حقوق المرأة بين المجتمع والفقيه
المرأة السعودية تعيش حالة مرضية عجز الزمن عن علاجها أو التقليل من آثارها المدمرة , حقوق تلك المرأة المتعددة والمتناثرة واقعه بين مطرقة العادات والتقاليد الإجتماعية وبين سندان الفقيه المتمترس خلف قاعدة سد الذرائع ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح , حقوق المرأة الوظيفية وحقوقها الأخرى ليست مصانة بقوانين واضحة أو بلوائح ضابطة مانعه للإجتهاد أو الإنتقاص بل خاضعة لقانون الغاب والرضى الشخصي وقواعد فقهية كان أولى من الفقيه المفوه عدم إيرادها بسياق بات يختلف عن سياقات العصور الماضية فكان من الأولى البدء بالمراجعات قبل إطلاق أي رأي حول جملة القضايا الشائكة !
المجتمع السعودي مجتمع مركب يعيش بقالب عاطفي يستقي كل شيء من الشخص المتدين الذي هو في النهاية بشر مجتهد يخطيء ويٌصيب رأيه ليس بمقدس أو قاطعٌ الشك باليقين , ليس كل شخص متدين يٌرضي المجتمع السعودي فالمجتمع السعودي العاطفي مثله مثل بقية المجتمعات العربية يميل للمتدين الذي يدغدغ العواطف ويعزف على أوتار الغيره والحمية والنصرة والنفرة والنفير وأشياء أخرى ويميل للمتدين الذي يٌجيد فن الإقناع ويجيد فن البلاغة والفصاحة بشكل كبير هذه هي طبيعة المجتمع السعودي الذي أنخدع في فترات سابقة وما زال يتعرض للخداع في زمن المتغيرات العصرية والتكنلوجية فالمجتمع السعودي يٌلدغ من نفس الجحور مرات ومرات .
بعض الأراء الصادرة من فقهاء ومشائخ باتت مقدسة لدرجة كبيرة فالمجتمع لا يستدل ولا يرى الإ تلك الأراء فقط على الرغم من وجود أراء متعددة متنوعة من خارج المؤسسة الرسمية لهيئة كبار العلماء ومن حام حول حماها ممن يرى في مدرسة محمد بن عبدالوهاب المدرسة المثالية الغير قابلة للمراجعة الفقيهة والتاريخية , المجتمع لا يدرك حقيقة بالغة الأهمية وهي أن الفتوى عبارة رأي فقهي غير مقدس قابل للنقد والتعريض طالما بٌني على إجتهاد , لكن المجتمع لا يدرك تلك الحقيقة وتلك مشكلة مزمنة تٌضاف لجملة مشكلات يعاني منها المجتمع , القضايا الكبرى الهامه والحساسة تختلف عن القضايا الصغرى فالقضايا الكبرى هي قضايا لا مجال للإجتهاد الفردي أو الجماعي فيها فهي خاضعة لجملة من القواعد والأصول والشروط كقضايا الجهاد والحدود الخ أما القضايا الصغرى كقضية الإختلاط وكشف الوجه وعمل المرأة وقيادتها للسيارة الخ قضايا طابعها إجتماعي بالدرجة الأولى لكن الفقيه دخل على الخط في محاولة لإضفاء صفة شرعية على تلك العادات والتقاليد وكان دخوله من باب البحث عن الكمال وتحقيق المدينة الفاضلة التي لم توجد الإ بمخيلة أفلاطون وكان من باب إرضاء أطراف فكرية وتطبيق مشروع فكري معين على أرض الواقع .
صحيح أن هناك أولويات أهم من قيادة المرأة للسيارة , لكن ذلك الملف " ملف قيادة المرأة للسيارة وغيره من الملفات الحقوقية للمرأة ولغير المرأة ليست بحاجة لفقيه يمنع ويٌحرم وليست بحاجة لقيود من عادات وتقاليد تمنعها وتؤخر تحقيقها على أرض الواقع بل بحاجة لجهود حقوقية ومراجعات فقهية وفكرية وبحاجة لحزمة من الإجراءات لمنع التجاوزات وقطع طريق الممانعين والمرجفين ممن يجيد فن الصراخ وسوق التبريرات وتغليف الحقائق ..
ملف الحقوق ملف التجاذبات والصراعات فالحقوق يتم تغييبها او إخزالها تحت ذريعة العادات والتقاليد أو تحت ذريعة رأي فقهي يقابلة أراء فقهية تخالفه أو تحت ذريعة عدم الجهوزية أو تحت ذريعة التشبه بالكفار .
ملف حقوق المرأة كملف حقوق الرجل لكنه أشد حساسية وتعقيداً فحقوق المرأة تختلف عن حقوق الرجل وبينهما رابط مشترك في بعض الحقوق كحق المشاركة الشعبية وحق الإنتخاب والترشح والإنخراط في العمل التطوعي والإجتماعي الخ لكن بعض الروابط تقطعها بعض الفتاوى والأراء التي باتت تفصل الحق على المقياس النوعي والإجتماعي ..
هناك صف معارض يدعمه صف إجتماعي معارض لكل خطوة تقدم نحو الأمام وهناك صف يحاول التقدم لكن يعيقه الكثير من الأراء والفتاوى التي لا يمكن حصرها فليست حقوق المرأة هي المقيدة بفتاوى بل حتى بعض الممارسات كممارسة حق الإنتخاب فهناك من يرى أنه حق ليعبر من خلاله إلى المركز ومن ثم يحرمه ويمنعه لأنه تشبه بالكفار وهنا تكمن الكارثة قلب الحقائق وأدلجتها وتسخيرها لمصالح فئوية بحته وليست لمصلحة مجتمع بأكمله .
"دراسة حديثة نشرتها مجلة (المجلة) اللندنية في عددها 1581 لشهر مارس 2013، للباحث السعودي عبدالله الرشيد "
المجتمعات المدنية تسيرها القوانين الواضحة وليست الأراء المعرضة للصواب والخطأ ونحن كمجتمع نحتاج لجملة مراجعات فقهية وبحثية ولجملة من القوانين الواضحة التي تصون وتحمي الحقوق وتشرعنها وتبعد عنها بعض الأراء التي هي في الأصل إجتهادات فردية يقابلها إجتهادات أخرى فلماذا التوقف والعمل بإجتهاد وإهمال إجتهاد لا يقل أهمية عن الأول , فالمجتمعات المدنية لا تسير وفق منهجية مدرسية واحدة بل تأخذ كل الأراء وتجعلها كالقناديل تٌضيء لها طريق المسير والتحديث والتطوير !
المراجعات الفقهية والفكرية حلقة مفقودة وبسبب غيابها تقدست أراء وتعمقت مشكلات وبرزت إلى السطح مشكلات أشد عمقاً وكارثة , نحن بحاجة لمراجعات فقيهة وفكرية تشجع التعددية الفكرية والفقيهة والمذهبية وتشجع البحث والتنقيب وتترك للمجتمع حرية السير وفق مايراه في تعاملاته وسلوكياته طالما بقيت محكومه بضوابط الشريعة الإسلامية السمحة التي لا جدال ولا نقاش حولها وحول أحكامها القطعية , ملف حقوق المرأة كملف خاص بفئة وملف الحقوق الشاملة بوجه عام ملف شائك دخل عليه جملة من التعقيدات كالعادات والتقاليد والأراء والإجتهادات الفقهية وهنا تبرز إشكالية الأجيال القادمة التي ستحمل تلك الملفات طالما الأوائل لم يبذلوا جهداً في حلها وفك رموز التعقيدات المحيطة بها .....
التعليقات (0)