«حزب الأوهام».. لكي تصير طرابلس شيئاً آخر
صهيب ايوب
الشاب: «عَ القبة».
سائق التاكسي: «وين بالقبة؟».
الشاب: «على شارع الأوهام».
السائق: «تفضل».
تتعجب سالي، الفتاة التي صودف وجودها في السيارة. تتساءل عن تسمية الشارع الغريبة. يجيبها الشاب بحماسة: «أهل الشارع يطلقون عليه هذه التسمية تيمناً بمجموعة شبابية تقضي أوقاتها بين أزقّته، تدعى «حزب الأوهام». «وماذا يفعل هؤلاء الشباب؟»، تسأل سالي، ويجيب: «البعض يقول إن لديهم مواهب متعددة. يغنّون ويرسمون ويرقصون.. والبعض يقول إنهم «بوطة مشكلجية».
في الشارع، تحت جداريّة ضخمة رسمت فيها كلمات «أوهام» و«بوب العرجا» بالأحرف اللاتينية (غرافيتي)، يجلس شبّان مراهقون، يتحدثون عن «شلّتهم» التي يصل عمرها اليوم إلى خمس سنوات.
انطلاقة «الشلة» كانت مع «المؤسس» برهان العرجا (20 عاماً)، مغني الراب الشعبي، الملقب بـ«بوب». يتحدث الشاب المؤسس عن حزبه: «فرقة متميزة، تضم شباباً من مختلف المناطق الطرابلسية، لا سيما أبناء الحارات الفقيرة والمعدمة. أكثريتهم من أحياء «القبّة» وحارة «ضهر المغر»، ذات الكثافة السكانية الفقيرة والمسحوقة وغير المتعلمة».
خالد الخمير، الملقب بـ«كاسو» من مؤسسي الحزب أيضاُ. هو من شباب منطقة «القبة». يتحدث عن انضمامه إلى المجموعة: «كنّا ولا نزال من المعجبين بأغاني الراب التي يغنيها «بوب» منذ العام 2004. تعرّفنا إليه في أزقة القبة، وكنا نسمع به وعن موهبته في تأليف أغانٍ غريبة عن الوسط الشعبي في المدينة المحافظة دينياً».
التقى «كاسو» بـ«بوب» بعد أن سمع بأنه أطلق ألبوم لأغاني «الراب»، يحكي فيه عن وجع أبناء الأزقة الفقيرة في طرابلس. «الأغاني كانت تحمل طموح أن تكون طرابلس شيئاً آخر غير ما يحاك عنها ويقال عنها.. شيئاً مختلفاً».
يتدخل محمد خمير (طالب غرافيك)، وهو أحد المشاركين في تصميم «لوغو» مجموعة «الأوهام»، ليشرح التأثير الذي تركته أغاني «بوب»: «الألبوم هزّ الدني في القبة وجوارها. راح كل شباب طرابلس يسألون عن هذا الشاب الثورجي الخارج عن المألوف. كان عنوان الألبوم «أوهام ستريت»، أو شارع الأوهام».
أكثرية الشبان الذين يلتفّون حول «بوب» هم من العاطلين عن العمل، أو العاملين في مهن صغيرة، ومعهم قلة من المتعلمين. لقاء كهذا لا يكتمل إلا بأغنية لـ«بوب»، يردد كلماتها بلهجة طرابلسية:
«بحكي باسمي وباسم كتار.. باسم الصغار والكبار عن لسان أكترية بنبرة طرابلسية.. عن وضع البلد، عن دمع هيداك الولد، عن مأساة هيدي البنت.. من ساعة ما خلقت، من لمّا وعيت ع حالي وفقت، من لمّا حياتي زهقت، من القبة اللي علمتني بكلماتي ربي كتير أشخاص، حقهن من فردي ضرب رصاص..».
النبرة الاعتراضية التي يغنّيها هؤلاء الشبان كانت سببا في تعرضهم لكثير من المشاكل من أهالي الشارع. هؤلاء وقّعوا مرّة عريضة لإخراج «الحزب» من الشارع، بعد أن أزعج الكبير والصغير فيه. اتهموا أعضاء المجموعة بالانحراف و«الزعرنة»، كما يقول «بوب». ويتابع «ميدو» الحلبي (20 سنة): «رفضنا الخروج. أشعلنا حاويات النفايات. وقمنا بعصيان أشبه بتظاهرة للوقوف بوجه اتهاماتهم». هذا التحدي عبّرت عنه الفرقة ببعض الأغاني، منها هذه الكلمات: «اتهمونا بالتعاطي وبالتحشيش والنسوان، أنا هلق قوم وفتشني ما بتلاقي معي ألفين ( 2000 ليرة)، صدقني ما في بالجيبة ولا نغلة يا إنسان، قلّي وين هالمصاري وحياتي كلها بالدين».
أطلق «بوب « مع الشبان المتحلّقين من حوله ألبومين، هما «أوهام ستريت» و«ليه؟»، بالإضافة إلى البوم سيوزّع قريبا، بعنوان «جاهز حتى ذلّن»، وهو موجه للسياسيين. ويقوم شباب «الشلة» بتسجيل هذه الألبومات على حسابهم، ويوزّعونها مجاناً على بعضهم. «أقوم بتوزيع أعمالي على كل شاب طرابلسي انضم إلى حزبنا أو لديه النية للانضمام. وكل شخص يحلم بتغيير وضعه، النفسي على الأقل، من خلال مشاركتنا الغناء والرقص»، يقول «بوب».
شباب طرابلسيون يحلمون بتغيير واقعهم الاجتماعي من خلال كلمات الأغاني والرقص والرسم على جدران حاراتهم الضيقة والفقيرة. شباب يحلمون أن يصبح حزبهم «الوهمي» حقيقة تمكنهم من تغيير ظروف حياتهم المتردية.. على أمل أن لا يبقى حلمهم وهماً.
التعليقات (0)