حصاد الغزو الأمريكي للعراق
بدأ الوضع الأمني في العراق وإتساقا مع الخلافات الدائرة في برلمانه بشأن قانون الانتخابات يتدهور بشكل ملحوظ .. ولكن الملفت للنظر ما ورد من أخبار عن عملية اعتقال 61 رجل أمن عراقي من بينهم 11 ضابطا كبيرا على خلفية التفجير المزدوج الذي ضرب يوم الأحد الماضي منطقة الدوائر الحكومية في شارع حيفا بوسط بغداد وأدى لمقتل ما يقارب ألـ 160 شخص وجرح 500.... والتفجير مبيت ومخطط له بدقة وليس خبط عشواء . والدليل على ذلك أن معظم ضحاياه كانوا من الجهة العدلية التي تنزل بالإرهاب والمقاومة أشد العقوبات الرادعة.
هذه المنطقة يفترض أن تكون آمنة بنسبة 99% على اقل تقدير وفق ما يجري هناك من ترتيبات أمنية مشددة بإشراف أمريكي . ولكن يبدو أن اعتقال رجال الأمن المشار إليهم أعلاه إنما جاء على خلفية تقرير للأقمار الصناعية يؤكد أن تلغيم الحافلتين بالمتفجرات قد تم داخل المنطقة عينها وليس خارجها.
ومن ثم يأتي الخبر بإعتقال هذا العدد من رجال الأمن العراقيين على خلفية أنهم المسئولين عن صيانة الأمن في تلك المنطقة ؛ يأتي مثيرا للعديد من التساؤلات حول أزمة الثقة التي باتت تضرب بأطنابها بين كافة الأجهزة الرسمية في بلاد الرافدين وتنذر كما أسلفنا بحرب أهلية مدمرة لا محالة...... حادثة الإعتقال تعني بكل وضوح أن الأمر أكبر من مجرد تحميلهم المسئولية وأنه جرى في سياق اتهام صريح بمشاركة عدد منهم في التفجير إن لم يكن التسهيل.
لقد ذكرت من قبل في تحليل سابق بمناسبة منح الرئيس أوباما جائزة نوبل للسلام أن الموقف في العراق جد خطير وأن الجمر لا يزال متقدا تحت الرماد . ذلك أن ما حاول الجيش الأمريكي الإيحاء به بهزيمة المقاومة العراقية وواكبه في هذا الزعم صحفيون ومحللي أخبار عرب كثر .... يبقى هذا الإيحاء مجرد كلام في الهواء لهدف ستر العورات والسوءات .. ذلك أن الذي جرى بالفعل إنما هو هدوء مؤقت مشروط بعد أن دفع الجيش الأمريكي أموالا طائلة كرشاوي لزعماء القبائل والفصائل والمليشيات المسلحة ..... وقد ذكرت أن مثل هذا التكتيك لا يصلح على المدى الطويل . وأنه إن آجلا أو عاجلا ستعود الأحوال الأمنية إلى التدهور من جديد في حالة توقف الجيش الأمريكي عن دفع الأتاوات والرشاوي .
هناك من ذهب إلى أن هذه التفجيرات من تدبير الحكومة حتى تجبر الإدارة الأمريكية على العودة مرة أخرى لشوارع بغداد وحراستها أو على الأقل تأجيل موعد إنسحابها ... وهؤلاء بالطبع سذج من الطراز الأول ذلك أنهم لا يدركون فلسفة أو إستراتيجية الإدارة الأمريكية وأن القرار الأمريكي حين يتخذ ليس من السهل والبساطة العودة والتراجع عنه بهذه الميكانيكية العربية وغيرها من ميكانيكيات اتخاذ القرار السياسي والإداري في دول العالم الثالث الشمولية وغير الشمولية لأنه وببساطة فإن كل قرار تتخذه الإدارة الأمريكية إنما بستلزم إقراره العديد من الخطوات والترتيبات الدستورية والتي لا يمكن التراجع عنها بعد ذلك هكذا لمجرد الانفعال..... ثم أن الولايات المتحدة لم تستأذن من أحد لغزو العراق وبالتالي فمن باب أولى أن لا تنتظر رضا أو موافقة أحد للخروج منه ، لاسيما وأنه لاتعنيها الهزيمة أو النصر في شيء بقدر ما كانت ترغب في تقسيم العراق وتمهيد الأجواء العربية الصالحة للتطبيع مع إسرائيل ؛ وتحريك آلآت مصانع السلاح التي يمتلكها قادة الحزب الجمهوري وإجراء تجارب وأبحاث علمية وعسكرية على أحياء في سجون أبو غريب... وقد تحقق لها من كل ذلك ما أرادت وبات ما تبقى من تكريس لحرب أهلية وتقسيم قاب قوسين أو أدنى من التحقق بأيدي أهل العراق أنفسهم لا بيد عمرو.
تاريخ التدخل الأمريكي في فيتنام وكوريا ولبنان والصومال يعزز أيضا الرأي بأنها حين تقرر الإنسحاب فإنها لا تلتفت إلى التوسلات ومدى الوضع الأمني الذي تخلفه وراءها .... هذه هي الولايات المتحدة وقد كان على من ساعد في إدخالها العرق أن يدرك هذه الحقيقة جيدا ....
لا تترك الولايات الأمريكية خلفها سوى التوتر ثم الحرب الأهلية ثم التقسيم إلى شمالي وجنوبي وشرقي وغربي ....
غدا ستنسحب القوات الأمريكية وفقا لما هو مقررا لها وسيكتشف الساسة العراقيون أنهم عراة مكشوفون أمام كافة الخيارات القبلية والطائفية والمقاومة الإسلامية والبعثية والقاعدة والقوى الإقليمية ..... الحرب الأهلية واردة وتقسيم العراق جاهز إلى كردي وسني وشيعي ...... ولمثل هذا فليستعد العراقيون.
التعليقات (0)