حسن نصر الله .... ما بين سطح وجوف الأرض
بعد إلقائه لخطابه أمس الجمعة 14 يونيو 2013م بمناسبة "يوم الجريح المقاوم" أعلن أمين عام حزب الله اللبناني، حسن نصر الله، أن حزبه سيبقى مشاركاً في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا إلى جانب قوات نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
الخطاب الذي ألقاه حسن نصر من مكان مجهول قد يكون داخل لبنان أو داخل إيران . وجرى بثه لجماهير أتباعه عبر شاشة عملاقة خلال احتفال حزب الله بالمناسبة أعلاه في الضاحية الجنوبية لبيروت ، هذا الخطاب ؛ وهذه الحالة الفيزيائية الماثلة " لحضور" الأمين العام " الغائب " تثير عدة علامات إستفهام حول مدى إمكانية زعيم حزب مّـا على التفاعل مع أتباعه عبر شاشة تلفزيونية عملاقة ، عوضا عن اللقاء الجماهيري المباشر وجهاً لوجه كما هو سائد ومتعارف عليه ومشاهد في كافة أصقاع الدنيا.
يبدو أن حسن نصر لايدري أن سوريا ستكون في واقع الأمر الشرك والفخ الذي ينقاد إليه جيشه بتعداد 15,000 منهم ..... وحيث لا أظن بقدرة هؤلاء على الخروج من سوريا بنفس السهولة التي دخلوا بها ....
أفلحت إسرائيل والولايات المتحدة إذن في إخراج مقاتلي حزب الله اللبناني من سراديبهم وأنفاقهم تحت الأرض اللبنانية إلى سطح الأرض السورية المكشوفة ؛ حيث تنعدم الأنفاق والغطاء المدني والمجال الحيوي ...
تبدو المسألة إذن جَــرّ رجــل .. تمهيداً لإبادة أقصى ما يمكن إبادته منهم ؛ توطئة لإعادة الورقة الشيعية إلى نفس المربع الذي كانت تلتصق فيه عام 1975م ... العام الذي إنطلقت فيه شرارة الحرب الأهلية اللبنانية.
أن تضرب وتهرب داخل بلدك ثم تختفي وسط أهلك شيء .. وأن تخرج من الأنفاق لتحتل أرضاً (كانت أرضك أو لم تكن) ؛ وتبقى فوق السطح هو شيء آخر مختلف تماماً ..
وربما يكون في ذلك التفسير المنطقي لخروج الولايات المتحدة عن صبرها "المفتعل" . وإعلانها مؤخراً تزويد الجيش السوري الحر بالسلاح . والذي سيكون أهم معداته صواريخ مضادة للطائرات الحربية الروسية الصنع؛ تؤدي إلى إخراج طيران بشار الأسد من ساحة المعركة . وتحرمه بالتالي من أهم أسلحته الإستراتيجية في هذه الحرب الأهلية الطائفية المكشوفة.
وعلى نحو متسق مع الوضع ، خرج علينا الرئيس الروسي بوتين ليعلن مباشرة : "أن بقاء بشار الأسد على كرسي الحكم في سوريا فيه مصلحة لإسرائيل".
أدرك الـ KGB إذن تفاصيل الخطة الأمريكية الإسرائيلية لإلحاق الهزيمة النهائية بحزب الله اللبناني ، الذي ظل عصياً على شارون على مدى عقود من السنوات ، بسبب إعتماد هذا الحزب على إستراتيجية حرب الأنفاق والعمق المدني . وتكتيك الهجمات الصاروخية التي تحدث هـزة نفسية عنيفة داخل المجتمع الإسرائيلي وتحول دون تنفيذ إسرائيل لخططها بشأن الإستيطان الفاعل في الشمال المتاخم للبنان.
حسب قناعاتي ومن خلال قراءتي لتاريخ الشعوب . فلايمكن هزيمة شعب داخل أرضه بأية حال من الأحوال .. طال الزمن أو قصر... حتى لو أفلحت الجيوش الغازية في إحتلال كل الأرض...... النصر في نهاية المطاف سيكون لمصلحة الشعب السوري في توجهه الأغلب العام.
حسن نصر الله فاتت عليه هذه الحقيقة ... ونسي أن مقاتلي حزب الله ليسوا بأبناء للأرض السورية أو شعبها فوق السطح. وبالتالي فإن هذه الأرض السورية لن تضمهم إلى حضنها حتى لو جاءوا لها بلحم طير الفردوس الأعلى ونهر خمرها وماء الكوثر ... ناهيك أن يأتوا لها بالدمار والحرق والقتل والإساءة إلى رموزها الدينية.
حسن نصر الله خلط بين الضاحية الجنوبية وجنوب لبنان وبين القصير وحلب وعموم التراب والمجتمع السوري .....
لو دخلت شوكة في جسد إنسان ولم يتمكن من إخراجها على الفور فإن جسده سيلفظها بطريقة ذاتية في نهاية المطاف .
........ هذه طبيعة الأشياء ولن تجدوا لسنة الله تبديلا.
إسرائيل بجبروتها وتفوقها العسكري والتكنولوجي والإستخباراتي والمالي لم تتمكن من البقاء في لبنان ، الذي كان ولايزال الطرف الأضعف في معادلة دول المواجهة ..
والسوفيت لم يتمكنوا من البقاء في أفغانستان . على الرغم من إستخدامهم كل ما تعرفه البشرية وما لا تعرفه من الأسلحة الفتاكة والقوة المفرطة وبطش الإستخبارات والأجهزة الأمنية.
الولايات المتحدة بكل ما تحمل قواها السوبر ، وإمكانياتها المادية والبشرية والتكنولوجية التي تفوق الخيال ؛ لم تتمكن من البقاء في فيتنام .... وهي تتجرع الهزائم والمرارات الآن في أفغانستان .....
فما بالنا بحال ومصير حزب الله اللبناني المحدود الإمكانيات البشرية . والذي يعتمد مالياً وتسليحيا على إيران بنسبة 100% ؟ ...
أعتقد أن حسن نصر الله يكتب الآن شهادة وفاة حزب الله بيده.
ربط حزب الله اللبناني نفسه في زورق غارق بمن لايجيد السباحة وسط أمواج عاتية داخل بحر لُجـّـي.
أصبحت أنفاس حزب الله اللبناني مرتبطة بما تبقى من عدد أنفاس نظام بشار الأسد ؛ وعلى نحو سيلفظ كلاهما أنفاسه الأخيرة في توقيت واحد... ولن يتوفر وقتها خيار آخــر.
حسن نصر الله إنتشى بسطوته في لبنان . فظن أنه بإمكانه مد نفوذه إلى سوريا التي تتميز بأنها ذات أغلبية سنية كاسحة ...
حسن نصر الله بقي زمنا طويلا تحت الأرض بعيداً عن سطح الأرض ولا يزال حتى تاريخه . ..... وقد كانت هذه الحالة التي يعيشها ببقائه تحت الأرض أهم أسباب الإنحراف في رؤيته للواقع المعاش فوق سطح الأرض. حيث تدب الحياة الحقيقية وتكتب الشعوب مصائرها الواقعية بعيداً عن الأوهام وأحلام اليقظة ......
وهكذا كان ولايزال بشـار الأسد هو الآخر الذي تربى داخل القصور وفي كنف والدته . وظل يتعامل مع الشعب السوري على إعتبار أنه إبن الرئيس والرجل القوي حافظ الأسد .
حافظ الأسد جاء من وسط الحرافيش وخرج للناس من باب الحارة... عاش وسط الناس وخبر الحياة . فعرف كيف بقضي على خصومه ، ويتعامل مع شعبه كراً وفراً ؛ وفق تحالفات بسمك شعرة معاوية مع الأغلبية السنية وغيرها من طوائف ومذاهب أخرى.
حافظ الأسد عرف كيف يصفي خصومه ومعارضيه في زمن غير الزمن الحاضر .... وظروف أخرى كانت وقتها مواتية ، لعل أبرزها واقع الحرب الباردة وإتساع العالم وقتها لممارسة الدول الصغيرة مهارة اللعب بين قطبين أحدهما الإتحاد السوفيتي والأخر الولايات المتحدة .
على كل حال فإن المتوقع أن تدوم هذه الحرب الأهلية الطائفية السورية طويلاً .. بل هي إلى سمات " الحروب الأهلية البطيـئــة " أقرب ما تكون .. لكنها بالمقابل ستنتهي إلى دمار شامل شبيه بالدمار اللبناني والأفغاني. وسيطال الدمار حزب الله اللبناني وينزع عنه سلاحه الذي أصبح غير شرعياً الآن.
أخيراً فإن الذي سيذكره التاريخ عن حزب الله اللبناني ؛ أنه لم يكتب له النمو والإستمرار طوال السنوات الماضية إلا بسبب تعاطف الأمة العربية والإسلامية معه بغض النظر عن كونه شيعياً من عدمه .. فقد كانت الأهداف المرجوة فيه الوقوف نداً لإسرائيل داخل لبنان ... ولكن وبعد أن إنحرفت الرؤى وتوجهات هذا الحزب ، وإعلانه لطائفيته العمياء وتبعيته الكاملة لإيران الفارسية ، فقد إقتضى منه ذلك توجيهه لسلاحه نحو صدر أغلبية الأمة العربية والإسلامية . فكتب بيده شهادة وفاته ؛ أو دخوله على أفضل تقدير في غيبوبة شبه كاملة وحتى إشعار آخر .. والله أعلم.
التعليقات (0)