تونس ــ حزب التحرير: نشأته وأفكاره وعلاقته بالعنف
رايات سوداء كتب عليها "لا اله إلا الله محمد رسول الله".. رجال ملتحون.. نساء محجبات أو منقبات.. شعارات تراوح في أغلبها بين التنديد والرفض والوعيد هذا
حزب التحرير (التونسي) في ظاهره لكن أغلبنا لا يعرف باطنه.
هو حزب مثير للجدل تكاد تحركاته تقترن بممارسة العنف مثل ما حدث الأحد الماضي في "افريك آر" على خلفية عرض شريط "لا الله, لا سيدي" لكن أعضاءه ومسؤوليه يصرون دائما على براءتهم من العنف ويؤكدون تعرضهم إلى مؤامرة.
فكيف يمكن لنا أن نفهم هذا الحزب الشبيه حاليا بالظاهرة في بلادنا؟
"هو تكتل سياسي إسلامي يدعو إلى إقامة دولة الخلافة الإسلامية" وفق ما تعرفه موسوعة "ويكيبيديا" لكنه يبقى فرعا لحزب عالمي لهذا يتوجب علينا في البداية التعرف على أصله حتى نضعه في إطاره.
ولد في القدس
أشارت دراسة إسرائيلية حديثة نسبيا إلى أن حزب التحرير الناشط في فلسطين يكاد يصبح الكتلة الحزبية الأهم في الأراضي المحتلة مستفيدا من التناحر الذي ميز علاقة حركة فتح بحماس. ونبهت الدراسة إلى خطورة الأمر لأن حزب التحرير يصنف في المرتبة الأولى قبل حركة حماس من حيث الخطورة على أمن إسرائيل.
فحزب التحرير (العالمي أو الأم أو الإسلامي) ظهر لأول مرة في فلسطين على يد القاضي تقي الدين النبهاني.
هذا القاضي تأثر بما آل إليه العالم الإسلامي إثر سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية سنة 1924 فأسس حزب التحرير في القدس مطلع عام 1953 وسمّى القيادة السياسية في الحزب بـ"الإمارة" التي يتولاها "أمير ". وبقي النبهاني يقود الحزب حتى وفاته عام 1977 فخلفه عبد القديم زلوم حتى 2003 تاريخ وفاته وإحالة المشعل إلى الأمير الحالي الفلسطيني عطا خليل أبو الرشتة.
وامتد نشاط هذا الحزب فأصبحت له فروع في آسيا وأوروبا وبعض الدول الإفريقية مثل تونس.
وقد ظهر حزب التحرير في تونس عام 1973 وبقي ينشط في السر طيلة عشر سنوات ثم أعلن عن وجوده بإصداره دورية تحت عنوان "الخلافة" لكن أفراده تعرضوا إلى المحاكمة وتتالى تتبعهم حتى سنة 2009 دون أن يحصل إلى اليوم على ترخيص قانوني في النشاط.
نعم للخلافة.. لا للديمقراطية
لا نجد خلافا بين أفكار حزب التحرير الأم وبين بقية فروعه مثل الناشط حاليا في تونس فالهدف الأكبر توحيد المسلمين تحت مظلة الخلافة اعتمادا على "العمل السياسي والفكري" وهذا ما عبر عنه الناطق الرسمي للحزب في تونس رضا بلحاج بقوله خلال مؤتمر صحفي: "نعمل من أجل نظام قائم على الشريعة ومن أهدافه إعادة إحياء الخلافة... (لأن) مصيبة الأمة في إزالتها (الخلافة)".
ولا يؤمن هذا الحزب بالديمقراطية حتى إن الأمين العام عبد المجيد الحبيبي ذهب في مؤتمر صحفي إلى حد القول بأن حزبه "سيمنع الأحزاب الأخرى من التواجد في حال وصوله إلى سدة الحكم" كما وصف بقية الأحزاب بممارسة "الانتهازية أو النفاق....باسم اللعبة الديمقراطية"
و يصنف حزب التحرير الرأسمالية والشيوعية والإشتراكية ضمن ألد الأعداء.
وقد أدان حزب التحرير في تونس النقاش الدائر حول مكتسبات المرأة في تونس واعتبر أن "من يطرح موضوع المساواة مثلا في قانون الميراث يريد تهديم المجتمع".
حزب التحرير والعنف
يكاد حزب التحرير يرتبط بممارسة العنف في جميع تحركاته ونشاطاته واحتجاجاته لعل آخرها تهشيم قاعة "أفريك آر" والإعتداء على بعض مسؤوليها وروادها قبل تعنيف بعض المحامين خلال اليوم الموالي أمام قصر العدالة بالعاصمة.
لكنه أعضاءه لا يفوتون أي فرصة في الدفاع عنه والتأكيد أن "العمل المادي (العنف) لا يجوز لإقامة الدولة الإسلامية" وهذا يتناغم مع بيان أصدره الحزب في 21 فيفري الماضي تحت عنوان: "هذا بيان للناس ولِيُنذَروا به" جاء في احدى فقراته: "في هذا الوقت نعلن أن حزب التحرير.. حزب سياسي يستلهم أطروحاته وأفكاره وأحكامه من الإسلام العظيم، فعمله عمل سياسي وفكري بحت، فهو يعمل بين الناس ومعهم عملا سياسيا وفكريا ويطرح عليهم قناعاته الفكرية والسياسية معتمدا في إقناعهم على الحجة والدليل، دون أن يعمل أي عمل مادي لإكراه الناس وحملهم على تبني هذه القناعات. مصداقا لقول الله تعالى: {وما على الرسول إلا البلاغ المبين}.
لكن هذا الحزب لا يجد حرجا في القول إنه "لإنضاج الأمة يمكن اللجوء إلى التمرد والعصيان المدني".والتأكيد أن "في الإسلام من حق الأمة إزالة الحاكم حتى بقوة السلاح".
لنفهم هذا النوع من التضارب علينا بالعودة إلى بعض الدراسات التي تعرف حزب التحرير بأنه مراوغ جيد يعرف متى يظهر ومتى يستكين وكيف يبرر. وهو يجعل من نظرية المؤامرة نقطة أساسية في فكره أي أنه مستهدف من طرف جميع من يعارضونه الرأي وأنه ضحيتهم وأنهم يتسابقون على تشويه سمعته.
التعليقات (0)