حقائق و أعراف ، أم تداعيات سايكس بيكو ..؟!
لاشك أنه لا يوجد بشر ، أو " بنى آدم " واحد ، حر ، ومتجرد ، على ظهر هذه الأرض يرى تلك المذبحة المروعة التى حدثت بالغوطة الشرقية بريف دمشق بسوريا ، نتيجة إستخدام الأسد للسلاح الكيماوى ضد شعبه ــ وذلك عندما أتضح له أن ما لديه من عتاد وأسلحة روسية وإيرانية ثقيلة وخفيفة ، ولكن تقليددية ، وكذا دعم لوجستى وعسكرى غير محدود من كل من إيران وروسيا وحزب الله ، لم يسعفه كل ذلك فى الحفاظ على ما تبقى له من حطام نظامه من ناحية ، ولم توقف زحف الثوار وبيئتهم الحاضنة ، من أبناء وبنات الشعب السورى ذاته ، نحو دمشق ، والقصر الجمهورى ، أو حيث يتواجد الأسد ، من ناحية أخرى ــ والتى راح ضحيتها ألاف الأطفال الأبرياء ــ وكأن الأسد ، يتحدى الله ، وليعاذ بالله ، سبحانه وتعال ، وذلك عندما يقول الله سبحانه وتعال فى كتابه العزيز القرآن الكريم : " وإذا المؤدة سألت بأى ذنب قتلت " ، فإذا ببشار يزايد على كفار قريش بحيث لا يفرق بين ذكر وأنثى فيقوم بإبادة ، ووئد ، الجنسين معا ، الذكر والأنثى ، بحيث قد صار هناك مؤودة ومؤود ، متصورا انه لن يسأل أو يسائل يوم القيامة عن المؤود والموؤدة معا، وبأى ذنب قتلا ..! ــ ويرضى بذلك ..!
ربما ضغط الرأى العام العالمى ، وما تبقى من ضمير للإنسانية ، هو الذى دفع الدول العظمى ــ والغربية منها فقط للأسف ، وبطبيعة الحال ..! ــ بسرعة ، وضرورة وحتمية التحرك ، لاتخاذ موقف ما ــ وليس المتصور هنا هو فقط مجرد تسجيل موقف ــ ضد بشار الأسد ونظامه ..!
وكلنا يعلم أنه قد سبقت تلك المذبحة الكيميائية مذابح أخرى مماثلة للشعب السورى ، فى طول سوريا وعرضها ، واستخدم فيها نظام الأسد المجنون ضد شعبه الأعزل صواريخ سكود بعيدة المدى ، والروسية الصنع ، وكذا كافة بوارجه الحربية فضلا عن كل أسطول طائراته الحربية من مروحيات وقاذفات وغيرها ، ولم يتحرك أحد ، وذلك على الرغم من أنه فضلا عما قام به من مذابح أخرى ضد أبناء بلاده من المدنيين العزل ، فقد هدم مايتجاوز عن 70% من المنازل والمؤسسات و الإنشاءات والبنى التحتية السورية . وهو الأمر الذى لم يحدث ، أو بالأحرى قد تجاوز بكثير محصلة كل الحروب التى خاضتها سوريا ، أو بلاد الشام ، ومنذ فجر التاريخ ، ومرورا بحروب التتار والمغول ، ثم الإحتلال الفرنسى ، وحتى الحروب الثلاث مع إسرائيل ..!
ولكن ما أدهشنى حقا هو إنسحاب المملكة المتحدة من دول وقوى التحالف التى حشدت أساطيلها قبالة السواحل السورية لوقف بشار ، أو بالأحرى معاقبة بشار على إستخدام السلاح الكيماوى ضد أبناء وأطفال شعبه ، مما تسبب بالفعل فى إرتكاب جريمة إبادة جماعية ضد مدنين عزل من أبناء وأطفال الشعب السورى ..!
ودعك من هذيان النظام السورى لتبرير ، أو إنكار ما قام به ، حيث لا يصدقه أحد ، أو يقره عاقل أو منصف ومتجرد .. حيث يريد أن يقول أن هؤلاء الأطفال ليسوا سوريين ، وإلا فأين أمهاتهم ..؟!
وأنا أقول له حتى وبفرض أن هؤلاء الأطفال ليسوا سوريون ــ وهذا غير صحيح بطبيعة الحال ، ولكنه مجرد فرض ــ و كانوا لقطاء ، وليعاذ بالله ، وغير سوريين ، فانه لا يجب ، ولا يصوغ لأحد حتى مجرد الإساءة إليهم ــ لأنهم لا ذنب لهم فى شىء ..! ــ ناهيك عن قتلهم بالكيماوى ..!
إذن فأنا لا أستطيع أن أفهم موقف بريطانيا ذاك إلا من خلال زاوية إلتزامها بإتفاقية سايكس بيكو الموقعة بينها وبين فرنسا فى أوائل القرن الماضى ، حيث تعتبر سوريا ــ وكذا لبنان ــ ضمن الدول الخاضعة للنفوذ الفرنسى فى تلك المنطقة من العالم ، وبموجب تلك الإتفاقية .
إذن فمسألة رفض مجلس العموم ، أو البرلمان البريطانى بغرفتيه ، دخول المملكة المتحدة فى مواجهة ضد نظام بشار ، وذلك بالتحالف مع دول عظمى أخرى كالولايات المتحدة وفرنسا ، وتصريح رئيس الوزراء البريطانى كاميرون ، من ثم ، بأنه قد تراجع عن الدخول فى ذلك التحالف ، ومن ثم مواجهة ، أو بالأحرى معاقبة ، الأسد على إستخدامه أسلحة إبادة جماعية ضد شعبه ، نزولا على رغبة البرلمان البريطانى ، والذى يمثل الشعب البريطانى ، ماهو إلا مسألة توزيع أو تقسيم للأدوار بين الإئتلاف الحاكم بزعامة حزب المحافظين ، وداخل أجنحة هذا الحزب من جهة ، وبين حزب العمال المعارض من جهة أخرى ، وذلك كله بعيدا عن إرادة ورغبة الشعب البريطانى الحقيقية ..!
وهذا يذكرنى بمشهد من الفيلم الأمريكى " ماتريكس " حيث يمسك أحد الأطفال الموهبين بملعقة ويقول لأخر : "هل ترى هذه الملعقة " .. فيرد الأخر ، ويقول : " نعم .. ثم يحاول الطفل ثنى الملعقة بمجرد النظر والتركيز عليها ، ويقول للأخر : هل ترى الملعقة وهى تنثنى .. فيقول الأخر : " نعم " .. ويرد الطفل قائلا : لكن المشكلة انه لاتوجد ملعقة أصلا ... والمراد انه لا توجد ديموقراطية حقيقية فى أى مكان من العالم أصلا ، ولكن توجد مصالح ــ وكما قال تشرشل ذاته ــ وهناك إتفاقيات ، فضلا عن تاريخ تمخضت عنه أعراف ، ترعى تلك المصالح ، وأساطيل دول تحميها ، فضلا عن دول أخرى ، أو أنظمة تابعة ، " تخدم " عليها ..!
ولذلك فيقال أن 10% من تعداد الشعب البريطانى من الأذكياء هم الذين يحكومون بريطانيا ، ولذلك فهى دولة متقدمة ، بل دولة عظمى .. بينما فى بعض الدول النامية ، أو المتخلفة فيحكمها ، وكما يقول العديد من النشطاء ، من حصل على الثانوية العامة بنسبة نجاح 50% ــ نسبة النجاح فى العديد من الدول المتقدمة ، والتى تؤهل الدخول إلى الجامعات ، ومن ثم التعليم العالى ، لا تقل عن 70% ــ أى ممن هم متوسطى الذكاء ، أو حتى دون المتوسط ، وحيث يسيطر الجيش والشرطة ، وكافة الأجهزة الأمنية الأخرى ، على كافة مفاصل البلاد ، ومن ثم فإننا نرى فى تلك الدول انه فضلا عن كونها تابعة ، فإنها ما أن تخرج من مشكلة حتى تتورط فى أخرى أكبر منها ، و من ثم ، فإننا نرى أن تلك الدول تدور دائما فى حلقات مفرغة ــ إلا من رحم ربى ــ ولا فكاك منها ، مستنفدة فى ذلك كل طاقاتها وإمكانياتها .. وهذا موضوع أخر .. !
مجدى الحداد
التعليقات (0)