بين الاعوام 1990-1991 وبين (حرب العراق الثانية) هاجر مئات الكوادر من العراق والدول العربية الى بريطانيا وانخرطوا هناك في العمل السياسي الديمقراطي وسط الجالية العراقية التي يصل تعدادها الى أكثر من مليون انذاك ..وارتبطوا بعلاقات مع قوى عربية ودولية.. تمخضت التحولات الكبرى بعد وفاة الخميني وحرب العراق الاولى عن قرار حزب الدعوة انها في حل من التزامها بقيادة الخميني الذي كانت نصت على ولايته بالاسم في نظامها الداخلي..والغى الحزب منصب الناطق الرسمي واستبدلته بثلاثة ناطقين:ايران (علي الاديب) وواحد في بريطانيا عن اقليم اوروبا (ابراهيم الجعفري) وواحد في سوريا عن اقليم الشرق الاوسط (نوري المالكي)
هذه الاسماء هي ابرز قيادة حزب الدعوة منذو نشئته
واليوم الانقسام والخروج عن حزب الدعوة الذي قاده ابراهيم الجعفري ، يطرح موضوعاً هاماً تعاني منه كل الأحزاب في دول العالم الثالث وبخاصة العراق .
فهناك العديد من الأسباب التي تجعل الأحزاب السياسية في العراق ، بلا استثناء ، تبدو وكأنها أحزاب رجال لا مؤسسات يكون الولاء فيها للقيادة دون الحزب : -
أولاً : التركيبة الاجتماعية للمجتمع العراقي التي مازالت تقليدية الولاء فيها للقبيلة أو الحوزة الدينية أو الزعيم الديني .
ثانياً : قيام الأحزاب الرئيسية على أسس أيديولوجية سواء كانت أحزاب تعتمد في جماهيرها على طوائف دينية أو قامت علي أسس من الأفكار الأيديولوجية .
ثالثاً : قلة فترات العمل العلني والمشروع للأحزاب السياسية حيث نجد أن طبيعة العمل السري تخلق نخبة في القيادة ، أو أن مواجهة النظم الديكتاتورية علناً تخلق قيادات استثنائية تلتف حولها الجماهير .
والمعروف عن السيد/ ابراهيم الجعفري أنه من القلائل الذين يمارسون العمل السياسي الحزبي بطريقة عقدية تشبه إلى حد كبير ممارسة قيادات الأحزاب العقائدية في العراق مثل الشيوعيين والإسلاميين والقوميين العرب وغيرها من القوى، بالإضافة الى أن الظروف الاستثنائية التي فرضها العمل المعارض الخارجي خلقت منه قيادة استثنائية نشطة ومتحركة ، الأمر الذي جعله يدخل في صراعات متعددة مع مختلف القوى السياسية الأخرى وصراعات داخل حزب الدعوة نفسه. إلى جانب أن وقوفه علي رأس الداعين للتعامل مع النظام الجديد في العراق والذي وصل الى درجة المشاركة في الحكم في ضل الحاكم المدني بول بريمر ، خلق بعض التوتر بينه وبين شخصيات قيادية لها وزنها بحزب الدعوة تقف علي الطرف النقيض الآخر ، وهو الذي يمكن اعتباره السبب الرئيسي في تهيئة الأمر لإتخاذ الجعفري لهذا القرار الذي يحمل فيه كل معاني الفوضى والتسيب من رجل حزبي المفترض فيه أن يكون مثالاً للإلتزام باعتباره من الذين قادوا مسيرة الحزب الاستثنائية في الفترة ما قبل العودة الى الداخل وهو ادرى اعضاء حزب الدعوة بما يدور داخل اروقة الحزب فيما يتعلق بالمؤسسية واختيار القيادة عبر المؤتمر العام للحزب .
وقبل الخوض في تحليل التداعيات السياسية للانفصال الذي قاده ابراهيم الجعفري على حزب الدعوة الاسلامي نستصحب التالي :
1 / السيد ابراهيم الجعفري هواحد القيادة المنتخبة بواسطة المؤتمر العام لحزب الدعوة ولا يقدح منها تأخر قيام المؤتمر العام للحزب .
2 / الوضع السياسي في العراق يتطلب وحدة جميع القوى السياسية مع بعضها البعض ناهيك عن وحدتها وتماسكها الداخلية .
3 / حزب الدعوة الاسلامي يعول عليه كثيراً في عملية الحل السياسي الشامل وقيام المؤتمر الجامع للقوى على الساحة العراقي للقيام باامصالحة الوطنية والدخول في مثل هذه الأمور يقلل تماسكه وبالتالي يقلل من فرص أفضليته في المبادرة .
4 / هناك تياران داخل حزب الدعوة ، الأول يدعو إلى التعامل مع القوة المعرضة مباشرة إلى درجة إمكانية أشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، والآخر يرفض كل صور التعامل مع هذه القوى التي يعتبرها (قوة ارهابية) إلا عبر تسوية سياسية شاملة لقضيتي المصالحة والديمقراطية .
وفي سياق النظر لهذا الأمر تبرز العديد من الحقائق :-
أولاً : الصراع بين التياران في حزب الدعوة حول المشاركة مع القوة المعارضة لم ينته بالإجراءات التسكينية التي أتخذت بعد عودة القيادات من الخارج ، بل أصبح بركان خامد سرعان ما انفجر ليهدد وحدة وتماسك الحزب لأن القيادة لم تتخذ موقفاً واضحاً ومعلناً حول أسباب ذلك الصراع ، وهو الذي قاد الى تلك الفوضي والتخبط طول فترة تزعم الجعفري للحزب .
ثانياً : الدعوة للاصلاح والتجديد التي نادى بها ابراهيم الجعفري قبل انشقاقه عن الحزب, وما صاحبها من تصريحات وبيانات واطلاق للشبهات جزافاً لم تحقق الأهداف المرجوة منها لأنها ليست الوسيلة المناسبة لمثل هذا الإصلاح ، فهناك أجهزة الحزب الموجودة ، بغض النظر عن رؤيتها للإصلاح ، كما أن هناك المؤتمر العام للحزب وهو صاحب القول الفصل في الأمر .
ثالثاً : دعوة السيد الجعفري التجديدية حينها بدت وكأنها دعاية سياسية لصراع قادم حول القيادة في الحزب مرة اخرى ، حيث جاء فيها برنامجاً انتخابياً طرح من خلاله السيد / ابراهيم الجعفري نفسه قيادةً وحيدة في حزب الدعوة الاسلامي ، ركز فيها على مدخلين هامين لكل أعضاء الحزب وهما : القيادة والتجديد فيها ، وإمامة كيان الأنصار ، فالسيد الجعفري / يستقطب الطلاب والشباب والمثقفين من خلال دعوته للتجديد ويعمل على كسب دعم آل الصدر وجماهير الأنصار بضربه على وتر المرجعية .
ولكن عدم قيام المؤتمر العام للحزب - لظروف موضوعية - وتسارع الخلاف بين التيارين المتصارعين فيه ، الى جانب تداعيات الأوضاع السياسية عموما في البلاد،ً والضبابية حول الحل السياسي الشامل وقضايا المصالحة والديمقراطية جعلت السيدالجعفري يحث الخطا ليستبق الأحداث ويعلن خروجه عن حزب الدعوة الاسلامي ليكون حزباً جديداً يحقق من خلاله مناداته بالاصلاح و بالتجديد – كما اعلن !!! _ .
رابعاً : الجميع بما فيهم السيد المالكي التزموا بقيادة ابراهيم الجعفري لمسيرة حزب الدعوة، وبخاصة بعد أن تم الاتفاق بالتراضي بعد حوار كبير شاركت فيه القيادات بالداخل والخارج في طهران وكان ذلك بعد عودة ابراهيم الجعفري الى بغداد . والقول بأن ماقام به الجعفري - ومن تبعه - يشبه ما قام به السيد/ سامي البدري وجماعة بغداد في العام 1967 وهنا فيه قياس مع الفارق حيث أن سامي البدري في صراعه مع السيد عارف البصري عندما نادى بفصل المرجعية الدينية عن قيادة الحزب كان حيينها إمام انصار الدعوة هو الذي يدير الحزب ولهذا كان الأنصار ينظرون إلى تلك القيادة بقدسية ويرون في مخالفة أوامرها مخالفة للدين ، واليوم ان خروج ابراهيم الجعفري ومن تبعه في ذلك عن حظيرة حزب الدعوة الاسلامي يضمن لهم المضي بحرية لتحقيق اهدافهم السياسية وهذا حق مكفول ما دام ارتضوا ذلك بعيداً عن حزب الدعوة، ولكن كان من المفروض ان تقوم تلك الجماعة باعلان أهدافها السياسية صراحة دون التخفي وراء شعارات عامة فضفاضة ، حيث أن الأهداف المعلنة التي وردت في بيانهم يمكن تحقيقها بالعمل من داخل الحزب نفسه عبر مؤسساته ومؤتمره العام وليس بالخروج عنه ، اللهم الا إن كانت اشياء اخرى خفية.
عموماً من المعروف تاريخياً أن هناك انقساماً واحداً في حزب الدعوة الاسلامي حدث في أواخر الستينات وهو الانشطار الذي أعطي الحياة لحزب الدعوة الا ان القشة التي قصمت ظهر البعير في العلاقة بين الحزب والمرجعية تمثلت في تخاذل الحزب عن الوقوف خلف السيد الحكيم حين قاد المواجهة مع نظام البعث(1969-1970)على عكس الانقسامات التي حدثت في كثير من الأحزاب السياسية وأثرت على أدائها السياسي إن لم يكن على وجودها أصلاً .
عليه يمكن النظرالى هذا الخروج من جهة انه يحقق لحزب الدعوة الاسلامي استقرار سياسي وتنظيمي في مرحلة الانتخابات النيابية المقبلة ، ويجعل من السهل الحكم على مواقفه في كثير من الأمور التي كانت الرؤى فيها متضاربة بسبب الصاراعات الداخلية بين قياداته ، الى جانب أنه سيوضح أجندة نوري المالكي بما سيعلنه من أهداف وبرنامج سياسي لحزبه القادم إن كتب له الاستمرارخصوصا والحملة الانتخابية على الابواب.
ختاماً لا أحد يستطيع أن يفرض نفسه أو رؤاه على الجميع إلا من خلال ما يرتضيه الجميع ، عبر مؤسسات تنظيماتهم الديمقراطية ؟
التعليقات (0)