لا بد من نقل الواقع كما هو، دون إضافات أو مواد تجميلية من شأنها أن تشوِّه الحقيقة أو حتى أن تلطّف من مرارتها.
"هؤلاء لا يستحقون سيارة واحدة بل عشر سيارات". هذا ما صدر كأول تعليق عن أحد مؤيدي الثورة السورية في لحظة غضب عارم انتابتهعلى أثر مشاهدته الصور المروّعة للمجزرة الأسدية الجديدة والأكثر هولاً وإرهابًا من نوعها منذ بداية الثورة، حيث حصدت أكثر من 9 آلاف مصاب و1300 شهيد ربعهم من الأطفال، قضوا تحت تأثير السلاح الكيميائي الذي استهدف به الجيش الأسدي قراهم الثائرة في غوطة دمشق الشرقية.
إذا كان لتلك الإبادة الجماعية من دلالة، فهي بالتأكيد تعكس مدى الدعم العالمي الذي يتلقاه الإرهابي الأوّل "بشار الأسد" في حربه على شعبه، إذ لا نرى تفسيرًا لهذا القتل الوحشي بدم بارد غير ذاك التأييد أو التفويض العالمي الذي يجعل من النظام الإرهابي يمضي مطمئنًا في ممارسة إجرامه، خصوصًا أن مسرح الجريمة يقع على بُعد 10 دقائق من مقر إقامة بعثة المفتشين الدوليين التي وصلت قبل يوم واحد الى دمشق للوقوف على حقيقة استخدام السلاح الكيميائي في خلال الثورة التي حوّلها النظام وحلفاؤه الى حرب إبادة مسعورة لكل معارض انتفض مطالبًا بحريّته وكرامته.
أما مجلس الأمن "البشّاري"، فلم يملك حيال هذه الجريمة الكيميائية أكثر من الإعراب عن قلقه دون تحديد الطرف المسؤول عن الجريمة، واعتبارها "انتهاكًا للقانون الدولي" فيما لو ثبت فيها استخدام تلك الأسلحة. ولا داعي للعَجب، فالمجتمع الدولي الذي لم تُحرّكه لنصرة الشعب السوري أرواح أكثر من مئة ألف شهيد على أقل تقدير موثقين بالأسماء، هل سيتحرّك اليوم لأن عددهم زاد 1300 قضوا بالكيميائي وفي يوم واحد؟!
ربما استطردنا في الحديث عن تلك الإبادة الجماعية الجديدة التي أستفاق على هولها العالم في 21/8/2013، لكن ماذا عن دلالة تلك العبارة الخطيرة ("هؤلاء لا يستحقون سيارة واحدة بل عشر سيارات")، التي صدرت كأول ردة فعل عن أحد مشاهدي المناظر المروعة لأطفال قتلى وكأنهم نيام، فضلا عن أولئك الذين لفظوا أنفاسهم الأخيرة أمام عدسات الكاميرا والرغوة البيضاء تخرج من أفواهم فيما تنتفض أجسامهم الناعمة وتتلوّى بحالات رجفان وانقباض عصبي جرّاء استنشاقهم الغازات السامّة الممانِعة والمقاوِمة؟
لا شك أن قائل تلك العبارة الخطيرة كان يقصد انفجار السيارة المفخخة الأخير الذي ضرب منطقة الرويس في ضاحية بيروت الجنوبية، والذي خلّف 30 قتيلاً وأكثر من 300 جريح في 15/8/2013. ولتلك العبارة دلالتان واضحتان ونتيجة:
أما الدلالة الأولى، فهي أن قسمًا من المواطنين اللبنانين أو حتى من الشعوب المتضامنة مع مأساة الشعب السوري، بات يُحمِّل "حزب الإرهاب المنظَّم" المسؤولية ليس فقط عن جرائمه الخاصة التي ينتهك بها حرمات الشعب السوري، إنما مسؤولية جرائم حليفه النظام الأسدي أيضًا، وأصبح لا يجد حرجًا في انتهاج أو تأييد أسلوب المعاملة بالمِثل.
وأما الثانية، فهي أن الحزب بانخراطه العلني في حرب الإبادة على الشعب السوري، قد هيّأ التربة اللبنانية لتقبُّّل بذور الفتنة وإنبات حقد وحنق ونقمة قد ينفجر في أي وقت حربًا مذهبية طائفية طاحنة.
وأما النتيجة، فهي أن تلك العبارة -التي لا تشكِّل أكثر من عيِّنة بسيطة لما يُقال في المجالس الخاصة- إضافة الى انفجار الرويس الأخير، ينسفان بشكل كامل الذرائع الواهية التي برّر بها الحزب الإرهابي تدخلّه العسكري في سوريا، كزعمه قطع الطريق على ما يسميه بـ"الجماعات التكفيرية" من التوجه الى لبنان، عملاً بنظرية "الحرب الوقائية" التي تبيّن أنها محرّمة على "جورج بوش" ومباحة لـ"لولي الفقيه".
الملاحظ اليوم أن "حزب الإرهاب المنظَّم" ينتهج أسلوب التلطي خلف ما يسمّيه بـ"الجماعات التكفيرية"، ليس فقط لكي يبرّر تدخله الآثم في سوريا وإظهار نفسه بمظهر الضحية أو المستهدف، بل ليُبعد عن إدراك الناس أنه هو والدولة الفتنوية التي يعمل لمشروعها التكفيريون الحقيقيون والأوائل في المنطقة؛ لن نعود الى أمهات كتبهم إنما سندينهم من أفواههم،فها هو رئيس الهيئة الشرعية في الحزب الشيخ "محمد يزبك" في كلمة له بتاريخ 8/10/2012 يكشف قناع حزبه التكفيري، فيُصرِّح بعد تشييع حزبه أحد العناصر الذين هلكوا أثناء قيامهم بواجبهم الإرهابي" في سوريا، معلنًا الإرهابي الهالك "شهيد الواجب والدفاع عن الأمّة، وقد استُشهد في معركة كان يُدافع فيها عن كرامة الإسلام والمسلمين"! ما يعني أن الحزب وبلسان رئيس هيئته الشرعية يُكفِّر الشعب السوري ذو الغالبية السنية، ويخوض على امتداد المنطقة حربًا دينية طائفية مذهبية حاقدة بكل ما للكلمة من معنى.
طبّاخ السم لا بد أن يذوقه يومًا ما، ومن قرع الباب عليه أن ينتظر الجواب، أما الخاسر الأكبر فهو لبنان بكافة طوائفه وخصوصًا الطائفة المخطوفة التي جعلها إرهاب الحزب في دائرة الاستهداف. وها هو الحزب الإرهابي يحصد بعضًا من نتائج مشاركته سفّاح الشام في سفك الدم السوري، ويدفِّع الشعب اللبناني فاتورتها رغمًا عنه...لكن بما أن الحزب قد صرّح مرارًا وتكرارًا أنه مدرك تمامًا لكافة تبعات قراره بالتدخل عسكريًا في سوريا، فما سبب حنقه واحتداده وغضبه الزائد في خطابه الأخير، أم أنه اكتشف أن كلامه النظري كذّبه التطبيق؟!
ما نستطيع قوله الآن هو أن لبنان دخل في النفق المظلم، فأمين عام حزب السلاح سعى الى الفتنة منذ ارتكاب حزبه "جريمة العصر" في 14/2/2005، وها هو اليوم يتوِّج جهوده فيُعلن في 16/8/2013 لبنان عراقًا ثانيًا، موجّهًا رسالته التهديدية للمسلمين والمسيحيين على حدّ سواء:"مخطئ من يظن أن الجماعات التكفيرية إذا كانت وضعتالسيارة المفخخة في الضاحية فلن تضعها بمكان آخر،(...) الفاعل وضعها بالضاحية وبتاريخ 9ـ7 وضعها في الضاحية، ولكن أين سيضعها في الغد؟ (...)هؤلاء التكفريون يقتلون السنة كما يقتلون الشيعة، ويقتلون المسلمين كما يقتلون المسيحيين، ويفجرون المساجد كما يفجرون الكنائس، (...) ويوجد أيضاً الكثير من الشواهد قادمة علىالطريق".
التعليقات (1)
1 - انتم الارهابيين ايها القذر
لبناني شيعي - 2013-08-23 15:10:26
انتم الارهابيين ايها القذر لكنكم لن تخربو لبنان يا واطي