مواضيع اليوم

حسن فرحان المالكي وثمن الرأي الآخر

بدر الشبيب

2010-04-16 13:05:38

0

حين يكون الإنسان بين خيارين: إما أن يلغي عقله ويرفض كل ما وصل إليه من نتائج من خلال بحوثه ودراساته إرضاء ومسايرة للواقع السائد، أو أن يحترم عقله ويقبل كل التبعات التي تبدأ بالاتهامات الكاذبة ومحاولات التسقيط، ولا تنتهي بقطع الرزق؛ فماذا يفعل؟

لقد وجد الشيخ حسن فرحان المالكي نفسه بين هذين الخيارين، فاختار بشجاعة أن يساير عقله لا الواقع، واختار أن يصدع برأيه رغم طلب بعض أصدقائه منه التأجيل والتلطيف والتهذيب والحذف، كما ذكر في إحدى مقابلاته، لأنه يرى أن الأمة بحاجة إلى أكبر قدر من الحقائق التي لا تقبل التأجيل.

ومن هنا بدأت قضيته، حيث لم يرضَ أصحاب الرأي الواحد الذين يعتقدون أنهم يمسكون بناصية الحقيقة بخروجه عن نصهم، وبدؤوا رحلة الثأر والانتقام من مروقه آملين أن يعود صاغرا إلى جادة صوابهم.

كان بإمكانهم أن يدخلوا معه في حوار تقارع فيه الحجة الحجة، بناء على قاعدة ( قل هاتوا برهانكم )، وقد أعلن الرجل غير مرة أنه مستعد للحوار مع خصومه، كل في مجال اختصاصه، مع التاريخي في التاريخ ومع المحدث في الحديث ومع العقدي في العقائد، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حين قبل بأن يكون خصمه في موضوع ما حكما في موضوع آخر، شريطة أن يجيبوا على كل أسئلته في الموضوع المختلف فيه، وأن يتم نشر الإجابات.

وكان بإمكانهم محاكمة أفكاره وآرائه التي بثها في كتبه ومقالاته محاكمة علنية حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ولكنهم لم يفعلوا ذلك، فقد اختاروا طريقا التفافيا لا يمت للفكر بصلة. ذهبوا إلى دفتر الدوام الرسمي وهناك اكتشفوا فجأة أهمية تطبيق القوانين ومراعاة الأنظمة في حق هذا المتغيب عن عمله غيابا غير قانوني لأكثر من أسبوعين، كأنهم لا يعلمون عن مئات الحالات التي يغمض فيها النظام عينه عن متغيبين لفترات أطول وأطول.

وهكذا فصلوه من الوظيفة ليستريحوا من عناء مناقشته وجداله، فليس أسهل من استخدام الإنسان سلطاته ليقمع الرأي الآخر.

وبرغم حكم ديوان المظالم له بعد سبع سنوات بالعودة إلى عمله بناء على أن غيابه كان بسبب تكليفه بمهمة رسمية، إلا أنه لم يعد، حيث تم نقض الحكم، كأن سبع سنوات عجاف مرت على فصله تحتاج إلى سبع أخرى – لا سمح الله – ليأتي عام فيه يغاث المالكي.

كل ذنب المالكي أنه جهر برأي مخالف، ولم يقبل إلا ما يمليه عليه علمه وضميره، فكان عليه أن يتحمل الأذى والتهم المتناقضة والفصل من الوظيفة.

لا أدري كم سنة سنحتاج حتى نكتشف أن الرأي المخالف ضرورة وجودية، إذ من خلاله نكتشف صحة أو سقم ما نعتنقه من آراء.

في العام 1527 م حصل الرهبان الأسبان على إذن من رئيس محاكم التفتيش بفحص كتب إيراسموس، وبعد الفحص والتدقيق اتهموه بالزندقة وأن كتبه تحتوي على التشكيك بالعقائد. ثم احتاج الأمر إلى قرنين ليكتب فيما بعد وبالتحديد في عام 1713 م أحد علماء الكاثوليك كتابا عنوانه: ثناء على إيراسموس وتبرير له.

وللعلم فإن إيراسموس يعد اليوم زعيم النهضة الأوروبية، أنصفه عصر التنوير الذي قدر أهمية الرأي الآخر.
سؤال بريء: متى سينصف الشيخ حسن فرحان المالكي؟

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !