مواضيع اليوم

حفريات توفيق الشابي

عبد الوهاب الملوح

2009-05-19 15:31:19

0

’’ السماء, الشَّمس, الكواكب:الأعالي القريبة. الفصول, الليل, النهار:الأصوات الوحيدة المتردِّدة على بابي. الورود والأشجار:ألوان الأبديَّة. الوحدة والصمت:الأحضان الدافئة. الحروف والكلمات:الأبواب والنوافذ فقط أنتم أيها الأصدقاء أحدِّثكم. وحدكم تسمعون. إنَّني لا أسمع نفسي’’نص’’أصدقاء’’ ص:32 يفتح توفيق ا لشابي عوالم نصهاحتفاءً بكائنات العزلة الخفية. ولئن لم يتخذ هذا الإحتفاء شكلا كرنفاليا على عادة الإحتفالات حيث يكثر اللغو ويعمُّ الصَّخب؛ فتتداخل الأصوات آتية من شتىَّ الجهات في جوٍّ من الإنطلاق المفعم بالحيوية, لن يخلو من النشازوالإضطراب والتوتُّر والإرتجال؛ ناهيك ما قد يلحقه من وجوه الفوضى التي تسيء للطابع الجمالي:هرج, ضوضاء, لغط.....الخ. فإنَّ هذا الإحتفال ارتأى أن يكون هادئا وبسيطا, رصينا ومقتصدا في الفرح لكأنَّه طقس ديني خاشع يقوم على التأمُّل والتهيب, يؤسِّس خطابه على اللمح والإشارة ويكتفي أحيانا بالإيحاء والصمت البليغ الذي يتحوّل مرَّات إلى صلاة سابحة في أجواء يكتنفها الحلم.إنَّه احتفاء خال من ألوان الزينة ومركَّبات التلوين والتزويق؛ بعيد عن الإنفعال والإرتجال يرتِّب بهجته ببساطة, ويعدُّ فرحته بعيدًا عن كلِّ إثارة؛ لذلك تجيء هذه الحفريات عملا على قدر من التهيُّب والرصانة والوعي أيضاً....لاتعبأبالرطانة اللفظية والأكروباتية البلاغية؛ بقدر ما تحاول أن تتشكَّل رؤيا هي أبعد من مجرَّد اللهو باللغة والتفنُّن في أساليب القول. هي كتابة مقتصدة؛ مقتصدة إلى الحدِّ الذي لا تتَّسع فيه لمجرَّد استضافة كلمة عابرة لا تساهم في تشكيل نسيجها العامِّ ودعم عناصر تشكُّلها؛ هيَ كتابةٌ مقتصدة؛ منغلقة على مكوِّناتها الأساسية؛ مكتفية بالقدر الأدنى من أدوات الإبلاغ؛ موجزة ومقتضبة إلى حدِّالتكثُّف ومختزلة إلى درجة الغموض مُغلقةٌ مثل الوردة البكر يلزمها الكثير من العناية والعطاء والصبر لتبوح بأسرارها.
ثمَّة نفورٌ من الغلوِّ وإجلال مهيبٌ للكلمة وارتيابٌ منها طالما أنَّها ’’حمَّالة أوجهٍ’’بل أنَّ توفيق الشابي يرتاب من الكتابةأصلاً حتى أن هذه الحفريات تأتي مسكونة بهاجس السؤال. سؤال الكتابة ليس بالمعنى البراغماتي السطحي المألوف ولكن بالحفر في ماهيتها وكونها؛ وواضح أنَّ عنوان النصِّ الأخير ليس بريئاً ’’ترى هل كان رسمي جميلاً’’ سؤال على قدر من التوجُّس والريبة رغم ما قد يحتمله من دهاء ومكر الشاعر وهو ما يحيل على فرضيَّة أولى إزاء هذا الكتاب, أنَّ هذا الشاعر يكتب نصه متسلحا بكامل وعيه وليس في ’’حالة بين الصحو والسُّكر’’كما وردت عن واحد من أكبر الشعراء العرب وأخذ بها الشعراء من بعده؛ غير أنَّ هذه الفرضيَّة الأولى قد لا تصمد كثيراً. ففي قراءة أعمق للنصِّ وأبعد حفراً يلوذ الشاعر في احتفاله الجميل بكائنات العزلة بعوالم هيوليَّة لا تكاد تتَّضح, عوالم تتشكَّل من صور شاردةٍ, غائمة الملامح تبدو وكأنها بقايا حلم طافح بالخيالات المضمّخة بحنين الذاكرة وتولُّهات العاشق وتسبيحات المتعبّد ولغو الطفولة وتعاويذ الدراويش؛ إنَّ هذا التوزّع بين الوعي واللاَّوعي مصدره الحيرة والريبة التي يعيشها الشاعر في تحوُّلاته الفكرية والتمزُّق الذي تعانيه شخصيته الثقافية والذي لايعبِّر بالضرورة عن حالة مرضيَّة بقدر ما هو واحد من الأعراض المتعدِّدة التي يعانيها مثقَّف القرن الأخير ولعل َأهمّ َهذه الأعراض حالة السؤال الدائم التي تلازمه. ويحرص توفيق الشابي في عزلته هذه أن يُجهرَ بهذه الأسئلة؛ يطرحها, يفكِّكها و يحفر فيها ويعيد صياغتها من جديد وليس بالشَّكل الذي يعالج به الفيلسوف مسائله ولكن على طريقة الفنَّان الذي يتقن صنعته دون أن يتجاهل همومه وهواجسه. يحتفي النصُّ بالأسئلة, والأسئلة كائنٌ من كائنات العزلة بامتيازٍ:
-1-أسئلة الكتابة.
-2-أسئلة الموت والوجود.
-3-أسئلة الحـــلم . -4- أسئلة المرأة.
ينهض هذا النصُّ إذا على الأسئلة؛ أسئلة الذات الموجعة, الحارقة؛ التي تولد معها ولا تفارقها وتظل ترهصها إلى أن توصلها إلى حتفها: ’’ سؤال يذبل وجه الغيمة’’ نص ’’ من ضفَّة إلى أخرى’’ ص68
’’الآن لم يبق من وجه أبي
سوى شكله
من عيني أمي
سوى لونها
وبقيت بذاكرتي الأسئلة كلها’’ نص ‘‘ميراث‘ص36.
-1-أسئلة الكتابة:
لعل سر تعلُّق المرء بالكتابة هو, أسئلتها الحارقة والتي لا جواب لها إطلاقا؛ يمارسها, يفكِّرُ فيها, يتعشَّقها, يعيشها, وتلاحقه بسرِّها الذي لا ينكشف أبداً. الكتابة سرٌ. لعلَّه سرُّ الحياةِ:
’’ما الذي يجمع الآن كل الضلوع إلى بعضها
ما الذي بانتباه سيرفو شقوق الكلام القديم
ويبعث فيَّ اخضرار اللغه.’’ نص’’هواجس بعث آخر’’ص20
غير أنَّ هذه الكتابة تستعصي, بل تستحيل أحيانا تورِّ ط صاحبها فيها وتغيب, تخليه في أتُّون الوحدة تمزِّقه مخالب الحيرة وتمضي, ينشدها في عزلته فلا يلقاها, يسأل الرياح عن ريحها فلا يُطفئ سؤاله شجن أو بكاء؛ إنها مخاتلة, تضئ فجأة وتختفي:
’’تضئ
لتكشف عري عيونا
تسافر
حين يضيق الممرُّ إلى زهرة في الأقاصي
يغيب جواب الوجود وتتسع الأسـئله
بؤراً في الهدوء,’’ نص’’تحت ضوء الكتابة’’ص7
وهي إذ تتركه هكذا في مهبِّ الفراغ؛ يجوس خلال الوحشة ويحفر بمعول الذاكرة باحثا عن ملاذ فلا يجد غير الحروف مرة أخرى سبيلا للإطمئنان ولو أنَّه اطمئنان مخادع طالما أنَّه وسادة خالية, جدار من سراب قديم:
’’نسافر بين الحروف
حنينا لأشياء جالت بخاطرنا ذات حلم
حنينا لأشياء لم نرها
ربَّما لامست أمسنا’’نص’’هجرة’’ ص12
يؤمن توفيق الشابي بالكتابة؛ ويؤمن بها فعل خلق طا لما أنَّه نبيٌّ:
’’المدى في يديَّ
ولا حاجة بي لنبي‘نص‘الكتابة‘ص16
لكنَّ الأسئلة بشأنها لا تنتهي:
هل أزهرت حقول الورقه؟’’نص’’الكتابة’’ص16
ولأنَّ أسئلة الكتابة ليست فقط في مضامينها وما يغشى الشاعر من رؤى وأفكار. فالنصُّ الشعري لا يكتفي بتأليف خطابه عبر الكلمة فقط, بل أنَّ كيفية تشكُّل هذه الكلمة وأساليب صياغتها هي أيضاً فضاء للسؤال, ولئن
اعتمد الشاعر في بعض نصوصه لشعرية الواردة في هذه المجموعة التفعيلة أحيانا, فقد أهملها في نصوص أخرى؛ ولئن جاءت بعض النصوص طويلة أحيانا فهناك نصوص جاءت في سطرٍ واحد؛ ولئن أخذت بعض النصوص منحى غنائياً فثمَّة نصوص تتكئ أساساً على السرد. ولعل هذا التقلب في التعامل مع النصِّ الشعري وعدم الإكتفاء بأسلوب واحد أوشكل بعينه هو في حدِّ ذاته سؤال من أسئلة الكتابة الحارقة. لماذا لا يعتمد توفيق الشابي تكنيكا واحدا في الكتابة ؟؟؟ لماذا يعدِّد أساليب القول ؟؟ ويذهب أيضاً على غير ما اعتاده الشعراء في ابتكار الصورة الشعرية. لايعوِّ ل سميُّ شاعر تونس الأكبر على التقنيات البلاغية المألوفة: الإستعارة, التشبيه, الكناية, التقابل, التطابق, الخ.... فالصورة الشعرية عنده على صنفين: صورة يشكِّلها النسيج العام للنصِّ و لا تكتمل إلاَّ باكتماله؛ وصورة جزئية, هي بمثابة خلية صغرى تتظافر مع صور أخرى متعدِّدة لتشكيل النص ويمكن أن نُدرج النصوص القصيرة من جنس الومضة:’’ طفل’’ ’’امرأة’’ ’’ تيه’’ ’’لوحة’’ ’’ أصدقاء’’ ’’ رؤيا’’ ’’جسد’’ ’’ شاعر ‘‘ ‘‘ عين‘ ‘‘ صباحات‘ ضمن ا لصنف الأوَّل.وتتوزَّع الصورة من الصنف الثاني ضمن بقيَّة نصوص هذا الأثر, رغم أنَّه قد تتوفَّر أيضا في الصنف الأوَّل ؛ ويأتي تشكيل الصورة باعتماد المركَّبات النعتيةو المركبات الإضافية حينا وحينا يصنعها التآلف بين المتنافرات وهي الإستراتيجية الغالبة في هذه المجموعة لرسم الصورة:
’’ ترى كان حلما يوتر نومك
عدت إلى يقظة في سرير الغياب ’’نص ’’ هجرة ’’ ص12
’’ليل يلتحف ضوء الشمس‘؛ ’’أحلام مرشوشة بدخان اليقظة ’’نص ’’صباحات’’ ص38
’’ لأحوِّل الجنون إلى وعيٍ آخر’’ نص’’ تهشم’’ ص42
’’ وجه يتصبب أملا/ألما’’ نص’’ شاعر’’ ص58
’’ أمسح عني رذاذ الضوء’’ نص ’’ أحلام اليقظة’’ ص 64
’’ سيحاول أن يمسك البحر / مختصرا ماءه في قصيد’’نص ’’ حوار لوقت ’’ ص83
’’ لينتحر المستحيل’’ نص’’ صفحات من كتاب السيرة ’’ ص 92
بمثل هذا التركيب بين المتناقضات يشغِّل الشاعر صورته ميكانيزم داخلي يشحن النص ويروِّيه , ويدفعه إنها بمثابة الإيقاع الذي يغني النص ويضخُّ فيه دم الحياة غير أنَّ هذا الولع بالجمع بين المتناقضات ليس مجرَّد تقنية بل هو سليل وعي مكابد ؛ وعي أنتجته علاقة غير مألوفة بعناصر الحياة والحقل اللغوي الذي يشتغل فيه الشاعر يشير إلى ذلك , فمجرَّد جرد إجرائي للكلمات المستعملة في هذا الأثر يبين مجال اهتمامه حيث ’’ مربط الفرس’’ . وردت كلمة ’’حلم’’ أكثر من 40 مرة, كلمة ’’حرف’’ ومشتقاتها وردت أكثر من 25 مرة, كلمة’’ شجرة’’ ومشتقاتها وردت أكثر من30 مرة, أما كلمة’’ ماء ’’ ومترادفاتها فقد تعدت 50 مرة. الماء, والحلم, والأشجار, والحروف هذه هي كائنات الوعي المكابد في عزلته يحاورها بهدوء ثم يطلقها أسئلة تفتح أبوابا مغلقة وتعيد ترتيب الوجود من خلال أسئلة أكثر حرقة.
-2- أسئلة الوجود والموت:
هكذا قدر الشاعر !!لا يكفُّ عن طرح الأسئلة يصوغها يؤلِّفها ولقي بها في الزحام إنها كائناته التي تمنحه الإقامة في ا لحياة وتعطيه فرصة ’’النجاة من الآتي ’’ ولعل أكثر هذه الأسئلة إلحاحا هو سؤال الوجود والموت؛ لا يعبأ توفيق الشابي بالموت غير أنه يحوَّله إلى كائن وجود, والوجود عنده هو الخلق كما تشاء الذات؛ إنَّه هو الخالق الأوحد وله أن يختار هيئته كما يشاء؛ وله ان يختار بعثه كما يشاء أيضا:
’’لي الآن أن أقتفي خطوات السماء
لأختار بعثي الجديد كما أشتهي’’ نص’’على شرفة الخلق’’ص85
غير أنَّه سرعان ما ينكص, وينقلب على نفسه صارخا: ’’أكره بعثي اكره بعثي.....’’نص’’ هو اجس بعث آخر‘ ص19
إنَّه يكره هذا البعث طالما أنَّه لا جدوى من ذلك فقدرات هذا الخالق محدودة واتكاء على المرجعية الدينية يصوغ احتجاجه الخطير:
’’هل تكفي ستة أحلام للبعث,
لمحو المحو وتعليم الأسماء’’نص’’ هواجس بعث آخر’’ ص19
وليتوقف تمرُّد الشاعر على المرجعية الميتافيزيقية فقط, بل أنَّه يرفض الثورة العلمية في مجال إعادة الأجنَّة ومسألة الاستنساخ بالذات, وفي نص مهدى إلى دولي...في نسختها الأصلية, بعنوان’’ على شرفة الخلق’’ يقول:
’’ما جدوى أنْ نتكرَّر
هامات ملأ بالتيه وأحلام ثكلى’’ ص88
فعلا ما جدوى بعث جديد ليس فيه غير ’’قلق أبدي’’ ص93و’’ ذاكرة تتقيَّأ’’ص37حيث يغيب جواب الوجود وتتسع الأسئلة /بؤرا في الهدوء ‘‘ يبدو الشاعر مستاء جدا من هذا الوجود الملغوم بالوهم والفراغ والللاجدوى إنه يأل عن معنى لهذا الوجود العبثي. سؤال قديم, قدم الله سؤال جارح ومؤلم ولا شفاء, سؤال الفكر الإنساني منذ الأزل لا يبحث توفيق الشابي عن جاب له هنا بقدر ما يعاود طرحه بشدة وبإلحاح ولعله في استعادته له كل مرة شفاء منه..... ولاشفاء طالما أنَّ الذاكرة مافتئت ترهص الذات بالحنين إلى تلك البدايات الأولى, بدايات تحسس الوجود, زمن الطفولة.
-3- أسئلــة الحــــــــلم:
يأخذ الشاعر حصَّته من الحلم أكثر من اللازم, إنَّه كائن يعيش الحلم ويحياه؛ ولعلَّه لهذا السبب مختلف عن بقيَّة الناس؛ يؤسِّس عالمه ممَّا يجود به عليه الحلم ويهندس علاقاته بالوجود وفق ماقد يراه من أحلام إنَّه يحلم بشكل زائد؛ ويعتقد فيما يحلم به. لكنَّه لا يحلم بما يحلم به الآخرون وهو لا يعتقد في هذه الأحلام الساذجة المحدودة الآفاق وإذا كان حلم الآخرين لا يتجاوز الحاجيات الدنيا مما تستوجبه متطلبات العيش وما تنشده الغرائز الملتهبة في الداخل. فالشاعر لا ينشد هذا إطلاقاً وليس هذا حلمه إنَّ الحلم عنده رؤيا كونية ترتكز أساسا على كيفية الإقامة على الأرض بشكل غير معهود, بشكل يفسح المجال للروح أن تتجلى وتحيا عالية, متخففة من اشتراطات الوجود الأبله, الغبي..... الوجود الغبي الذي لا يسعى لاحتواء اللحظة التاريخية بكامل تفاصيلها والذي يكتفي بإشباع حاجياتها دون أن يحتويها فيتخفف من اليومي المتصل بالدنيوي التافه الإجرائي العابر ليطل على أسرار الوجود الكبرى ويحيا بالتالي محلقا في عوالم الكون الكبرى, يحيا إنسانا خلاقا, مبدعا, طافحا بالحيوية, وهاهو توفيق ا لشابي, يتورَّط بدوره في الحلم ويسرح في آفاقه عاليا, ولعله اتخذه دستورا في الحياة دون أن يكف عن السؤال, ذلك أ نَّ مادَّة – ح-ل-م ترد أكثر من 40 مرة في هذا الأثر وفق صيغ متعددة: مصدر الفعل الثلاثي المجرد:حلم أي ’’ الحلم’’في صيغة المفرد ’ وفي صيغة الجمع’’ الأحلام’’, ورد أيضا فعلا مسندا إلى المتكلم في المضارع المرفوع, كما ورد اسم فاعل مشتقا من المجرد في وضع الحال غير أنَّ ما يشد الإنتباه هنا هو المفارقة في التوظيف الدلالي بين الحلم في صيغة المفرد والأحلام في صيغة الجمع, ذلك أنَّ الحلم ورد في هيئة كائن يأخذ بيد ا لشاعر, يستعين به هذا الأخير وبالتالي فتوظيفه كان توظيفا ايجابيا على عكس الأحلام التي كن حضورها في المتن حضورا سلبيا, منكسرا يقول:
’’ ولما هممت بحلمي ’’ / ’’علني ألتقي حلما مر بي ذات يوم’’ /’’ حين يهم الحلم أن يرتق’’ /’’ أذكر أيها الحلم’’ / ’’ يا خطاي ويا حلما لاينام’’/’’ لحلم نما دافئا قبل أن ينتهي مفردا‘
لقد تم اقتطاف هذه الشذرات من مختلف أنحاء المتن وفيها يظهر جليا تحويل الشاعر لوجهة الحلم من حالة مجردة إلى حالة مرئية مجسمة. لقد حول الشاعر الحلم إلى كائن يحاوره, يجلس معه, ينتظره, ينجز معه أعمالا, لكأنه صديقه الوفي, بل نبيِّه, أما الأحلام فقد وردت كالآتي:
’’ أحلام مرشوشة بدخان اليقظة’’/’’ الأحلام أقلِّبها أ بحث بين ثناياها عن واحد قد لا يتحقق في غفلة اليقظة’’/’’ أفتح في نفسي نافذة لصغير الموت وأحلاما أكثر شفقة ’’ /’’ للورود الآن أ ن تعدِّل أحلامها ’’.
واضح أن توظيف الأحلام ورد سلبيا عكس استخدام الحلم. يتشبث الشاعر بالحلم؛ حلمه وينكر الأحلام؛ أحلام المجموعة. أحلام البقية لم تعد تهمه لأنها لا تكفيه ولا تخدم رؤاه. لعل الشاعر من خلال هذا يرسل استقالته من الجماعة / المجتمع /المؤسسة ويعود إلى وعيه المكابد في عزلته هادئا ولا صديق يؤانسه إطلاقا حتى المرأة لاوجودلها في كونه.
-4-أسئلة المرأة:
تحضر المرأة في نص توفيق الشابي, لكنه حضور محتشم, خافت, لا يكاد يبين ويتخذ هذا الحضور شكلين لا ثالث لهما: الأمُّ؛ والمرأة الجسد؛
ولئن جاء حضور الأم ايجابيا في توظيف الشاعر:
’’ ككل الصغار أحبها أمي
وأسألها.........
يجيء صدى وجهها
جسدي
بين حلم وارف
وأقدام مقفرة.’’
لئن برزت المرأة في شكل الأم على هذا النحو, فإنها تبدو ضامرة الحضور في شكل الجسد/ الحبيبة / العشيقة فهي شجرة مهملة في جبل أجرد؛ نص ’’ امرأة ’’ ص 29؛ نص’’ رؤيا ص35 نص’’ امرأة’’ ص50. تفقد المرأة في نص توفيق الشا بي حضورها الفاتن, المغري, المثير وهو لايراها غير أطياف أخيلة ضامرة, بل لعله في تصوره هذا يستغرب من حضورها الملفت في نصوص الشعراء الآخرين؟؟؟
طبعا......
لا تنتظر هذه الأسئلة أجوبة؛ وليس من شأن هذه الورقة البحث عن إجابة ويكفي فقط العودة إلى العنوان لمزيد التسآل؛ فالحفريات؛ عمل انتروبولوجي, جيولوجي؛ وهي عمل فني يرتكز على النحت والرسم؛ وهي وفق الفكر الفوكوي بحثٌ في المفاهيم وإعادة تأويل؛ وهي عند توفيق الشابي.........ماذا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟


قفصة – تونس 2003
’’ حفريات ’’ : مجموعة شعرية لتوفيق الشابي . طبعة أولى سنة 2002
الفكر الفوكوي : نسبة إلى الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو






التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !