حقوق المرأة.. ماذا تعني؟!
خليل الفزيع
تتصدى بعض الجهات أو الأفراد للدفاع عن حقوق المرأة، وكأن هذه الحقوق بالمطلق ناقصة أو غير موجودة، وهذا الدفاع يصل حد المبالغة، فالحالات التي قد تتعرض فيها المرأة لشيء من المهانة باختيارها، أكثر من تلك التي تتعرض لها رغما عنها، وخير دليل على ذلك الانسياق وراء المواقف والتصرفات التي تخرج المرأة عن طبيعتها الأنثوية لتنافس الرجل في خشونته، أو تلك التي تسقطها في بؤر الانحراف والمهانة، وكلها تصرفات لا دخل للرجل فيها، وإن كان شريكا في بعضها، وهي شراكة اختيارية ليس من العدل أن يتحمل الرجل وحده عبء مسؤولياتها، لأن المرأة مشارك فعال فيها.
هناك حالات تتعرض فيها المرأة لهضم حقوقها، سواء من الرجل أو من المجتمع، وهي حالات قد يتعرض لها الرجل أيضا دون أن يرفع عقيرته بالشكوى كما تفعل المرأة، مع أن المرأة قد تكون طرفا في بعض هذه الحالات، وقد سمعنا وقرأنا حالات كثيرة تعرض فيها الرجل للاعتداء من قبل المرأة وهو اعتداء قد يصل إلى القتل، ومثل هذه الحالات تحدث أيضا للمرأة على يد الرجل، وفي الحالتين لا يمكن القول بالمطلق إن المرأة أو الرجل يعيشان على طرفي نقيض من العدالة والمساواة، وكلاهما يعيش نفس الظروف، ويتعرض لنفس الإحباطات، ويتحمل نفس المعاناة من الأوضاع السائدة في المجتمع، من تقاليد وعادات وأنظمة وقوانين بعضها لا يعرف العدالة الاجتماعية، ولا يحرص على تكافؤ الفرص، ولا يقيم وزنا إلا للمحسوبية وما يدور في فلكها من ممارسات تنصف فئة على حساب فئات أخرى، وهي حالات يتحمل الرجل غالبا أعباءها، في الوقت الذي تنعم فيه المرأة بحياة منزلية بعيدة عن ذلك كله، فهي في مملكتها الأسرية تأمر فتطاع، وعلى الرجل أن يوفر لها كل الأسباب للحياة الكريمة، شرعا وعرفا، ولا دخل لها في ما قد يتعرض له في سبيل ذلك من ألوان المعاناة، وأشكال المجابهة مع قوى ليس له طاقة على احتمال أعمالها، وما تتركه هذه الأعمال من تبعات.
اللواتي يدافعن عن حقوق المرأة ويرفعن شعار تحريرها من كل القيود، هن أكثر النساء تمتعا بالحرية، فهن يدافعن عن واقع افتراضي، أي عن وهم لا يوجد بنفس الصورة التي تظهر في طروحاتهن، والغريب أن المطالبات بالمساواة هن الأكثر حساسية إذا تعرضن لمواقف الإحباط التي يتعرض لها الرجل، وكان الأولى ومن باب المساواة التسليم بهذه المواقف دون حساسية تذكر، فليس من حق جنس أن يحقق مكاسبه على حساب جنس آخر مادمنا ننادي بالمساواة، وهي مساواة تحمل للمرأة في طياتها من الشر أكثر مما تحمل من الخير، مع ملاحظة الاعتراف بأن من يطالبن بحرية المرأة يتمتعن بهذه الحرية لدرجة المطالبة بها وبإصرار، بمعنى أن أجواء الحرية المتوافرة لهن هي التي أتاحت لهن المطالبة بها وبأصوات مرتفعة، دون التعرض لأي قمع أو اعتراض من أحد، وهذا ما لا يتوافر لغيرهن في مجتمعات أخرى، ولا أعتقد بأن هناك من يطالب بالحرية المطلقة لها أو حتى لأخيها الرجل، لأن الحرية المطلقة تعني الفوضى ولا شيء آخر.
أحد الظرفاء طالب بالدفاع عن حقوق الرجل التي تنتهك على أيدي بعض النساء (النكديات) اللواتي يتوهمن أن الرجل هو عدوهن اللدود، مع أنهن أكثر عداوة لأنفسهم من الرجل بمثل هذا الموقف الاستفزازي الذي يقلب حياتهن وحياة الرجل إلى جحيم، وما أكثر النساء اللواتي لا يعجبهن العجب، فينظرن إلى الأمور من منظار أسود، ينسف ما في الحياة من سعادة زوجية قائمة على التفاهم والتكاتف والرغبة الصادقة في بناء العلاقة الصحية الصحيحة بين الرجل والمرأة.
وفي المجتمعات الغربية التي تزعم أنها حققت مكاسب للمرأة، ومنحتها الحرية في مجالات عديدة، نرى المرأة هناك تدفع الثمن غاليا، فهي تعاني من المشكلات الاجتماعية والنفسية ما لا يتفق من طبيعتها، وهي تتحمل أعباء مواجهة الحياة بكل تناقضاتها دون أن يكون الرجل عونا لها في حالات كثيرة، ومن أجل استقلال الذات، تفقد ذاتها لتذوب هويتها وتطمس شخصيتها وربما فقدت أنوثتها التي هي سر سعادتها في الحياة، وعلينا أن نعترف أن حقوق المرأة التي حددها الشارع شيء، وحرية المرأة شيء آخر، فالحقوق تتبعها واجبات، لكن الحرية غير المنضبطة تلغي هذه الواجبات.
الحياة قائمة على معادلة دقيقة وعادلة قوامها الرجل والمرأة وعلى كل منهما أن يقوم بدوره في الإطار الذي حددته الطبيعة وقننته الأعراف والتقاليد وفق قيم دينية مستقيمة وغير منحرفة.
التعليقات (0)