حـبّـذا لو جاءوا للحوار حُـفاة عُـراة غـُـرلا
مصعب المشرّف
9 أكتوبر 2015م
نعم لا يرى البعير سنامه .. ولكن ذلك لايعني أنه غير موجود . أو أنه لا يستفيد منه في أحلك أيامه ساعة الجوع والعطش.
لن يمتد الحوار إلى الأمام مالم يدرك جميع أطرافه من الحكام والمعارضين والمنتفعين ومتسولي المظاريف المالية ... ما لم يدرك هؤلاء جميعهم أنهم منذ زمن يتجولون مقبلين مدبرين مكشوفي العورات وسط شعبهم .. وأن الشعب المغلوب على أمره إن كان صامتاً ؛ ففي صمته أبلغ المعاني وأفصح الكلام.
فهل يدري المحاورون في مؤتمر الحوار الوطني الذي ينعقد غداً ؛ المدى الذي أصبح فيه حال الرأي العام في زمان التثقيف المتبادل على منابر مواقع التواصل ... وواقع حرية وشيوع المعلومة ، وتلاقح الأفكار فيها على نحو مباشر بين كافة الأجيال؟
على حزب المؤتمر الوطني أن يكف عن التمسح بالإسلام .. فلم تعد مصداقية توجهه الإسلامي مطروحاً على بساط البحث أو قابل للتسويق والمتاجرة ... فاحت الروائح من كل وعاء وتحت الغطاء الصديء ..... ولم يعد أحد من أعضائه بمستطيع أن يقول للناس هاؤم أقرأوا كتابيه ..
وأما حزب المؤتمر الشعبي فعلى الإسلام في زريبته السلام .... وعليهم الكف عن المجادلة بأقوال الترابي ... فالترابي قد أفحمت أفعاله أقواله ؛ وألجأتها إلى ركن قصي من المصداقية المفقودة ، وألزمتها الصمت المبين ...
والخلاصة أن الإسلام السياسي الحاكم اليوم قد أصابه الفساد المالي بالفشل الكلوي .... وأصبح حاله يرثى له لجهة التناقض ما بين الأقوال والأفعال ..... ثم ومتلازمة أنهم يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم ؛ التي ما فتيء الناس يعايرونهم بها في حلهم وترحالهم.
وأما تلك الشخصيات التي تتزعم ما بات يعرف بأحزاب الفكة . فهي لمسخرتها تظل أقل شأناً من تكبد عناء الحديث عنها أو الإشارة إليها بخائنة الأعين.
والحركات الحاملة للسلاح هي الأخرى يعتريها الخلل من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها ... وهي إن شاركت أو لم تشارك في الحوار فإن الشعب يدرك أنها قد رهنت نفسها للخارج ما بين أفريقيا وإسرائيل ؛ بسبب حاجتها الماسة للتمويل المالي .. وأن قادتها أصبحوا يمتلكون من الأموال السائلة والعقارات والأبراج في عواصم الدنيا الفانية أكثر ما يمتلك جنودهم من أعداد الكلاشنكوف والقنابل اليدوية والرصاص.
وعندما يأتي الحديث عن الطوائف وأحزابها التقليدية والأخرى . فلا أقل من ضرورة أن يدرك البيت الميرغني أن زمان الهالات الملائكية قد ولى إلى غير رجعة .. وأن البسطاء من بين الشعب السوداني قد تناقصوا إلى درجة الإنقراض .. واليوم ربما لا يتبعهم سوى المنتفعون والثعالب ملتقطي الفتات ، وبعض من نشأ وترعرع على يد الحبوبات في بعض ما تبقى من حيشان ..
ولا أقل من التعبير عن حقيقة ذلك الضمور الروحي الذي تبقى لقيادات هذا البيت ... لا أقل من الإشارة إلى الفرق الكبير ما بين شيوع مسمى "سيدي الحسن" الذي كان يتحلى به الجد الكبير أيام زمان .... وشيوع مسمى "حسن السرور" الذي بات يتحلّى به زعيم اليوم على الألسنة في الشارع والمواقع والمنتديات.
حزب الأمة القومي الذي يشكل القلب والعامود الفقري لبقية أحزاب الطائفة المهدية المتناثرة حاليا .. لا نرى لقادة هذا الحزب من مفر سوى الإعتراف أيضاً بأن حلل بريق الإمام محمد أحمد المهدي لم تعد تصدر إشعاعاً بعد أن إرتدها أجساد الورثة والخلفاء.
ذهب الزمان ببريق المرقعة وقداسة الفروة والراتب والإبريق . غلبت المصالح المالية والتجارة على المبادي والمواقف والتضحيات .... تاه الأحفاد وسط العاصفة وخسائر المصادرات والإستثمارات .... ولم تعد المسميات تخيل على السامع.
على أية حال .. فإن جميع تلك الأمثلة على الرغم من إفلاسها الديني والروحي والسياسي . إلا أنها تظل في حكم مايتيسر ويتداعى اليوم على الساحة السياسية للأسف ... وربما علينا أن نرضى بالنصيب المفجع . ونقتنع بأنه لن يكون اليوم بالإمكان أفضل مما كان.
نعم تشهد الساحة الفكرية والثقافية خارج نطاق السيطرة الحكومية والطائفية والحزبية تطوراً نوعيا ؛ ووعياً منقطع النظير بفضل إتساع شريحة المتعلمين وسرعة وحرية وسهولة تبادل المعلومات في وسائل ثورة المعلوماتية .........
ولكن يبقى بعد كل هذا وذاك أن اليد الطولى في الحفاظ على نسيج المجتمع السوداني ودرء الفوضى ونشوب نيران حرب أهلية لا تبقي ولا تذر ... يبقى أن اليد الطولى في هذا المجال تظل في جانب الساسة وحملة السلاح في كل جانب ..... ولا مندوحة هنا من الإشارة إلى أن مقاطعة الناخب للإنتخابات الأخيرة لم تحرك في الحزب الحاكم والمعارضة شعـره .. وهو ما يشير إلى تغييب كامل لإرادة الشعب والإزدراء بهيبته.
وتتبقى القناعة بأن البديل في حالة فشل الحوار "على علاته" هو ولوج البلاد نفقاً مظلماً يتسلح فيه حزب المؤتمر الحاكم بتشديد قبضته الأمنية ، وإبتداع المزيد من القوانين المقيدة للحريات ، واللجوء بوجه عام إلى خيار البطش والعنف والتنكيل الذي لن يولد إلا العنف في الجانب المقابل بطبيعة الحال.
فهل يصل قادة الحوار المرتقب إلى قناعات بحتمية الإتفاق على الحد الأدنى ... وأن يأتوا على قناعة بأن الماضي قد أصبح في خبر كان .. وأنه لابد من تغليب مصلحة البلاد على مصالحهم الحزبية والطائفية ؛ التي تتمحور حول التنافس على حجم أنصبتهم من كعكة السلطة والثروة؟
ربما لو أدرك واقتنعت أجنحة الحوار بكل هذا .. لربما إختاروا "جميعهم" المجيء لقاعاته حُـفاة عُـراة غُــرلا كما ولدتهم أمهاتهم.
التعليقات (0)