فضاء الكلمة:
خليل إبراهيم الفزيع
حقوق الإنسان.. بين الطرح المثالي والواقع
في مناسبات كثيرة يتكرر الحديث عن حقوق الإنسان، خاصة وقد ازداد عدد الأيام والأسابيع العالمية التي تحتفي بجانب من حقوق الإنسان وهي كثيرة تشمل في الشهر الواحد أكثر من مناسبة وعلي مدار العام. وهذه ظاهرة صحية تشير إلي أن البشرية تسعي لتصحيح مسارها في اتجاهات كثيرة تتعلق بالعديد من الأمور الحياتية ذات الصلة بحقوق الإنسان، ولسنا بحاجة لتعداد تلك الأيام والأسابيع العالمية، وما تفرع عنها من أيام وأسابيع إقليمية في مناطق كثيرة من العالم.
لكن من المؤسف أن توقيع بعض الدول علي الاتفاقيات الخاصة بتلك المناسبات لا يعني دائما التقيد بها، حتى وإن تحفظت بعض الدول علي بعض بنود تلك الاتفاقيات، فإن موقفها من بقية تلك البنود لا يعني بالضرورة الالتزام بها، وهذا لا يعني الجهل بتلك البنود، فهي وما يتبعها من ملاحق أو مذكرات تفسيرية لا يمكن أن تقود إلي الجهل بها لوضوحها التام وشفافيتها في معالجة الأمور ذات العلاقة بها، لكن المشكلة تكمن في التجاهل لكل ما تعنيه تلك البنود وهو تجاهل يقود إلي سوء التطبيق من قبل الجهات التنفيذية في الأمور ذات العلاقة بحقوق الإنسان.
بعض الدول لا تكتفي بالتحفظ علي بعض بنود تلك الاتفاقيات، ولكنها تلجأ إلي تجاهل تلك البنود التي وافقت عليها، وكأن هذه الموافقة ليست سوي شكلية لا تعني الالتزام التام بها، فإذا كان من حق أي دولة أن تتحفظ علي بعض بنود تلك الاتفاقيات، لأسباب دينية أو سياسية، فإنه ليس من حقها أن تتجاهل البنود التي وافقت عليها، لأن هذا يعني ببساطة أن تعود البشرية إلي سيرتها الأولي من الفوضي المتمثلة في سيطرة القوي علي الضعيف، وشن الحروب، وفرض النفوذ الإقليمي، واستبداد بعض الحكومات، وحرمان بعض الشعوب من ثرواتها الطبيعية، والاعتداء علي حرية الإنسان وحقه في الحياة الحرة الكريمة، وارتكاب المزيد من التجاوزات ضد القيم والمبادئ السائدة في كل المجتمعات.
وكل هذه السلبيات عالجتها الاتفاقيات الدولية سواء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أو في ما تبعه من اتفاقيات تدعم ذلك الإعلان، وتسعي لإنقاذ البشرية من ويلاتها، وما تتعرض له من انتهاكات ترتكب من الدول الكبرى التي يفترض أن تكون أكثر حرصا من غيرها علي تطبيق مبادئ حقوق الإنسان، وكيف يتسنى لها ذلك ما دامت تقدم الدليل تلو الدليل علي انتهاك حقوق الإنسان في أكثر من موقع، وتذيق الإنسان نار جهنم في دنياه قبل أن يذوقها في آخرته، وتتمادي في اعتداءاتها حتى علي الطبيعة لتضيف أخطارا جديدة تهدد الحياة، وتحيط بالإنسان إحاطة السوار يالمعصم، وهي دول مطمئنة إلي أن يد العدالة لن تطالها، بعد أن نتفت ريش العدالة ورفعت شعاراتها دون أن تطبقها،
وما بين الطرح المثالي لحقوق الإنسان والواقع الذي يعيشه هذا الإنسان تظل الهوة سحيقة، ما لم تلتزم كل الدول بالاتفاقيات الدولية، وتطبق بنودها دون مماطلة أو تجاهل، وبذلك تحقق البشرية أحلامها في الحياة الحرة الكريمة لكل الأمم والشعوب دون استثناء، وهو حلم جميل يمكن أن يتحقق إذا تخلت الدول الكبرى عن جبروتها وغطرستها ووقوفها إلي جانب الظالم، بدل المظلوم.
التعليقات (0)