إشارة : ببالغ الحزن تنشر أسرة موقع الناقد العراقي هذه المقالة للشاعر “حسن النواب” عن محنة الأخ والصديق الناقد “هادي الربيعي” الإنسان الإنسان. ومن المعيب والمخجل أن تبقى المرجعيات الثقافية المسؤولة متفرجة على محنة هذا المثقف المجاهد. نتمنى على الله أن يشد في عضد العصامي الربيعي كي يتجاوز محنته كما عهدناه ابدا.في مطلع الثمانينيات ولما كنت جنديا في الحرب التي اشتعلت مع إيران، تعرّفت على اسمه لأول مرة من خلال جريدة القادسية، حين كان ينشر في كل اسبوع حلقة نقدية تحتل نصف الصفحة الثقافية يتناول فيها تجربة شعراء عراقيين، وحرصت على متابعة ما يكتب خاصة وان الجريدة كانت تصل الى السواتر المتقدمة من الحرب، وكانت المفاجأة حين كنت اتمتع بإجازة عندما اخبرني صديقي القاص علي حسين عبيد، ان الأديب الذي اتابع حلقاته النقدية انما يعيش في مدينتنا كربلاء، ويعمل كموظف تدقيق في دائرة البريد، لم اتأخر عن زيارته في الطابق الثاني من بناية البريد، استقبلني بترحاب حنون وجلست معه لساعة من الوقت أخبرني خلالها، انه يقيم في كربلاء منذ مطلع السبعينيات وله مجاميع شعرية عديدة كما انه يعدُّ برنامجا اذاعيا بعنوان البريد الأدبي يعنى بالأدباء الشباب ويقدم من اذاعة بغداد ان لم تخن الذاكرة، وتوطّدت علاقتي معه اذ كنت احرص لزيارته في كل اجازة احصل عليها من جبهة الحرب، وعرفت فيما بعد ان النظام السابق ابعده من مدينة البرتقال الى كربلاء بسبب نشاطه السياسي وانتمائه الى الحزب الشيوعي في ذلك الوقت، مثلما تم ابعاده عن التدريس الى وظيفة اخرى، وهذا القرار المجحف حدث مع الكثير من الأساتذة الذين كانوا ينتمون للحزب الشيوعي ومنهم استاذي في اللغة العربية جبار الخفاجي الذي اصبح موظفا في دائرة عقارات الدولة والشاعر المعروف محمد علي الخفاجي الذي اصبح بوظيفة مخمّن في عقارات الدولة بالعاصمة بغداد، ورب ضارة نافعة، حيث ازدهرت حياة الخفاجيين بينما سوء الطالع ظل يلاحق شاعرنا بوظيفته الحسابية حتى احيل على التقاعد، وفي احدى الزيارات الى مكان عمله عرضت عليه قصيدة كتبتها في الجبهة كانت بعنوان مجاهيل الفتى، واعجبته القصيدة وقرر ان يكتب عنها ثم ارسلها الى جريدة القادسية الإسبوعي التي كان يشرف عليها الكاتب احمد هاتف، وكنت اترقب نشر تلك المادة على احرّ من الجمر في الجريدة، كونها تعلن عن ولادة شاعر جديد، لكن الأسابيع والشهور مضت دون اي امل بنشر مقالته عني، ولما التقيت بأحمد هاتف سألته عن السبب بإحجامه عن نشر المقالة اجابني بفتور ان وقتها لم يحن بعد، ومضت السنوات ولم تنشر تلك المقالة، حينها تمكنت من ايجاد مساحة لنشر قصائدي في جريدة العراق، الأمر الذي افرح كثيرا شاعرنا القابع في مبنى البريد،وشاءت المصادفة ان تظهر مجموعتي الشعرية الأولى عند دار الشؤون الثقافية متزامنة مع صدور مجموعة شعرية جديدة لطاغور كربلاء، واعني الشاعر الذي كنت اتردد على زيارته في مبنى بريد كربلاء، ولما قدمت مسرحية الشاعر والحرب على مسرح حقي الشبلي في المدينة وبدعم من ضمير كربلاء الشعري محمد زمان، حضر العرض طاغور كربلاء والقى كلمة مؤثرة وجريئة بعد نهاية المسرحية قال فيها اشهد انك قد قلت مالم يقله سواك ياحسن النــوّاب. وكانت شهادة لها وقع كبير على نفسي، وقبل ايام شاهدت صورة على فيس بوك اوجعتني كثيرا، كانت الصورة لطاغور كربلاء الذي باغته سرطان الكبد واحال وجهه المضيء الى ليمونة ذابلة، وقد احجم عن تناول جرعات الكيماوي بعد ان تدهورت صحته الى الأسوأ منتظرا الزائر الأخير، شعرت بالأسف لأن الحكومة ممثلة برئيس وزرائها او وزراة الثقافة لم تأبها لحالته المرضية الخطيرة، بل حتى اتحاد ادباء العراق لم يتفقده بهذه المحنة الكبيرة التي يعيشها، وهو الأديب المبدع الذي نذر حياته لخدمة الثقافة واصدر اكثر من ثلاثة عشر كتابا في الشعر والنقد والرواية اضف الى خدمته الطويلة في الصحافة والإذاعة، هذا الأديب الذي كان متأثرا جدا بأشعار طاغور، والذي اراه طاغور كربلاء بقصائده الروحية والصوفية والعذرية والحسينية والوطنية التي دوّنها على مدار حياته الشاقة والمعذبة مازال يقبع في بيته منتظرا عربات الآلهة عسى تحمله الى فراديس السماء بعد ان يئس من اي رجاء مقبل من الحكومة، ولولا زيارة بعض الأصدقاء له لمات مبكرا من الكمد، انه الشاعر القدير هادي الربيعي ايها الناس، الذي يستحق الكثير الكثير لعطائه الزاخر والثر والنادر، عسى الحكومة تعرف ان هناك مبدعا لن يتكرر بسهولة ينهشه المرض في مدينة غريب كربلاء وهو القائل ياغريب الدار لاتلم نحن اطياف على العدم، شفاء عاجلا اتمناه لك ياطاغور كربلاء.
التعليقات (0)