حفظ أم تدبر
يعود إنشاء جمعيات تحفيظ القرآن إلى عام 1382هج وتحديداً بمكة على يد الباكستاني محمد يوسف سيتي الذي وصل لمكة مهاجراً ، بعد أن لاقت تلك الفكرة قبولاً بدأ الترويج لتعميمها حتى أصبحت دور وحلقات تحفيظ القرآن تُغطي الوطن بأكمله وأصبح هناك مجلس أعلى يتبع وزارة الشؤون الإسلامية يُنظم عمل تلك الجمعيات ، حفظ القرآن بأكمله ليس واجباً ولا فرضاً لا يقوم الدين إلا به هو قرار فردي يدخل ضمن الحرية الشخصية للأفراد ،بعض الأُسر لا تترك لأبناءها خياراً بل تدفعها دفعاً للإلتحاق بحلقات تحفيظ القرآن وغايتها في ذلك لا يعلمها إلا الله فقد تكون طامعةً في المبالغ المالية التي يتلقاها من آتم بعض الأجزاء أو تقليد لقريب أو الرغبة في التخلص من الأبناء لوقتِ معدود ولا خيار متوفر غير حلقة التحفيظ في ظل انعدام بقية الخيارات ، لا يستطيع أحدُ التنبؤ بما يحدث بتلك الدور فمن يقوم عليها لا يمتلك من العلم الشرعي إلا اليسير وقد لا يمتلك شيئاً فمؤهلة الوحيد ثوبُ قصير ولحية مرتبة وسواك قصير تكاد العين لا تراه ، لو تحررت بعض الأُسر من عُقدها الأيديولوجية لوجدت أن تلك الدور ليست المكان الأنسب لأبناءها وبناتها ، فطاقة الأبناء والبنات لا يُرشدها التلقين والحفظ وحشو العقل بأفكارِ كارثية بل تكون بالتوجيه بما يتناسب مع ميولهم وهواياتهم ، في ستة وخمسون موضعاً بالقرآن الكريم دعانا الله إلى إعمال العقل والتفكير والتدبر ولم يدعونا إلى الحفظ ، فالتفكير والتدبر يعني عدم تأجير العقل للخرافات والأساطير والأقوال التي توقع الفرد في المهالك !
من تحت عباءة تلك الحلقات خرج من تقمص فيما بعد دور الواعظ والناصح الأمين وخرج من هاجر لمواطن الفتن التي سماها أرض الإسلام وخرج منها من شوه صورة الإسلام ووجه فوهة البُندقية صوب وطنه وأبناء وطنه ، طبعاً البعض وليس الكُل فالفرد ليس مُجرماً في الأصل لكن البيئة مع بعض والأسباب والأساليب تجعله مشروع مجرم ، لكي تُصبح تلك الدور مساهمة في البناء الفكري يتوجب إعادة صياغة أهدافها وإختيار الأفضل لإدارتها فضلاً عن إيجاد مساحة خيارات واسعة للأسر لتختار لأبناءها ما تُريد ، من الأهداف الجديرة بالمراجعة ذلك المُتعلق بالحفظ فحفظ القرآن أمرُ ثانوي إذا ما قارنا بينه وبين الأصل وهو التفكير والتُدبر ، لو عمِلنا بالتدبر كأمرِ رباني فإننا سنصحو يوماً ما على إنتفاء الحاجة لتلك الدور وستتعلق الأرواح بخالقها وستكون أكثر وعياً وجمالاً منذو قبل ، التدبر يقطع دابر المهوسيين بإحتكار الحقيقة ويضع الفرد بمرتبة عاليه بعدما كان بسبب التجهيل يقبع بخانة الهامش ، القرآن الكريم بحاجة لمن يتدبره فتدبره يعني عدم توظيفه توظيفاً سيئاً ويعني عدم تأويله لأغراضِ دنيئةِ يحسبها البعض شريعة وحكمة ربانية ،التدبر يقود إلى الحقيقة والحكمة والإيمان الصحيح ويضع العقل على الطريق الصحيح عكس الحفظ الذي يُصيب العقل بالجمود والنفس بالإحباط ..
@Riyadzahriny
التعليقات (0)