فضاء الكلمة
حرية الفرد ..عندما يساء إليها
بقلم: خليل إبراهيم الفزيع
منذ وجد الإنسان على وجه البسيطة وهو يحاول أن يمارس حريته، وفي هذا السبيل يخطئ ويصيب، يخطئ عندما تتعدى هذه الممارسة حدودها لتضر الآخرين أو تسيء إليهم أو تنال من حريتهم في التصرف ما دام هذا التصرف لا يسيء لأحد، ويصيب إذا التزم بالمعنى الصحيح للحرية باعتبارها التزام، أي بقدر ما تمنحه للفرد من الحقوق، فهي تلزمه بنا يترتب على هذه الحقوق من واجبات، يعني عدم التقيد بها الخروج على النظام، ومن يحاسب الخارجين على النظام هي المؤسسة الرسمية، الملزمة بإسناد هذه المهمة لرجال أكفاء يحفظون هذه الأمانة، ويقومون بها خير قيام، وعندما يسيئون التصرف فعلى المؤسسة الرسمية أن تردعهم حتى لا يتمادون في الإساءة إليها بسوء تصرفهم.
في عصور كثيرة وباسم الدين حينا وباسم السلطة الرسمية حينا آخر، عرفت فئات نذرت نفسها للإساءة للحرية الفردية، وجعلت همها الأكبر هو فرض الوصاية على الغير، وتسيير الأمور حسب هواها دون وجه حق، وهذه الفئات منحت نفسها حقوقا انتزعتها من عمق الأوهام بأنها مسئولة عن عباد الله، واستمدتها من صميم الظنون بأنها وحدها القادرة على فهم الدين وتطبيقه، تماما كما كان الحال في زمن كانت فيه الكنيسة تمنح صكوك الغفران لمن تشاء، أو كما كان المهووسون والمرضى النفسيون يرتكبون جرائم التصفيات الجسدية بحجة محاربة الجريمة والقضاء على المجرمين، وجميعهم يتحدثون باسم الدين ويبررون به تجاوزاتهم، ولا احد يعرف من منحهم هذه السلطة التي تفوق سلطة الدولة.
لا إكراه في الدين قاعدة إسلامية معروفة، وهذه الفئات التي تتناسى قوله تعالى، {ادع إِلى سبِيلِ ربك بِالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بِالتِي هِي أَحسنُ إِن ربك هو أَعلم بِمن ضل عن سبِيله وهو أَعلَم بِالمهتَدين}.
لتصبح الدعوة إلي سبيل الله بالعصا وليست بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بانتزاع الاعتراف من الأبرياء بأنهم خاطئون وليست بالتي هي أحسن، كما يتناسون قاعدة: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا، بعد أن رسخت في أذهانهم عقيدة أنهم أوصياء الله على خلقه، وهي مهمة أوكلت بالأنبياء، مع عدم القدرة على هداية أحد إلا بمشيئة الله، فالله وحده هو الذي يهدي من يشاء،{إِنك لَا تَهدي من أَحبَبت ولَكِن الله يهدِي من يشاء وهو أَعلَم بِالمهتَدين} وفي هذا القول الفصل الذي ما بعده قول.
ربما كان منطلق أفراد من تلك الفئات هو حسن النية، لكن الأسلوب المنفر الذي يلجأون إليه يسيء لنواياهم الحسنة، بل يسيء إلى الدين نفسه عندما يظهر من خلال ممارساتهم بوجه يتسم بالعنف والتسلط، وبشكل ينفر ولا يقرب، وهي مأساة ذات عواقب وخيمة، يدفع ثمنها من يقع في أيدي أحد من هذه الفئات المتشددة، وربما أدى ذلك إلى خراب البيوت، وتفكك الأسر، لمجرد اشتباه لا يقوم على دليل سوى اعتراف ينتزع بالقوة، لكن هذا الاعتراف لا يقود إلا إلى ما لا تحمد عقباه، ومثل هذه الممارسات غالبا ما تتخذ من قبل أعداء الدين للإساءة إليه، كما أنها قد تستغل من بعض المنظمات الحقوقية للإساءة للدول الإسلامية نتيجة الالتباس أو عدم الفهم في التفريق بين سماحة الدين وتشدد بعض المنتسبين إليه.
الحرية الفردية حق مقدس، ما دامت لا تتعدى حرية الآخرين، وتلك هي الحرية الملتزمة التي لا يمكن استغلالها للإضرار بأحد، أو الإساءة إليه بأي شكل من أشكال الإساءة، وعندما تكبت هذه الحرية، وتقمع عن طريق بعض الفئات المتعصبة دينيا، فإن هذا يعني خللا في فهم مسئولية الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وهي مسئولية لا تناط إلا بمن يعي ـ تمام الوعي ـ دورها الإصلاحي، حتى لا يؤخذ المحسن بذنب المسيء، ويتساوى الصالح بالطالح، ويغيب الخطاب الديني في متاهات التسلط والعنف والغلو الذي يتجاهل سماحة الدين وسمو مقاصده، ونبل غاياته للوصول بالبشرية إلى أرقى مستويات التحضر والانفتاح، دون تفريط أو مبالغة.. ودون تسيب أو تشدد.
التعليقات (0)