رائحة الصوف المبتل في قطارات المساء الشاتية شيء لا يعرفه إلا المسافرون على الحواف من المدن الكبرى. الماروّن حفيفاً على إطار الصورة البرّاقة الجميلة اللاهثة وراء الحداثة ومؤشرات الأسواق المالية. ولكل ذلك الأحترام والتقدير، ولكن ما ذنبي أن يكون قدري رعشة الحزن في مساء الثلاثاء !.
لا أعرف أين كنت ولكنني رأيتها كأنها لمسة من القدر، ومعراج ، يسبق الصوت والصدى، إلى الحزن النبيل.
حين أعلن الصوت أن القطار توقف بسبب مشكلة في المحطة المقبلة، ولا بد أن نغيره كي نصل إلى وجهتنا المنتظرة، نظرت إلى وكنت أجلس أمامها مباشر. قالت السيدة السمراء: " اليوم أفلست الشركة التي اعمل بها وذهبت حياتي... والآن هذا". وأطلقت زفرتها التي أحرقت عشرات من أجهزة التكييف المركزية.
لم أشعر بالرعب في حياتي مثلما شعرت هذه الليلة. شعرت بالرعب من نظرتها التي لا يمكن تفسيرها. مستودع من عشرات الدموع، ومئات الأسئلة التي ستواجهها هذه الليلة حين تعود إلى البيت. نظرة الحزين المستسلم الذي جاءه القدر على حين غرّه، ولا يعرف إلى أين ذهب. وأعترف أنني هربت، وهربت، ولكن إلى متى؟. لأول مرة تمنيت أن أملك ثلث ما يملكه "وارن بافيت" كي أقول لها بهدوء الخائف:"خذي كل هذا لك، وعودي إلى البيت... إلى الصغار المنتظرين".
وذهبت تحمل خيبتها وحقيبتها، وهربت كي لا أراها مرة أخرى. أيها الفقراء، أحبكم وأكرهكم في آن واحد. نسأل الله أن لا يرينا إياكم، ولا يرينا أي مكروه !
التعليقات (0)