على الرغم من کل التناقضات و التباينات و المفاجئات غير المتوقعة على الساحة العراقية، لکن ليس بالامکان أبدا الجزم بأن المشهد العراقي بکل خصوصياته الغريبة وتعقيداته، بإمکانه أبدا ان يرقى الى غرابة و إزدواجية و تعقيدات المشهد اللبناني، ولاسيما بعد أن إقترن التدخل السوري الصارخ هناك منذ العقد السابع من الالفية الماضية بتدخل إيراني أقوى و أخطر نفوذا منه، التدخل الايراني إستدعى حضورا أکبر و أشمل للعديد من الاجهزة الاستخبارية في المنطقة و العالم في هذا البلد الذي يبدو أن ظلالا من القلق و التوجس و الحذر قد باتت تلفه، بعد التداعيات و الافرازات التي نجمت و تنجم عن قضية إغتيال رئيس وزراء لبنان الاسبق رفيق الحريري والتي هي وفي کل الاحوال لن تخرج مطلقا من المحور السوري ـ الايراني و حليفهما القوي حزب الله. ويبدو جليا للعيان أن حزب الله ومن خلال التصريحات المتباينة لقادته لن يستسلم او يرضخ بسهولة لرمي کرة النار في حضنه ويجعل من نفسه ورقة محروقة او کبش فداء، إکراما لصفقات دولية او إقليمية محددة، وانما سيقف وقفة تسعى لإفهام الفرقاء و الاطراف الاقليمية و الدولية ان هذا الحزب مازال بکامل عافيته وانه مستعد لخوض غمار أية لعبة او مواجهة"ضروس"مهما کلفه ذلك.
اطراف دولية و عربية سعت و تسعى لإنجاز سيناريو يمهد بصورة تدريجية لإضعاف و إقصاء حزب الله عن المکانة و المرکز الذي يتبوأه حاليا، لکنها(أي هذه الاطراف)، تحاول إتمام الامر عبر طرق غير مباشرة وهي بذلك قد لاتحظى بمرادها بسهولة ولاسيما وان الرصد الامني لحزب الله قوي بدرجة انه يکاد أن يشم رائحة مايعد له في مطابخ عربية و دولية و يسعى ليس لإجهاض مثل تلك السيناريوهات وانما أخذهم على حين غرة بسيناريو(لاعالبال و لاعالخاطر)، خصوصا وان الحليف الاکبر و الاقوى لحزب الله مازال بحاجة ماسة جدا لبقاء هذا الحزب(الاقوى)على الساحة اللبنانية وعدم المساس به مهما کلف الامر، ومن هنا فإن هناك تنسيقا غير مسبوقا بين طهران و قيادة حزب الله من أجل توحيد الجهود لمواجهة خيارات و احتمالات المرحلة الجديدة، ويقينا أن ضخ شرايين الحزب بدماء جديدة هو أمر حيوي و استراتيجي لابد منه بإتفاق الطرفين وان حالة الدعة و الهدوء التي مرت على لبنان منذ حرب صيف ٢٠٠٦، قد أسبغت نوعا من الکسل و الخمول على المحاربين العقائديين لحزب الله مما بات ضروريا رفع همة و معنويات هٶلاء من خلال محاربين جدد لايلوون على شئ من أجل تحقيق النصر، ولم يجد حزب الله خيارا سوى اللجوء لکورد لبنان، وقد دفعه ذلك عدة أمور من أهمها:
ـ انهم أقليـة محرومة و مهمشة الى حد کبير و يعانون من فقر و حرمان مفرطين مما يسهل کسبهم عبر الطريق المادي.
ـ لأن هذه الاقلية محرومة و مهمشة و لاتمنح فرصا مناسبة، فإن المظاهر السلبية من قبيل الفتوة و التفنن في إستخدام الاسلحة و السکاکين و التورط في المجالات السوداء و غير القانونية، فإن شبابها يکونون مادة خام جيدة فيما لو إعدادها بصورة مناسبة.
ـ طهران التي سبق لها وان إستفادت من الکورد الايرانيين(السنة) المحرومين و المهمشين أيضا، عبر إقامة معسکرات خاصة لهم لإعداد نماذج عقائدية على شاکلة مقاتلي(القاعدة)، ومنح رواتب شهرية مغرية لهم تجاوزت ١،٥٠٠ دولار وهو مبلغ کبير جدا قياسا لداخل إيران و عملتها الهزيلة أمام الدولار، ومن هنا فقد نصحت طهران حزب الله بأن تستفاد من توظيف الکورد لهذا الغرض لکن بطريقة أکثر تأثيرا و قوة قياسا للوضع في لبنان.
ومن هنا، فقد بدأ حزب الله اللبناني بعمل مکثف و دٶوب من أجل إستمالة الشبان و اليافعين الکورد و کسبهم عبر مغريات مادية ومن ثم العمل بهدوء من أجل غسل أدمغتهم و اعدادهم من أجل أهداف و برامج الحزب، وقد نجح الحزب في جعل معظم هٶلاء الذين کسبهم عن هذا الطريق شيعة، وان الارقام و بشهادة اوساط لبنانية مطلعة في زيادة مضطردة حتى أن بعضا من هذه الاوساط تٶکد بأن عدد الکورد الذين قام حزب الله بجعلهم شيعة قد تجاوز رقم الثلاثة آلاف والعمل لايزال مستمر و بنشاط دٶوب. وقطعا أن المسألة الطائفية في مجتمعات محرومة و مهمشة تکتسب أهمية خاصة جدا و تصل الى حد الخط الاحمر، ومن هذا المنطلق فإن شيوخ و کبار رجال الاقلية الکوردية اللبنانية لم تستسغ و تتقبل هذا الامر بل وانها سعت وعبر طرق مختلفة للوقوف ضده حتى وصل الامر الى حدود المواجهة المسلحة کما حدث في تلك المواجهة الدامية التي جرت في اواخر شهر آب الماضي بين بعض من مقاتلي حزب الله و مقاتلي الاحباش(وهي جمعية للمشاريع الخيرية ومعظم أفرادها من الطائفة السنية)، حيث أن معظم الذين قاتلوا من الجانبين قد کانوا من الکورد، کما أکدت اوساط لبنانية و مصادر استخبارية مطلعة، وقد کان سبب إندلاع المواجهة هو محاولة ثني اولئك الشبان الکورد الذين تشيعوا عن مذهبهم الجديد و إعادتهم لمذهبهم القديم، وهي مواجهة خلفت ورائها العديد من القتلى و الجرحى واضرارا مادية ملحوظة، لکن وعبر مشاورات مکثفة و سريعة بين حزب الله و الاحباش، تمت لفلفلة تداعيات المواجهة و عدم السماح بالمزيد من تسليط الاضواء عليها سيما من الجانب الاعلامي الذي تم حجبه بطرق و وسائل متباينة يتفنن بها حزب الله.
تشييع السنة الکورد في لبنان وجعلهم وقودا لمغامرات و حروب حزب الله، هو آخر تقليعات المشهد السياسي في لبنان وآخر مفاجئات السيد حسن نصرالله للسيناريو الجديد الذي يعمل الحزب حاليا عليه من أجل مواجهة سيناريو المحکمة الدولية، وفي کل الاحوال، فإن حزب الله وان حقق نتائج أقل مايقال عنها باهرة في مجال غسل أدمغة الشباب الکورد في لبنان بسبب من فقرهم و حرمناهم، لکن، يقينا بأن هذه اللعبة القذرة و المرفوضة على الصعيد اللبناني لأسباب عديدة، سوف تواجه برفض کبير ليس من جانب الکورد"لأن ذلك قد حدث لکنه مصادر لأسباب مادية و اعلامية"، وانما من جانب دول المنطقة و منظمات واحزاب ذات طابع سني حيث يعتبر ذلك إحتمال وارد جدا في ظل مستجدات الاوضاع في المنطقة بشکل عام و لبنان بشکل خاص.
التعليقات (0)