حقيقة العلمانية
خرجت العلمانية من رحم الثورة الفرنسية سنة 1789 بعد فترة زمنية عرفت خلالها اوروبا تسلطا كنسيا و ملكيات اقطاعية لتعلن بعدها عن بزوغ عصر الانوار الدي عمل على القطيعة مع العصور الوسطى المظلمة التي عانت من ويلاتها الشعوب الاوروبية بفعل نظرية الحق الالهي في الحكم و نظرية التفويض الالهي .
جائت العلمانية لتفصل بين المسيحية و الدولة الاوروبية اي بين الكنيسة التي كانت تحكم من وراء ستار و الدولة جاعلة الكنيسة بعيدة عن الامور السياسية الدنيوية اي لها اختصاص روحي ومن تم بدات الدعوة الى تطبيق النظرية العلمانية فهي كما يقول احد العلمانيين اسمه موريس باربيير : إن هذا المفهوم يرمز إلى القطيعة بين الدين والدولة.
وكما يقول كلود موس : " ترتبط فكرة العلمانية بالتصورات الديمقراطية والجمهورية، وهذه الفكرة تتسم بطابع الحداثة وقد وظفت تاريخيا في مواجهة الإكليروس ورجال الدين في العصور الحديثة ". وفي هذا السياق عملت الثورة الفرنسية على إسقاط سلطة الكنيسة وأعلنت نهاية الإمبراطورية الكنيسية في أوربا برمتها
.ان المتتبع لتاريخ العلمانية يجد ان الفكرة ولدت في تربة اوروبية كانت قد عانت من الديانة المسيحية وبالتالي قبلت الشعوب الاوروبية بهدا الطرح العلماني كاحد العوامل التي قد تساعدها على التطور و الرقي وفعلا كان لها ما ارادت فلقد تطورت اوروبا العلمانية بعد اعمال العقل والتحرر من السلطة الدينية المسيحية المحرفة اصلا
.لكن هدا المفهوم لم يبقى حبيس الجغرافيا الاوروبية و الغربية بصفة عامة فلقد عملت اوروبا نتيجة احتكاكها بالعالم العربي والاسلامي ونتيجة الاستعمار و الغزو الفكري والثقافي و الايديولوجي لهدا الوطن العربي و الاسلامي عملت على ادخال المفهوم العلماني الى الجغرافيا العربية وقامت بتجنيد مثقفين عرب لخدمة مصالحها العلمانية قصد تحويل العالم العربي الى دول علمانية
.ان الفكرة العلمانية في الوطن العربي واجهت معارضة مثلما واجهت اقبالا من طرف البعض فهناك من هاجم العلمانية بدعوى الالحاد وهناك من رحب بها بدعوى الفكرة المنقدة من التخلف و الجهل الدي يعيش فيه المجتمع العربي والاسلامي وكانت لكل طرف حججه و مواقفه المؤيدة او الرافضة
.لكن الملاحضات التي سنوردها في هدا المقال ستبين مدى زيف الاكدوبة العلمانية :
اولا:الاسلام دين العقل و التفكير والتفكر ولهدا فالاسلام لا يحجب العملية العقلية و لا يلغي العقل بل يحض على اعمال العقل في كل مناحي الحياة سواء الحياة العامة او الحياة الخاصة
.ثانيا :الاسلام دين العلم لانه يحض على طلب العلم و المعرفة اينما وجدت ومتى توفرت لها السبل والقران الكريم فيه الادلة على ما توصل اليه العلم الحديث في شتى فروع المعرفة
.ثالثا:التاريخ الاسلامي لم يعرف حكم ديني او ما يسمى حكم ثيوقراطي اي لم يعرف حكم رجال الدين
.رابعا:الاسلام لم يعرف ما يسمى في الادبيات الغربية رجال الدين .
خامسا:الدولة ضرورية للدين الاسلامي والاسلام ضروري للدولة .
سادسا:الاسلام يحتوي على مصادر التشريع الاساسية وهي القران الكريم و السنة النبوية اي هدا يعني عند الغاء الاسلام الغاء مصادر التشريع الاسلامي التي اتبت العلم الغربي على يد علماء غربيين درسوا الاسلام بموضوعيةمدى صدقيتها وجدارتها في الفكر القانوني العالمي .
سابعا:الامة هي مصدر السلطة و الحكم في الاسلام وهدا يعني ان السلطة للشعب وان الحاكم يحكم من منطلق عقد البيعة وثوابت الشورى فالاسلام له نظامه السياسي الخاص به لدا لامجال لاقحام انظمة غربية وغريبة عن التربة الاسلامية وعن المجتمع الاسلامي في عملية السلطة و الحكم فالدولة في الاسلام دولة مدنية اي لاتستند الى حق الهي او تفويض الهي
.ثامنا:الاسلام دين الهدف منه تنظيم الحياة في المجتمع و تاطير العلاقات الانسانية و الاجتماعية فهو حاضر في كل مظاهر الحياة ولا يقتصر دوره في المساجد او التعبد فقط بالقران ولكن الاسلام دين له نظرة شمولية للانسان و الكون والحياة واخراج الدين الاسلامي من الحياة السياسية يعني اعدام وجوده وهدا مرفوض اسلاميا
.تاسعا:السياق التاريخي الدي برزت من خلاله النظرية العلمانية يختلف جذريا عن السياق العربي والاسلامي وعن التربة العربية الاسلامية التي لن تقبل بفكرة ابعاد الاسلام عن اللعبة السياسية بل السياسة في الاسلام لها ضوابط اخلاقية متبثة في المرجعية الاسلامية وبعيدة عن الرؤية المكيافيلية للسياسة التي تجعل الاخلاق بعيدة عن السياسة والخلاصة ان السياسة والاخلاق فكرتين متلازمتين في الفكر السياسي الاسلامي
.خلاصة القول في هدا المقال الموجز هو ان العصور الوسطى الاوروبية بما تعنيه من انحطاط وتخلف تقابلها في التاريخ الاسلامي عصور التقدم و النهضة الاسلاميين عندما كان المسلمون يطبقون الاسلام وياخدون باسباب التقدم اما اليوم فالمسلمون بعيدون كل البعد عن المنهج الاسلامي وربما هدا هو احد العوامل الاساسية في تخلفهم وانحطاطهم وليس الاسلام هو سبب التخلف لانه عندما كان المجتمع الاسلامي متشبت بتعاليم دينه كان عالما متقدما وعرف انتاجا غزيرا من حيث العلم و المعرفة ادن هاته الحقيقة كافية للرد على دعاة العلمانية العرب
.ادا كان العلمانيون العرب يدعون الى فصل الدين الاسلامي عن الدولة فهم ربما لا يعرفون ان دولة اسرائيل تصرف ملايير الدولارات لترسيخ الديانة اليهودية في الكيان الصهيوني ادن لمادا لا يقال ان اسرائيل دولة ثيوقراطية او دولة دينية اليس حري باشباه المثقفين العرب العلمانيين ان يوجهوا دعواتهم العلمانية الى اسرائييل بدل التشويش على فكر و عقيدة الانسان العربي و المسلم !
في النهاية لابد من التذكير بان المجتمع الاوروبي يعيش اليوم فراغ روحي كبير وان نسب الانتحار في المجتمع الغربي في ارتفاع وهدا ناتج عن البعد الروحي الدي يحيى فيه الغرب نتيجة العلمانية .
التعليقات (0)