مواضيع اليوم

حقوق الإنسان العربي. إلحاق تضامني

د.هايل نصر

2010-05-27 05:52:14

0

 من الأسباب التي يسوقها المعادون لحقوق الإنسان في عالمنا العربي إن الغرب, في حديثه عن حقوق الإنسان, وفي الخلفيات الفكرية التي ينطلق منها, لا يعني إلا الإنسان الغربي دون غيره. وبان مفهوم حقوق الإنسان أساسا هو من ابتكارات هذا الغرب. وان هذه الحقوق ــ التي أصبحت مرجعا ملزما في العلاقات الدولية وعليها, ولو ظاهريا, شبه إجماع ــ ليست إلا لترتيب نوع من الاستعمار الجديد, من تدخل في شؤون الآخرين, ومساس بخصوصيات المجتمعات غير الغربية.

صحيح إن الممارسات السياسية تتبع المصالح دون اعتبار لأية قيم, بما فيها حقوق الإنسان. صحيح إن السكوت, الذي يصل إلى حد التواطؤ, على قمع حقوق الإنسان في فلسطين والأراضي المحتلة والاعتداء على حقه في الحياة وفي العيش في وطنه وطرده منه, وهي حالة فريدة في العالم, وحقه في كرامته وإنسانيته’ وتأبيد أسره وسجنه’ ووحشية طرق تعذيبه, جرائم إن لم تكن ضد الإنسانية فأي وصف يمكن أن توصف به ؟.

صحيح إن الجرائم التي ارتكبت من قبل أمريكا في فيتنام وأنحاء كثيرة من العالم. ومن قبل وفرنسا في مستعمراتها السابقة وخاصة الجزائر. وبريطانيا في مستعمراتها التي لم تكن تغرب الشمس عنها, والجرائم التي ارتكبت وترتكب في العراق التي كشف عن بعضها في سجن أبو غريب, وما خفي منها اكبر وأبشع, ( لا نذكر إلا من يدعون حماية حقوق الإنسان. أما محترفو القتل والتعذيب بسبب أو بغير سبب والمفاخرة بذلك, والذين لا ينتمون إلى القيم الإنسانية, ولا إلى الجنس البشري إلا في بعض الشكل, فهم خارج الإشارة في موضوع يتعلق بالإنسان وحقوقه المحترم منها أو المنتهك.). وصمة في جبين مرتكبيها لا تمحى.

صحيح إن هذه الانتهاكات والجرائم, التي لا يمكن إحصاؤها في مقالة أو سلسلة مقالات, لم يتقادم عليها الزمن ولا تسقط بتقادمه, وستبقى في الذاكرة الإنسانية حية و تنبه إلى الخطر, والى ضرورة النضال, النضال المستمر دون هوادة, في مجال حقوق الإنسان.

ولكن هل صحيح إن الأنظمة العربية الاستبدادية, وأتباعها ومنظريها, "حردانة" وتستشيط غضبا بسبب مثل تلك الانتهاكات البشعة لحقوق الإنسان؟. وهل تريد لأجل ذلك, وبسببه فقط, دفع, حتى المبادئ النظرية, بعيدا عن حدود منطقتها ونبذها وإبقائها خارجها ليبقى الإنسان سعيدا محميا برعايتها, في منطقة سعيدة محمية برعاتها؟. لا أحد يعتقد ذلك, بما فيه الأنظمة المذكورة نفسها.

وهل يستوي مع المنطق, منطقها على الأقل, أن تقوم, مع نقدها للدول الغربية و قوانينها المتعلقة بالحريات وحقوق الإنسان, بترصيع دساتيرها وقوانينها بجمل مستوردة مبتورة متعلقة بالإنسان وحقوقه, وإبقائها مع ذلك مجرد جمل لا تبلغ مستوى القاعدة القانونية العامة والملزمة, وان حاولته. كما لا تحوز قيمة القواعد الأخلاقية التوجيهية؟.

قواعد حقوق الإنسان لا يمكن إدخالها إدخالا وحشرها حشرا, في نصوص قانونية, وخاصة إذا كانت لا تتناسب مع النسق العام وتتناقض أساسا مع طبائع مقتبسيها ومدخليها.

هل يمكنها الامتناع عن حضور المؤتمرات الدولية والإقليمية المتعلقة بتلك الحقوق والتوقيع, دون تحفظ, على الإعلانات الصادرة عنها؟ . ولماذا تصر اعتى الدول انتهاكا لحقوق الانسان لدخول اللجنة الدولية لحقوق الانسان ــ بدهشة وغضب كل انسان ذي ضمير ــ مع دفع الرشاوى, وتواطؤ الدول الغربية الانتهازية لتسهيل العبور مقابل مصالحها, عبور على الآم وكرامة الانسان العربي؟. ولماذا يحرص بعضها على "تنصيب" وزراء حقوق إنسان في مجالسها الوزارية !!!؟.

أم إنها الباطنية السياسية. والتقية, والنفاق, والميكيافلية في دراجاتها السفلى,الأكثر دونية من الميكيافلية بنسختها الأصلية؟

هل جاء هؤلاء بمفاهيم بديلة عن المطروح حاليا, غربيا, لحفظ كرامة الإنسان العربي بخصوصيته التي يؤكدون عليها بمناسبة وغير مناسبة .

وهل ظهرت, باستثناء قوانين حمو رابي في بلاد الرافدين, في منطقتنا قوانين وضعية ــ لا نشير هنا للتعاليم الدينية وإرشاداتها, فمنطقتنا مهد الأديان السماوية. و لا للقواعد الأخلاقية ــ ترعى كرامة الإنسان وحقوقه, من إنتاج محلي, وتتلاءم مع الإنسان المحلي وخصوصياته العتيدة التي لا ينفك الخطاب السياسي الغوغائي عن الحديث عنها, أليست هي منطقة لم تكن يوما في أصل القوانين الوضعية المتعلقة بحقوق الإنسان ولا في فروعها؟.

الم يكن على الإنسان, كفرد فيها, منذ تلك العصور والى اليوم, الرضوخ رضوخا مطلقا لحكامه وقوانينهم التي لا تفرض إلا واجبات دون حقوق؟. وهل كانت "الثورات" والانتفاضات والانقلابات, الناجح منها والفاشل, وكل أنواع الصراع على السلطة من فعل الإنسان هذا وبمبادرته ليطالب بسلطة أو تنظيم سلطة؟. وهل غيرت شيئا من واقعه وصفته, ولمصلحته؟.

الم يُقرأ عليه من المهد إلى اللحد, بأنه وان اكتمل فسيولوجيا يبقى, وعليه أن يبقى, في طور التكوين, ككائن اجتماعي؟. وبأنه مجرد جزء غير مكتمل من كل يسمى مجتمعا. مجتمع جزئي مؤقت وناقص التكوين, يبحث عن الاكتمال وبلوغ أبعاده الممتدة من المحيط إلى الخليج, تؤطره دولة كبرى, دولة الوحدة, أو دولة أكثر اتساعا, دولة الأمة الواحدة. وان عليه, إلى أن يبلغ هذا الهدف ويحققه, أن يضحي ببعض حقوقه أو بكاملها, لا يهم, فتعويضه الطبيعي عنها سيكون النصر ببلوغ الهدف, وفي حالة عدم بلوغه فأنه سينالها كاملة غير منقوصة, بل مضاعفة بما لا يقاس, ولكن في الدار الآخرة. وهذا أكيد وثابت ومضمون له إن شاء الله .

أيمكن لهذا الإنسان, منظور إليه من هذا المنظار ــ مشروع إنسان, في مشروع مجتمع غير مكتمل.عليه طاعة أولي الأمر بكل ما يأمروا ويقرروا عنه وله. وعليه التنكر لفرديته والتضحية بها ليكون مجرد جزء في كل. وعلى الجزء والكل يتربع الحاكم المستبد ــ وبمثل هذه الثقافة, التي أصبحت مع مرور الزمن بعضا من ثقافته هو, إنتاج مفاهيم صحيحة عن الإنسان ودوره وحقوقه؟.

أليس فقط من مفاهيم الاستقلالية والندية, والكرامة, والاعتزاز بالذات ( التي لا تأتى إلا من ثقافة القيم الديمقراطية والتربية عليها, ومفاهيم المساواة, والعدالة, وسمو القانون. وبالتكّون في جمعيات المجتمع المدني المرتبطة بالأرض المتواجدة فيها والمتفاعلة معها, و بالتمثل الكامل لمفاهيم المواطنية والتصرف بموجب قيمها. و بالشعور العميق بالانتماء لوطن مغروسة في أصوله حقوقه كانسان و كمواطن) أليس من هذا وبهذا يلد الإنسان الحر السيد ؟.

الإنسان الحر السيد لا يترك لحكوماته أن تقود مصيره حسب مصالحها في غياب كامل منه, فالأمر متعلق به كانسان, يحاضره ومستقبله, ومستقبل أبنائه وأحفاده. ولا يترك لها, منسحبا, تعريف حقوق الإنسان وتحديد نطاقها وإنزالها عليه أو منعها عنه. وإنما إجبارها على النزول على مفاهيمه هو لها, فارضا عليها رقابة دائمة, إعلامية وقضائية, لمنعها من كل مراوغة أو مواربة وفساد وإفساد.

من الظلم الواقع على الفرد أو الجماعة تخلق الردود المناسبة والمنظمة والفاعلة , وان كان لا بد من مثل على ذلك, والأمثلة بهذا الصدد أكثر من أن تحصى, تكفي الإشارة إلى قضية دريفيس التي يثيرها الفرنسيون دائما لدى الحديث عن الظلم أو الخطأ القضائي. وكذلك لما ترتب عليها من نشاطات في مجال حقوق الإنسان.

دريفيس, ضابط فرنسي يهودي, اتهم بالخيانة العظمى بتعامله مع الألمان عام 1894 وأدانته محكمة فرنسية, وحكم عليه. وتم نفيه مدى الحياة. وبعد اكتشاف دلائل براءته أعيد النظر في محاكمته من جديد procès en révision من قبل محكمة ران. ولكن ليدان مرة أخرى عام 1899 الأمر الذي أحدث احتجاجات واسعة من قبل غالبية الفرنسيين. لتمتد تلك الاحتجاجات خارج فرنسا نفسها. مما أدى إلى إصدار عفو عنه من قبل رئيس الجمهورية اميل لوبيه Emile Loubet عام 1900 . وبما أن العفو لا يعني البراءة لم تُطو القضية, فقد طالب المعفى عنه إعادة النظر فيها. وتم له ذلك عام 1906 حين ألغت محكمة النقض الفرنسية حكم الإدانة. وأعيد له الاعتبار. كما أقيم له تمثال في حديقة توليري في باريس.

اثر هذه القضية وبتأثيرها وتأثير الناشطين في الدفاع عن دريفس نشأت رابطة حقوق الإنسان Ligue des droits de l’homme ووسعت نشاطها ليشمل, كما تعلن, كل إنسان مهما كان دينه أو عرقه أو لونه يقع ضحية للظلم أو للاعتداء على حقوقه.

واثر إدانة طالبين برتغاليين, لشربهما نخب الحرية, بسبعة سنوات سجن , قام المحامي البريطاني برتر بنسون Pierre Benenson بتوجيه نداء تحت عنوان " المساجين المنسيون" نشرته الصحف في 28 ماي 1961. ومنه ولدت فكرة إنشاء جمعية غير حكومية للدفاع عن حقوق الإنسان عرفت بمنظمة العفو الدولية Amnesty International . والتي يبلغ عدد أعضائها حاليا أكثر من مليون شخص.

وليس هنا مجال الحديث عن مثل هذه الجمعيات ونشاطاتها التي كانت دائما, وما تزال, مجال هجوم الأنظمة الدكتاتورية. وفي الفترة الأخيرة تُوجه لها انتقادات دول ديمقراطية مثل كندا والولايات المتحدة. و انتقادات إسرائيلية, لدى كل مطالبة باحترام حقوق الإنسان. ولا مجال كذلك لتقييم مواقفها التي تكيل أحيانا كثيرة بمكايلين.

فالجمعيات غير الحكومية في الدول الديمقراطية أكثر من أن تحصى, تقوم على التعددية الفكرية والتمثل الصحيح للقوى الحية في المجتمع, وهي ضمان للإنسان وحقوقه. وإيقاف لكل تعسف واضطهاد تحت هذا المسمى أو ذاك. ومحاربة للفساد بكل أنواعه. والحد من تجاوزات السلطة ووضعها في موقعها الحقيقي خادمة للشعب, مُنظمة بالقوانين التي لا يُعلى عليها. وهي دائما وراء إدانات حكومات دولها وفضح انتهاكاتهم لحقوق الإنسان بكل الوسائل المشروعة المتاحة لها, التي تصل من الاحتجاج والاستنكار, إلى التظاهر, والإعلام بتعدد وسائله, والقضاء, إلى الترافع أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. فبفعلها لم تترك أنظمة سياسية تتستر تحت صفات معينة للهروب من المساءلة, وحتى الإدانة, لدى انتهاكاتها لمثل هذه الحقوق:

فرنسا التي تعلن بمناسبة أو بدونها أنها "بلد حقوق الإنسان", مستفيدة بادعائها هذا, من ارث خلفته الثورة الفرنسية, في أيامها الأولى, بإعطائها إعلان حقوق الإنسان والمواطن عام 1789 بعدا عالميا, حيث لم تقصره على الإنسان الفرنسي, ولكن ليشمل الإنسان أينما كان, مهما كانت قوميته ووضعه الاجتماعي ــ ومن هنا ولدت أسطورة "وطن حقوق الإنسان" ــ والواقع انه لم تمض 4 سنوات من تبني الإعلان المذكور, حتى بدأت تعرف فرنسا نفسها فترات قاتمة من التعذيب والإعدامات وخرق الحريات الأساسية.

فلم يسلم "بلد حقوق الإنسان" هذا من الإدانات في هذا المجال, وإلى اليوم, في سياساته الداخلية, وخاصة في الخلل القضائي. ففي عام 1999 أدينت من قبل الغرفة الكبرى للمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان, وبإجماع الأصوات, في قضية تعذيب احمد سلموني أثناء وجوده في الحجز القضائي, معتبرة إنها خرقت أحكام الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان, بسبب: 1ـ العنف الذي استعملته الشرطة الفرنسية ضد شخص في الحبس الاحتياطي garde à vue . 2 ـ المدة الطويلة التي استغرقتها الإجراءات الداخلية.

فإدانة فرنسا بسبب التعذيب, وان كانت إدانة استثنائية, جعل منها الدولة الوحيدة, بعد تركيا, من الدول الموقعة على الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان التي تدان بسبب التعذيب, هذا إضافة إلى لفت نظرها من قبل المحكمة المذكورة مرات عديدة في مسالة قانون الأجانب .

هل المعادون لحقوق الإنسان ( ولا نراهم إلا عندنا, مناضلين أشداء ضدها كمفهوم ومبادئ. هناك في سائر أركان المعمورة معادون أشداء لمنتهكي تلك الحقوق, والمتاجرين باسمها, وللطرق والأساليب الخاطئة في ممارستها كما اشرنا, ولكن ليس لمفهوم تلك الحقوق ومضمونها ) يطرحون مفاهيم بديلة, وبدائل معقولة لحفظ كرامة الإنسان العربي بخصوصياته, التي يؤكدون عليها دون ملل, هل يسمحون بإقامة جمعيات مجتمع مدني ومنظمات محلية للدفاع عن حقوق, حتى حسب المفاهيم التي يرونها ــ إذا كان فيهم رؤية أصلا ــ يمكنها قطع الطريق على المنظمات العالمية التي لا يريدون حتى سماع اسمها, وإبعادها عن التدخل في شؤون مواطنيهم؟

ولكن هل ينتظر أنصار حقوق الإنسان في منطقتنا رخص السماح لإقامة جمعياتهم و من قبل أنظمة شمولية!!! ليبدأ نضالهم والكشف عن الفظائع والجرائم التي تؤدي بحياة آلاف من المواطنين, وتدخلهم السجون لينسوا فيها إلى الأبد. وليُعلنوا النضال ضد إلغاء الحريات الأساسية. أم ينتظرون تحقق الديمقراطية عن طريق الإصلاحات الموعدة التي قد تأتي وقد لا تأتي مطلقا, وان أتت عن طريق غيرهم فهل يبقى لظهورهم ونضالهم مبرر مقبول.

هل لا يساوي الظلم والاضطهاد الذي تعرفه منطقتنا ما وقع على دريفيس أو على الطالبين البرتغاليين حتى لا يتداعى البعض للاستنكار والقول كفى؟ أم أن الإنسان عندنا لا يساوي في قيمته الإنسان الغربي
الذي تهتز الحكومات إذا ما انتهكت حقا له ظلما أو خطأ. وتهتز دول في العالم الثالث إذا ما تعرضت له بالأذى, وعاملته مثل معاملتها لرعاياها, أمام مطالبات دولته به وحمايتها له؟

وهذا يشمل ويغطي الإنسان العربي الذي يحمل جنسية دولة غربية, أو المقيم فيها إقامة قانونية. وحتى المقيمين إقامة غير قانونية لهم ضمانات وحماية مقررة, قانونيا, وقضائيا. فهم ملحقون تضامنيا بحقوق الإنسان, وتحت رقابة و سمع وبصر منظمات حقوق الإنسان المساندة لهم مساندة كاملة..

فهل يُلحق حكامنا "إنسانهم " بحقوق الإنسان ولو إلحاقا؟
أم سيبقى خارج نطاق كل تغطية؟
د. هايل نصر

 






التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات