إن المواطن المغربي يدخل القرن الواحد و العشرين و الألفية الثالثة برصيد حقوقي فارغ إلا من التراجعات المسجلة أخيرا لأسباب لا يمكن تبريرها مهما كانت الدوافع التي تجعل الدولة تتراجع عن المكتسبات الهزيلة أصلا و التي ظلت حبرا على ورق مدة ليست باليسيرة و لان المغرب و لغايات ليست في نفس يعقوب قرر الإجهاز على حقوق المواطنين فان مغرب الانتقال إلى الديمقراطية لم يقطع بعد مع سلوكات العهد القديم و لم ينتقل إلى مصاف الدول التي تحترم حقوق الإنسان و المواطن بعد.
فالمواطن المغربي(تكتل حاملي الشهادات المعطلين) يحس بالقهر و الحرمان من ابسط حقوقه التي تنتهك باستمرار و في كل المجالات مما يجعل الحديث عن التزام المغرب باحترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا أمرا بعيدا عن تحقيقه في ارض الواقع المفارق للخطاب الرسمي الذي لا يتوانى عن التأكيد على أن البلاد قطعت أشواطا مهمة في هذا المجال لكن هذا الخطاب لا يصمد أمام الوقائع التي تعرفها الساحة السياسية في المغرب فمن يتتبع مجريات الأمور في البلاد يتأكد أن حقوق الإنسان المغربي في مهب الريح حتى إشعار آخر.
إن وضعية حقوق الإنسان بالمغرب ليست مريحة و يظهر ذلك جليا في ما يتعرض له المعطلين من عنف غير مشروع أمام البرلمان و الناتج أصلا عن حرمانهم من حقهم العادل في الحصول على الشغل إضافة إلى حرمانهم من حقوق أخرى إنها انتهاكات مركبة لحقوق هؤلاء.
إضافة إلى ذلك هناك انتهاكات أخرى بالجملة منها ما يتعلق بالتدخل العنيف في حق طلبة الجامعات المغربية من قبل قوات التدخل السريع و انتهاك حرمات الجامعة قبل انتهاك حق الطلبة المتمثل في ضرورة إعادة النظر في ميثاق التربية و التكوين إنها انتهاكات مزدوجة.
علاوة على حرمان بعض أطفال المغرب المنسي من حقهم في الحياة و تحضرنا هنا واقعة انفكوا التي تعبر بحق أو بدون حق عن وضعية حقوق الإنسان القروي.
و هذه الوضعية الحقوقية لها علائقة مع الوضعية الاقتصادية المزرية و الاجتماعية المتردية و السياسية المتأزمة التي تمر منها البلاد في الآونة الأخيرة و مادام الأمر كذلك فان الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية حاليا بالمغرب لا تساهم في تمتيع الجميع بالحقوق لان الأقلية هي التي تستفيد من الثروات و تبقى أغلبية المجتمع المغربي دون الضروريات و لا مجال للتفكير في الكماليات. (سياسة حد الكفاف)
و هذا الوضع لا يسمح بتكريس احترام حقوق الإنسان و المواطن، لاسيما الحقوق الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية، حتى و لو حضرت الإرادة السياسية للدولة وحسن نيتها .
لكن هذا لا يعني أنه لم يتحقق أي شيء في المجال الحقوقي بمغرب اليوم فلا يمكن التغاضي عن بعض الانجازات في هذا المجال كعمل هيئة الإنصاف و المصالحة و التي نجحت إلى حد ما في مصالحة المغاربة مع تاريخهم لكنها لم تعالج جميع الملفات نظرا للعوائق المتعلقة بمدة عملها و اختصاصاتها و التي جاء القانون التأسيسي لوضعها لغايات معروفة سلفا ينضاف إلى ذلك أن المغاربة في حاجة إلى هيئة تتجاوز الإنصاف و المصالحة إلى محاكمة الجلادين و كشف هوايتهم إذا أراد المغرب المعاصر أن يطوي صفحة الماضي بشكل نهائي أما إذا بقيت المسألة كما هي الآن فان ملف الانتهاكات الجسيمة لن يطوى على اعتبار أن الدولة المغربية لم تحسم بعد في طبيعة التعامل مع عديد القضايا المطروحة على الساحة السياسية
و بخصوص الحركة الحقوقية بالمغرب فإنها تعيش وضعية لا تحسد عليها و يكفي لتوضيح ذلك الإشارة إلى ما تعرض له أعضاء الجمعية المغربية لحقوق الإنسان من تنكيل و ضرب أمام المؤسسة التشريعية في الأيام الأخيرة مما يجعلنا نقر من باب الموضوعية أن مغرب العهد الجديد لازالت الطريق أمامه طويلة للوصول إلى الديمقراطية و الرحلة بكل تأكيد ستكون متعبة و مريرة
و يلاحظ أن العالم القروي لازال مغيبا في المجال الحقوقي بالمغرب، و الغريب في الأمر أن القرية المغربية أنتجت حقوقيين و مناضلين كبار لكن الهامش رغم ذلك ظل مهمشا على المستوى الحقوقي
ويتبين أن هناك معوقات مازالت قائمة في وجه تكريس حقوق الإنسان بالمغرب منها ما هو سياسي يتعلق بالأساس بإرادة الدولة السياسية و منها ما هو معياري يتعلق بالترسانة القانونية الحالية و المليئة بالقواعد القانونية المغشوشة و الفاسدة و التي لا تساهم إلا في تنظيم التناقضات الاجتماعية كالتفاوت الحاصل بين الفقراء و الأغنياء على مستوى الاستفادة من ثروات البلاد و التي تذهب في قسط كبير منها إن لم نقل كلها إلى الفئات الميسورة التي تزداد غنا بفعل قربها و تواجدها في أعلى مستويات اتخاذ القرار.
واعتبارا للوضع الحقوقي و الاجتماعي و الاقتصادي الحالي فان مستقبل البلاد و هل يسير في اتجاه التقدم أو التقهقر متعلق في جانب كبير منه بإعادة النظر في اللعبة السياسية الحالية و الأخذ في عين الاعتبار عديد القضايا المفصلية و العميقة و طرحها للنقاش و استحضار مختلف المعنيين بالأمر
وإذا كان لنا من كلمة أخيرة فانه لا يسعنا إلا أن نقول بان الخطاب السياسي في المغرب لا يمت بصلة للفعل السياسي و أن الحقوق رهينة بما تفعله الدولة و ليس ما تقوله.
التعليقات (0)