رقـّة جارتي ليلي لا تقارن بجانب جمالها الأخاذ. لأجل ذلك فأنا جدّ سعيدة بصحبتها. حين فتحت لي اليوم باب شقتها، استقبلتني بنظرات منكسرة وعينين حمراوين... كانت تمسك بيدها صحيفة مطوية، حين سألتها عمّا ألمّ بها، إرتمت على صدرى ثم أجهشت ببكاء مرير... أخذت بيدها ثم أجلستها معي على أقرب أريكة، ضممتها الي صدري بحنان، ثم شرعت في مواساتها ... كنت أعلم ان جارتي ليلي لم تـتأقلم على العيش في النرويج.. غربتها عن وطنها و فراق أهلها، يسبّبان لها تعاسة لا تطاق.
ــ هذه المرة لا علاقة لحزني بالمنفى النرويجي... بل بسبب ما جاء اليوم في هذه الصحيفة.
تـنهدت ليلي، مسحت دمعة، ثم استمرّت تقول:
ـــ هذا يوم تاريخيّ بالنسبة لي... منذ الآن قرّرت الشروع في إحترام أبي الذي لم أكفّ طوال حياتي عن إعتباره الأسوأ بين الآباء... طرأ عليّ هذا التحوّل منذ ساعتين فقط... ما أوردته صحيفة هذا المساء في ركن قضايا و حوادث، قلب نظري لأبي رأسا على عقب... تركت ليلي تفضي اليّ بهمومها، و لواعج صدرها. رغم غموض القضية، فقد ضبطت نفسي حتى لا أدع جارتي الأثيرة تتراجع عن وصفها لي بالمستمعة الجيّدة!
ـــ كان أبي، منذ عرفته لا يصلّي ولا يصوم ولا ينوي الحجّ حتى لو أستطاع له سبيلا" لن أحجّ كي أفعل ما فعله الحاجّ فلان الغشّاش، و الحاجّ فلان نهّاب أموال اليتامى..." هكذا كان يقول دائما ... كان أبي لا يفيق من السكر، الا بالقدر الذي يسمح له بالذهاب الي الشغل ثم العودة منه مثل خرقة ملوثة... كان يجب عليه أن يعـولنا. فقد كنا ستّ فتيات كنت أصغرهن سناّ وأقلهن جمالا... ظل أبي في سنواته التسع الأخيرة... بالتحديد منذ وفاة والدتي، يشرب الخمر حتي يفعلها على نفسه... حين نستيقظ في الصّباح، كنا نجده مرميّا على بلاط حجرتنا الوحيدة التي كان يحتلّ ركنا منها، كنت أحتقر أبي وأصفه في كل مناسبة بالتهتّك و الإنحلال، لكنني منذ اليوم سأسمّيه قدّيسا .
حين أتمت كلامها فردت صفحات" أفتن بوستن " ثم طفقت تقرأ بصوت مرتعش:
" قضت محكمة أوسلو العليا صباح أمس، بالسجن النافذ على إمام شيعي في الأربعين من العمر، بعد إعترافه باغتصاب ولده البالغ من العمر ثماني سنوات لمدة سنتين كاملتين، مع العلم أن المدان عاطل عن العمل و يعيش منذ عشر سنوات على الضمان الإجتماعي. كما انه متزوج بطريقة غير قانونية بثلاث زوجات إحداهن سويدية"!
التعليقات (0)