى حديثا، وبالتحديد سنة 1974 على يد طبيب أسترالي، وأن لقاحا له غير مضمون النتائج اكتُشف سنة 1983، غير أنه من بين أغرب ما "أفتى" به "الفقيه" غوغل أن الفيروس المذكور، يصيب في الغالبية شبه المطلقة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين مرحلة الولادة وسن الخامسة، ونادرا جدا ما يقترب من الأشخاص الراشدين، وأنه ما يزال يوذي بحياة ملايين الأطفال في بلدان العالم الثالث، وفي إحدى تفاصيل "فتاوى" فقيه الشبكة العنكبوتية الأشهر أن "روتا فيروس" يُلقب بالفيروس الديموقراطي، لأنه يُصيب أغلب الأطفال في انحاء العالم بغض النظر عن انتمائهم للعالم الأول أو الثاني أو الثالث.. إلخ. ومن بين التفاصيل أيضا، أن الفيروس الذي نحن بصدده، ينتقل عبر اللمس والإحتكاك، مما جعل بعض المتفكهين من الظرفية، يقولون إنه إذا لم تُفد كل الاعتبارات السياسية، في التخلص من عادة تقبييل يد الملك، فإن "روتا فيروس" منح الفرصة الاضطرارية لذلك، لتجفيف فيروسات آلاف الأيدي والأفواه التي تحتك بيد الملك.
الدكتور محمدين بوبكرى
"روتا فيروس" سببه نقص المناعة..أو "الحساسية"
في هذا الحوار يتحدث الدكتور بوبكري محمدين عن أعراض الالتهاب الفيروسي الذي أصاب الملك وأسبابه، وعن مادة الكورتكويد التي تضعف مناعة الجسم. وكذا عن أسباب تساقط الشعر، الذي من بين أسبابه العلاج الكيميائي الذي يخضع له المرضى بالسرطان، وعن الأعراض الجانبية لتناول الأدوية المضادة للحساسية.
- أُعلن عن تعرض الملك محمد السادس لاضطرابات في الجهاز الهضمي ولالتهاب فيروسي يعرف باسم «روتا فيروس»، مما أدى إلى حالة اجتفاف حادة، ما هو نوع هذا المرض، وما هي أسبابه؟
+ الالتهاب الفيروسي المعروف باسم «روتا فيروس» يصيب في الغالب الأطفال، ففيروسات الروتا تسبب ما يقارب 150مليون حالة إسهال سنويا لدى الأطفال الأصغر من 5 سنوات في جميع أنحاء العالم. وهي تصيب بشكل انتقائي وتخرب خلايا الأمعاء الدقيقة.
يؤدي الالتهاب الفيروسي إلى عدم التوازن في نسبة الامتصاص المعوي للسوائل، مما يؤدي إلى حالات إسهال بسبب اضطرابات في المعدة كما يؤدي إلى التقيؤ، وهو مرض فيروسي يكون عرضة له الصغار في الغالب الأعم، ويتسبب في حالة إسهال حادة، كما يصيب الكبار لكن بنسبة محدودة. أما أعراض هذا المرض فتتجلى في الحمى الخفيفة إلى المعتدلة والقيء يليها بداية التغوط المائي المتكرر، يزول القيء والحمى تدريجيا خلال اليوم الثاني للمرض، إلا أن الإسهال غالباً ما يستمر من 5 إلى 7 أيام.
ومع تكرار المرض تتقوى المناعة الذاتية، وبالتالي يصبح تحت السيطرة ولا يشكل أي خطورة.
- من الملاحظ أن هذا المرض يصيب الأطفال على الخصوص،فكيف يمكن تفسيرإصابة البالغين أيضا بهذا المرض؟
+ يمكن أن يصاب أيضا البالغون بهذا المرض، سواء عن طريق العدوى أو بسبب نقص المناعة لدى الشخص البالغ.
- كيف ذلك؟
+ هناك مرضى يعانون من نقص المناعة بسبب تناولهم لبعض الأدوية المضادة لأمراض من قبيل مرض الحساسية، لأنها تحتوي على مكونات الكورتكويد التي تضعف مناعة الجسم.
- طيب، ماذا عن سر تساقط الشعر، هل يمكن ربطه هو الآخر بغياب المناعة؟
+تساقط الشعر قد يكون وراثيا وقد يكون بشكل عادي، وقد يكون أيضا بسبب العلاج الكيميائي الذي يخضع له المرضى بالسرطان، فعلاج الأورام السرطانية، الذي هو عبارة عن أدوية وعقاقير كيميائية َيستهدف قتل الخلايا السّرطانية، التي تتميز بعدم قدرتها على بناء نفسها بعكس الخلايا السليمة. يبحث العلاج الكيميائي عن الخلايا السريعة الانقسام في الجسم ويحاول تدميرها، من أجل ذلك قد يؤثر على خلايا عاديّة من طبيعتها الانقسام السريع، مما يؤدي إلى حدوث آثار جانبية للعلاج، وهذه الخلايا الطبيعية تعود إلى طبيعتها بعد انتهاء العلاج.
أما آثاره الجانبية المتوقعة من شخص لآخر، ومن دواء لآخر، فتتراوح ما بين سقوط الشعر والتقيؤ والغثيان وفقدان المناعة والتعب، غير أنه ليس من الضروري أن تحصل كل هذه الآثار لكل المرضى الذين يتلقون العلاج الكيميائي.
- طيب، هل لانتفاخ الجسم علاقة بتناول بعض هذه الأدوية؟
+ في هذه الحالة يتعلق الأمر بتناول أدوية مضادة للحساسية، حيث من الآثار الجانبية لبعض هذه الأدوية حدوث انتفاخ في جسم المريض.
عبد الصمد بلكبير القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية
الصدفة أرغمت القصر على إعلان مرض الملك
يقدم عبد الصمد بلكبير القيادي اليساري المعروف، تحليله الخاص لدلالات ومضامين البلاغ الصادر عن القصر الملكي، الذي أفاد بتعرض الملك محمد السادس لوعكة صحية، حيث يشرح كيف لعبت الصدفة دورا كبيرا في صدور البلاغ المذكور، على غير عادة ملوك الدولة العلوية، وتتمثل – أي الصدفة – في تأويل غياب الملك عن ترؤس الدروس الرمضانية.
- صدر بلاغ عن القصر أشار إلى مرض الملك محمد السادس، وهو ما اعتبره البعض سابقة في تاريخ المملكة، هل تتفقون مع هذا الرأي؟
+ أولا القول إن هذا الأمر غير مسبوق يحتاج إلى تدقيق، ففي السابق لم يكن يُنظر إلى مرض الملوك ببواعث ذات طبيعة سياسية، بقدر ما كان ينظر إليها على أنها ذات طبيعة شخصية، وبالتالي لا تستحق أن تعمم.
في حالة مرض الملك محمد الخامس كانت هناك حالة خاصة، وكان المغاربة على علم بمرضه... بأية طريقة، لا أتذكر، لكن المهم أن ذلك حصل، عدا هذا الاستثناء فالقاعدة لم تتبدل. الجديد هذه المرة هو الدروس الرمضانية التي تأخر عنها الملك محمد السادس، وبالتالي كان التأويل سيكون سلبيا.
- هل كان سيقال إن أمير المؤمنين لا يهتم بالدروس الرمضانية؟
+ منذ تولي الملك محمد السادس الحكم وهو يسافر خارج أرض الوطن، دون أن يعلن حتى أين هو، وفي كل المرات التي أثير خلالها هذا الموضوع، لم تكن الدوائر الرسمية تتحرك لتعلن أين ذهب الملك، لكن في هذه المرة لعب التوقيت دورا كبيرا، فغياب الملك عن ترؤس الدروس الرمضانية كان سيتم تأويله بشكل سلبي، بل أكثر من ذلك كان سيكون ضد الطابع الديني للدولة، ومن ثمة لم يكن أمام القائمين أي خيار آخر سوى إصدار البلاغ الذي أشار إلى مرض الملك، أي أن البلاغ كان بمثابة دفع ضرر أكثر منه جلبا لمنفعة.
- إذن هل تعتقد أن الأمور لم تتبدل، وأن الصدفة لعبت دورا مهما في هذا التحول الظرفي، كما يفهم من قولك؟
+ قرأت على هامش البلاغ في ركن صحافي تناول هذا الموضوع أن ما وقع هو ثورة على المستوى الايديولوجي، استنادا إلى أن البلاغ فتح الباب أمام الحديث عن الملك مثل أيها الناس، وتذكرت أن من النتائج الايجابية غير المباشرة للحروب الصليبية أن ملوك الدول الأوربية قادوا الجيوش بأنفسهم، وبسبب ذلك اكتشف الجنود أن الملوك يتغوطون كما باقي البشر، وبالتالي سقطت عنهم تلك الهالة والقدسية، التي كانوا يحيطون أنفسهم بها، وأصبحت صورة الملك الأوربي صورة واقعية وإنسانية، وهذا التحول كان له تأثير ايجابي، ومهد لما سيحدث لاحقا من ثورات. فإذن ربما يقع مثل ذلك في المغرب.
فيروسات "الروتا" يشفى منها عادة المريض لكن الإسهال الشديد قد يسبب الوفاة
فيروسات الروتا جنس من الفيروسات التي تنتمي إلى أسرة ريوفيريداي. وقد حدد منها سبع مجموعات رئيسية، ثلاث منها (المجموعات أ، ب، جـ) تُعدي البشر، تعتبر المجموعة (أ) المجموعة الأكثر شيوعا وانتشارا. تسبب الفيروسات التقيؤ والإسهال وتعد أهم سبب لحالات الإسهال الحادة لدى الأطفال، حيث تقتل حوالي 600 ألف طفل سنويا في البلدان النامية. عندما يقوم الفيروس بإصابة الخلية، تبتلع بواسطة الخلية عن طريق الالتقام (endocytosis) في فجوة، وعندما تصيب الخلية تعرف عندها باسم الدخلول (endosome).
فيروسات الروتا تسبب التهابا مَعِديا معويا حادًا. وتطلق على هذا المرض عدة أسماء منها: "الإسهال الطفولي" و"إسهال الشتاء" و" أنفلونزا المعدة" و"الالتهاب المَعِدي المعوي غير البكتيري المُعدي الحاد" و"الالتهاب المعدي المعوي الفيروسي الحاد". الالتهاب المعدي المعوي الناتج عن الإصابة بفيروسات الروتا مرض يتفاوت في خطورته من الاعتدال إلى الشدة، ويتميز بالتقيؤ والإسهال المائي وحمى منخفضة.
تتراوح فترة حضانة الفيروس من يوم إلى ثلاثة أيام ومن ثم تبدأ الأعراض غالبا بالتقيؤ يتبع بـ 4 إلى 8 أيام من الإسهال. وقد تظهر الحساسية المفرطة تجاه اللاكتوز مؤقتا. الشفاء عادة يكتمل، لكن الإسهال الشديد بدون تعويض للسوائل والإلكتروليتات المفقودة قد يسبب الوفاة.
في عام 2006 ظهر لقاحان ضد فيروس الروتا آمنين وفعالين للأطفال، وكلا اللقاحين يأخذان عن طريق الفم ويحتويان فيروسات حيّة معطلة وهما: 1- Rotarix بواسطة GlaxoSmithKline RotaTeq-2 بواسطة Merck.. في عام 2006 من فبراير وافقت الإدارة الأمريكية للطعام والدواء(U.S. Food and Drug Administration) على استعمال RotaTeq في الولايات المتحدة الأمريكية.كما أعلن المكتشف لهذا اللقاح عن سعر الثلاث جرعات المطلوبة بقيمة 187.50 دولار. وهذا أغلى بكثير من تطعيمات الأطفال الأخرى، ولكن Merck باع اللقاح في البلاد النامية بسعر أقل بكثير مما صرح به، وهو يعمل مع عدد من الشركاء في مشروع لقاح فيروس الروتا (Rotavirus Vaccine Project) لتطوير وإنجاز آلية لتوفير اللقاح في الدول النامية. في وقت سابق تمت إزالة لقاح Rotashield الذي اكتشفه Wyeth-Ayerst من السوق وذلك في أواخر 1990 بعد أن تم اكتشافه في حالة إصابات نادرة قرنت بمضاعفات حادة أطلق عليها مسمى الانغماد المعوي. كانت حالات الانغماد المعوي نادرة جدا، وبالرغم من ذلك فقد ساعد انتشار لقاح Rotashield على إنقاذ حياة الملايين من الناس، لكن استعمال هذا اللقاح اعتبر غير آمن في الولايات المتحدة ولم يُقبل به.
عن أسبوعية المشعل
التعليقات (0)