حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا...
في أحيان كثيرة من تفاصيل حياتنا اليومية، نجد أنفسنا نسلك سلوكات مختلفة دون أن نتوقف ولو للحظة واحدة للبحث في دلالات ومعاني أفعالنا... فالمرء يحب ويكره لأن الناس من حوله يحبون ويكرهون، ويتزوج لينجب أطفالا لأن الآخرين يتزوجون أيضا، ويشتغل من أجل اعالة أسرته لأن المنطق العام يسير في هذا الاتجاه....
قد يقول قائل : وماذا في ذلك؟. أو وماذا عساه يفعل غير ذلك؟. واحقاقا للحق، لن أجد أجوبة شافية عن مثل هذه الأسئلة. لكن الذي أود توضيحه في هذا المقام هو تلك السلطة الواسعة التي تحظى بها العادة بيننا. وكأن هذا العالم منذ خلق آدم يسير وفق نظام حياتي متواتر وموروث، يتخذ من شعار : "حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا" منهجه العام. وعندما تكون مهمة الانسان في الحياة هي السير على هدى هذا النظام الجاهز، تصبح أسئلة الحرية والعقل والاستقلالية أكثر الحاحا. والسلوك وفق العادة أو سنة الأولين لا يتوقف عند تلك الأمثلة التي سبقت الاشارة اليها أعلاه. ان الأمر بات يتجاوز ذلك الى كيان المعنى الوجودي للانسان نفسه. وهكذا أصبحت أعراف وتقاليد السابقين قانونا لا يعلى عليه في عدد من الحالات... ويجد الفرد نفسه منخرطا في هيستيريا جماعية باسم العادة والمألوف. وليس في هذه الملاحظة دعوة الى القطيعة مع عادات وتقاليد أجدادنا. والا فلا معنى للهوية بدون ذاكرة جماعية تتجلى عبر العصور والأزمان في سلوكات، هي من صميم تجربة الحياة الخاصة بجماعة بشرية دون أخرى.
ان ما ينبغي أن يخضع للتساؤل والفحص العقلي، لا يتعلق بالسلوكات الجماعية التي تعبر عن جوهر الشخصية الانسانية وامتدادها البعيد في التاريخ، وانما ما يتجلى في كثير من الممارسات التي تشرعن باسم الماضي والموروث التاريخي، لكنها تمنع العقل من التفكير والابداع والتحرر من سجن ذلك الموروث. وهو ما يعني ضرورة القطع مع كل أنماط السلوك التي لا يقبلها العقل والمنطق السليم. وكثير من المشاهد اليومية تثبت مدى التأثير الذي تلعبه العادة في كثير من المناطق في مجموع العالم الاسلامي. والمثير في الأمر أن أغلب تلك العادات والتقاليد ترتبط بتأويلات معينة للدين بالدرجة الأولى... وبالرغم من أن القرآن الكريم جاء لينتصر للعقل والعقلانية، وذلك بمنطوق عدد كبير من الآيات الكريمة، فان بعض التأويلات التي تصنف في باب " البدع " بالقاموس الديني، أضحت بمثابة قواعد رسمية من الصعب اجتثاثها من العقل الجماعي للذين يمارسونها. وبالنظر الى قيمة الدين وحضوره في وعي ولا وعي الانسان المسلم، تصبح امكانية احداث القطيعة مع بعض العادات هدفا صعب المنال. ويزداد الأمر صعوبة بالنظر الى حجم الجهل والأمية الذي يبسط لواءه على العقول. وعندما تكون أغلبية أفراد المجتمع تحت رحمة الأمية، فذلك يعني مزيدا من تكريس سلطة العادة.
قد لا يكون التغيير أمرا بسيطا. فهو يحتاج لنضال كبير على مستويات مختلفة،ولنا في الآخرين خير مثال على ذلك. اذ لم تكن طريق الغرب المزدهر الى الحضارة مفروشة بالورود. لكن اعمال العقل وأدوات التفكير العقلاني التي تتجلى في طرح الأسئلة ورفض الأحكام القبلية الجاهزة والنقد الذاتي، هي الوسائل الكفيلة بتجاوز سلطة العادة وبمسح عدد من الممارسات البدائية التي تعرقل الرؤية الواضحة أمام الانسان سواء في علاقته بربه، أو مع غيره من البشر. وحينما يجد المرء نفسه قادرا على قول: لماذا؟؟ وكيف؟؟، فان ذلك يعني حتما أنها البداية لأن هذه الأسئلة تمثل ببساطة شديدة آليات العقل النقدي الذي مازال غائبا أو مغيبا عندنا.
محمد مغوتي . 15/03/2010.
التعليقات (0)