سوق الرحمة أو كما أطلق عليه مؤخراً سوق ( المواسير ) مثل أحد المحطات التجارية الهامة التي انعشت الاقتصاد المحلي بمدينة الفاشر خلال عام بعد أن كان يعاني ركوداً كبيراً برفعه مستوى دخول السماسرة والعمال وصغار التجار، وحتى العاطلين عن العمل عبر التداول النقدي بفوائد كبيرة للمتعاملين ،وتمثلت فائدة هذا التعامل في بعض الوقائع المنشورة على أحد المواقع الإلكترونية والتي تقول : أن أحد المتعاملين داخل هذا السوق جنى اموالاً ضخمة جعلت منه رجل بر واحسان ساهم في دعم العديد من الخلاوي والمساجد والشفخانات، كما ظل يساعد المحتاجين ويدعم الطلاب الفقراء ويوفر فرص عمل للعاطلين بجانب رواية اخرى تقول : أنه عندما تضاعف سعر الزيت والبطيخ في شهر رمضان المنصرم دخل احد كتاب الشيكات وساهم بتخفيض سعرهما بنسبة 30% بعد عملية شراء وبيع في آنٍ واحد.
فحسب مواطنين تحدثوا لـ (ايلاف) : أن التعامل داخل هذا السوق يتم عبر تحرير شيكات لفترة معينة تتراوح بين الشهر والشهرين واستلام اشياء عينية منهم مثل(عربات -أوراق منازل - سلع ضرورية-واي شئ آخر قابل للبيع والشراء) بعد تحديد سعره ويتم بعدها كتابة شيك متضمنا ربحا اضافيا يصل إلى 50 % من السعر المحدد ما أغرى المئات للإقدام على رهن اموالهم وممتلكاتهم وحتى منازلهم، فحققوا في بادئ الامر ارباحا كبيرة لكن سرعان ما تداعى هذا السوق وأنهار ليجد المتعاملين أنفسهم يخسرون أموالاً طائلة في عمليه وصفت بانها اكبر عملية نصب وإحتيال جماعية شهدتها المدينة .
أمس الأول تظاهر المئات من المواطنين بعد أن تبددت أحلامهم في اعقاب وعود حكومية بإسترداد اموالهم المرهونة في أيدي أصحاب الشركات المديرة للسوق بعد إرتداد الشيكات التي بحوزتهم، غير ان الحكومة تراجعت عن وعودها بفتوى من والي الولاية المنتخب محمد يوسف كبر بحرمة تلك الأموال لأنها جاءت نتاجاً لثراء حرام ومشبوه موضحاً ان ممارسة هذا النوع من التجارة ربا يمكن إسترداد رأس مالها باللجوء للقضاء .
و تم تفريق المتجمهرين من قبل السلطات المحلية بإستخدام الغاز المسيل للدموع وانتشرت تعزيزات شرطية على مداخل الطرقات .
وعلى إثر ذلك علمنا ان المتضررين والذين يزيد عددهم عن عشرين ألف متضرر منهم متضررون من جميع مدن السودان الأخرى قد شرعوا في تكوين رابطة بإسمهم ترأسها ضرار عبدالله ضرار الذي تحدث عن حكاية سوق ( المواسير ) فقال : بدأ العمل بالسوق قبل 11 شهراً تقريباً بمباركة السلطات المحلية بعد أن شاعت فتاوى في بادئ الأمر تؤكد فيها بشرعية التعامل في السوق حتى أن مسئولاً مرموقاً بالمركز قال في إحدى مخاطابته للجماهير ( العايز يغترب يمشي الفاشر ) في إشارة للكسب السريع والكبير الذي وجده البسطاء من ماسحي الأحذية وبائعات الشاي ويضيف عبدالله قائلاً : ( كانت الأمور تسير على مايرام لكن حدثت مشكلة أثناء الإنتخابات فالكثير من أصحاب المحلات التى كانت تسير السوق قاموا بسحب أموالهم مما جعل هنالك فرقاً وصل إلى مليار جنيه و800 مليون ) ويواصل ( بعد هذه الواقعة إرتدت الكثير من الشيكات التى حان أجلها فقام المتضررون بمحاولة لفتح بلاغات في النيابات تلقوا على إثرها وعوداً بالسداد لكنهم تفاجأوا بتبدد الوعود بعد فتوى الوالي بربوية التعامل ) ويشير عبدالله إلى أن شروعهم في تكوين رابطة من أجل إنتزاع حقوقهم سواء بالطرق السلمية أو القانون أو العنف وحذر من إندلاع أعمال عنف كبيرة إذا لم تتدارك السلطات بالولاية الأمر وأرجعت للمتضررين حقوقهم المادية .
الى ذلك ترددت أنباء عن اعتقال السلطات لـ 60 رجلامن منسوبى سوق المواسير بالفاشرعلى رأسهم آدم اسماعيل اسحاق وموسى صديق ومديرو مكاتبهم والمتعاملون معهم كما تم حجز ممتلكاتهم واموالهم واحالتهم لنيابة الثراء الحرام، فيما اشار والي الولاية المنتخب محمد يوسف كبر في بيان له امس الى اتخاذ مايلزم واعطاء كل ذي حق حقه وتزامن ذلك التوجه مع زيارة لوزير العدل عبد الباسط سبدرات للوقوف على حقيقة الاوضاع ووجه السلطات المختصة بالولاية بتشكيل لجنة قانونية ومباشرة كافة الاجراءات مؤكدا بانه لاكبير على القانون.
وحمل الكاتب والمحلل السياسي عبد الله آدم خاطر أجهزة الدولة مسئولية الضلوع في عمليات الاحتيال التي طالت هؤلاء المواطنين وقال خاطر ان مثل هذه العمليات لايمكن ان تتم الا عبر مجموعات محمية(نافذين في السلطة) مؤكدا بانها ما كان لها ان تحدث قبل الانتخابات وطالب بقيام محاكمات لمعاقبة المحتال الاساسي المتسبب في هذه الكارثة باعتبار ان الامر يمثل ضربة للاقتصاد الوطني وتحطيماً للقيم الاجتماعية النبيلة بين الافراد ،كما دعا خاطر الى طرح الموضوع ومناقشته على فضاء اوسع فقهي وقضائي مشيرا الى احقية المتضررين في متابعة حقوقهم رافضا تحميلهم المسئولية باعتبارهم ضحايا .
وعن رأي الدين في فتوى الوالي كبر التي اشارت الى ان الاموال التي يطالب بها المتضررون نتاج ثراء حرام ومشبوه واصفا تجارة المواسير بالربا اشار الامين العام لهيئة علماء المسلمين بروفسير محمد عثمان صالح الى اتفاقه مع فتوى الوالي بحرمة هذه المعاملات بوصفها ربا مضيفا بان المتعاملين به من الطرفين يجرم ويحرم شرعا. وقال عثمان إن الآيات الواردة بسورة البقرة اوضحت ذلك بقوله تعالى (يا أيها الذين آمنو اتقوا الله وذروا مابقي من الربا ان كنتم مؤمنين فان لم تفعلوا فاذنوا بحرب من الله ورسوله وان تبتم فلكم رؤوس اموالكم لاتظلمون ولاتظلمون ). وقال عثمان اذا كانت المعاملة قائمة على زيادة متولدة من دين وبسعر ثابت غير قابل للخسارة فهي حرام(ربا) اما اذا كانت زيادة متولدة من البيع فهي حلال حتى لو كانت بسعر أعلى .
ورغم مايتناقله الناس داخل المدينة من حديث عن شبهة سياسية في الأمر تدور حول الحزب الحاكم الذي إستطاع أن يستدرج أموال المتضررين عبر شركتين هما شركة قوز عجيبة والقحطاني لتمويل حملاته في الإنتخابات المنقضية الإ أن القانوني والناشط الحقوقي ( قاضي محكمة الإستئناف السابق ) محمد الحافظ محمود يرى في هذا التعامل أنه مجاز قانوناً بعد فتوى مجمع الفقة الإسلامي للبنك المركزي بمشروعية مثل هذه المعاملات مصرفياً معتبراً ماحدث في إرتداد شيكات المتعاملين جريمة يحاسب عليها القانون ويقول محمد الحافظ في هذا الأمر : ( ماسبق من تعامل تمت إجازته من قبل مجمع الفقة الإسلامي وبغض النظر عن طبيعة المادة التى تم التعامل فيها فإن العقد شريعة المتعاقدين وطالما أن العمل تم بالتراضي فإن العقد صحيح ) ويستدرك الحافظ قائلاً : ( لكن هنالك شئ في القانون يسمى الغبن وتعني إذا تظلم شخص معين في مبايعة معينة وبيعت له سلعة بسعر أقل من سعرها الحقيقي أو أكثر يمكن ان يلجأ في هذه الحالة إلى محكمة مدنية تعدل له صيغة التعاقد بما لايزيد عن 20 % من القيمة الحقيقية لكن العقد صحيح قانوناً ويمكن ان تتدخل المحكمة لرد التعاقد للوضع المناسب ) وعلى هذا الأساس يقول الحافظ إن البيع المؤجل بزيادة سعر المبيع إذا تم بالتراضي مقبول قانوناً وإن كان جائزاً اللجوء للمحكمة لتقليل الغبن من التعاقد، ويشير إلى ما يخص إرتداد الشيكات أنها جريمة تندرج تحت المادة 179 من القانون الجنائي لعام 1991 وهي في حالة سوق المواسير قائمة فعلاً بغض النظر إذا كان المقابل قليلاً أو مشكوكاً فيه والجريمة كما قال مكتملة الأركان بعد إرتداد الشيكات ويضيف قائلاً : تستطيع المحكمة الجنائية أن تدين صاحب الشيك لكنها تحيل الأطراف لمحكمة مدنية لتقدير القيمة الحقيقية للشيك والفصل فيها .
منقول عن صحيفة الصحافة السودانية
التعليقات (0)