حصار الشعوب:
مآسي الشعوب لا تنتهي أبدا!...ومأساة اسطول الحرية الذي تعرض للهجوم الاسرائيلي الوحشي في محاولته احداث ثغرة بسيطة في جدار الحصار على شعب غزة،هو نقطة صغيرة في محيط المآسي البشرية!...ولكن هل هناك نهاية لتلك الآلام والاحزان؟!...الجواب بالتأكيد:كلا!...
ان من اقذر واحط الوسائل السياسية هي حصار الشعوب! وهي وسيلة مفضلة لدى المتخاصمين في نزاعاتهم الهمجية ولا تكلفهم شيئا! وهم يعرفون جيدا ان تلك الوسيلة هي بطيئة التأثير ومهلكة للابرياء ولكنهم مستمرون في الاصرار على استخدامها كلما سنحت الظروف وكأنه لا توجد وسائل اخرى غيرها!...
التاريخ الانساني مليئ بتلك الصور السوداء التي لا توجد ادنى صعوبة في استعراضها بسبب كثرتها وقلة المعترضين عليها!... لا بل ان الاجيال اللاحقة عليها لا تهتم حتى في اعادة الاعتبار للضحايا والثأر من المذنبين من خلال نشر غسيلهم القذر في صفحات التاريخ المكتوب!...ولكن مادام اننا نعيش في هذا الزمن فما علينا سوى تذكر حصار بعض الشعوب المنكوبة سواء بحكامها او بخصومها الذين لا يحترمون قواعد السلوك السوي في ادارة الصراعات،بل انهم يفتقدون لكل صفات الفروسية واخلاقياتها النبيلة! وخاصة في اعفاء الابرياء من آثار الصراع ومآسيه...
قد يكون حصار الشعوب وسيلة متعارف عليها قديما من وسائل الانتقام لدى المتخاصمين بالرغم من ان المبادئ الدينية والاخلاقية والانسانية ترفضها جملة وتفصيلا!...ولكن الاسئلة الكبيرة التي تطرح نفسها دائما وبعلامة أستغراب كبيرة! هو:لماذا يشترك المحايدون او من ليس لهم علاقة بالصراع في ذلك الحصار؟!!ولماذا لا يراجعون انفسهم في مواقفهم المخزية على الاقل اعلاميا كاذبا؟!.. بل لماذا يكونوا اكثر قسوة من الخصوم انفسهم في تطبيق اجراءات الحصار الظالمة بالرغم من قوة الاواصر بينهم وبين المنكوبين؟!...الا يدل ذلك على خرافة وجود امثال تلك الاواصر بل وهزلية القائلين بها؟!...هل ماتت كل المشاعر الانسانية لدى الشعوب المتفرجة وهي ترى شعوبا اخرى محاصرة لاسباب واهية فأصبحت تساق كالخرفان في مصالخ الذبح الدولية؟!...يعني اسئلة لا حصر لها تطرح نفسها وبقوة دون ان تجد من مجيب لها ومع ذلك نرى انفسنا في اغلب الاحيان ونحن ننافق في تكرار عبارات التضامن والتوافق بين الشعوب!...
من السهولة القول ان معاقبة الخصم تتم في الاجراءات التي تتعلق بالخصم الحاكم نفسه دون ان تصل الى الابرياء...والوسائل عديدة منها منع السلاح وسفر المسؤولين او تحريك الدعاوى القانونية ضدهم،وبالتالي تصبح عملية عزلهم فعالة التأثير،ولكن جعل الحصار يشمل ايضا المواد الغذائية والطبية وحرمان الشعب من كل وسائل عيشه الكريمة...هي بحق ليس فقط همجية بل غباء لكون الشعب المحاصر سوف ينتظر الفرص للانتقام كما حدث للشعب الالماني بعد الحرب العالمية الاولى،والتي استفاد الحلفاء من درسها بعد الثانية التي كان من الممكن تجنبها بقليل من الحكمة والرحمة...
اذا حصرنا حديثنا بحصار غزة ومن قبله حصار العراق...فسوف نرى ان اشد المساهمين في الحصار هي الدول العربية الاخرى نفسها،سواء اكانوا حكاما او شعوبا! بل اصبح الخصوم(اسرائيل والدول الحليفة لها) هم ارحم بكثير من الدول العربية في اجراءات الحصار! ويمكن قراءة التقارير الغربية المستمرة في من يدفع المال لتطبيقه او يحث على استمراريته، ولا يمكن نكران هجرة ملايين اللاجئين الى الغرب نفسه!...
لم يزول جدار برلين الا بعد تحرك الشعب الالماني لازالته عام 1989!... ولكن هل رأينا ملايين شعوبنا التي تنمو بصورة مخيفة تقوم بفتح الحصارين بقوة تحركها الشعبي بل فقط بصراخها؟!...الجواب كلا!...فأين هي جعجعات الاحزاب اليسارية واليمينية ومواعظ رجال الدين التقليديين والثوريين وجيوش الاعلاميين والمثقفين الفارغة في المشاركة الصامتة في اجراءات الحصار نفسه؟!...
لقد وصل الامر الى منع ابسط مقومات الحياة على المحاصرين من جانب (الاشقاء) وبصورة تدعو الى الدهشة من مستوى الانحطاط!...
لا نحتاج الى امثلة!...لان الصامتين هم مساهمين في ديمومة مآسي الحصار نفسه!...ولذلك فهو شيئ طبيعي من ان نرى الشعوب العربية قبل غيرها هي راقصة محترفة في حفلة صاخبة على انغام الضحايا لان حكامها بالدف ناقرة!!!...
التعليقات (0)