حرية الصحافة غير محترمة في بلاد قناة الجزيرة
في عالم عربي يسودة القمع الفكري وتهيمن فيه الثقافة الاقصائية، والقاعدة الراسخة لدي شعوبه ومثقفيه ومفكريه تقوم على ان كل من لا يوافقني الرأي فهو عميل وخائن ومأجور ومرتزق، وصهيوني وامريكي، وان كل حزب او حركة او جماعة سياسية فيه تعتبر نفسها هي الوحيدة التي تمتلك الحقيقية المطلقة، وان الحاكم هو هبة الله وممثله على الارض فلا يجوز الا التسبيح بحمده بكرة وعشيا، وان كل زعيم على عشرة افراد يتحدث باسم الامة والشعب، وفيه حقوق المواطنة الاساسية منقوصة، وحقوق الانسان شبه معدومة، وترزح شعوبه في غياهب الفقر والفاقة، ومؤسساته التعليمية تخرج الاف الشباب سنويا وتلقي بهم في سوق البطالة، ومتعلميه ومن ضمنهم حملة شهادات عليا ليس لهم علاقة بالثقافة، واقتصاديات شبه منهارة، وصناعة متخلفة، وزراعة ما زالت كما هي الحال ايام القرامطة، وعلاقات اجتماعية تنخر فيها اعراف القبيلة والبداوة، في هذا العالم العربي السعيد لا بد وان تعتبر قطر التي تصدح منها قناة الجزيرة واحة الديمقراطية الوارفة، التي "تحط على عين" كل شقيقاتها العربيات من المحيط الى الخليج.
فمن المؤكد ان شعوبا هذه حالهم وحال بلادهم لا يمكن الا تكون مقاييسهم للديمقراطية وحرية الاعلام هي مقاييس قناة الجزيرة، التي وحدها تمكنت من الاقتراب من بعض المحرمات في هذا العالم وما اكثرها.
لكن الديمقراطية وحرية الاعلام بما تعنيه من حرية الرأي والتعبير عند الفرنسيين او الهولنديين وغيرهما من المجتمعات الديمقراطية المتحضرة لها مقاييس اخرى، وقيم اخرى وآفاق اخرى، تصونها مجموعة من القيم والقوانين ويحميها الدستور.
هذه القيم هي التي وفرت للسيد روبير مينار مدير عام "مركز الدوحة لحرية الاعلام" توجيه انتقادات شديدة اللهجة وغير مسبوقة لدولة قطر لغياب حرية الصحافة في موطن قناة الجزيرة، نجمة الاعلام الحر في العالم المسكون بالخوف والمجبر كل من يقيم على ارضه بالرضوح والاذعان لكل ما يلقى اليه من فتات أي كان نوعها.
وقال مينار في مؤتمر صحافي امس الاثنين في الدوحة "إن حرية الصحافة في قطر وفي الدول العربية الأخرى "غير محترمة". واستعرض في التقرير السنوي الأول الذي ينشره المركز وحمل عنوانه "حرية الإعلام في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اوضاع الحريات الصحفية في المنطقة". ووجه التقرير انتقادات حادة للدول العربية من السعودية وقطر وسورية التي وصفها بأنها تعمل وفق "تشريعات رجعية قامعة للحريات"، وانتقد ما أسماه "الدعاوى المتكررة في مصر والجزائر واليمن ، والغرامات الفادحة للصحافيين كما في الكويت والمغرب".
وانتقد غياب الحريات في قطر وقال إن "السلطات لا تعطينا الصلاحيات اللازمة حتى نقوم بعملنا على النحو لمطلوب. وانها تحظر إقامة نقابات خاصة بالصحافيين ". وأضاف "من غير الوارد استمرار عمل المركز هنا ادام لا يوجد قانون للصحافة ولا يعمل الصحافيون في حرية، وما لم توقع قطر على الميثاق الدولي الذي ضمن الحقوق الصحافية والحقوق المدنية والاقتصادية".
وانتقد ما أسماه "قيام المؤسسات الصحافية بقطر باحتفاظها بجوازات الصحافيين بحوزتها مما يعني تقييدا دائما على الحرية الصحافية" . وقال ان "الإدارات القمعية هذه ينبغي أن تتخلى عن هذا الإجراء"، داعيا إلى "منح الصحافيين في قطر الحق في تشكيل نقاباتهم".
وهدد مينار بأنه " ما لم تتخذ قطر تغييرات دستورية تسمح للصحافيين بتشكيل نقاباتهم وتشكيلاتهم فإن عمل المركز بالدوحة لن يستمر".
وقال "في حالة لم تتخذ خطوات لتغيير التشريعات الخاصة بالصحافة في قطر. وفي حالة ما اذا تغاضت الصحافة المحلية ولم تنشر ما ورد بالمؤتمر الصحافي، سنرد على ذلك وسيكون لنا موقفنا".
وكان مينار وهو الناشط الفرنسي في مجال الدفاع عن الحريات الصحافية قد استقال من رئاسة منظمة مراسلون بلا حدود ليطلق في منتصف اكتوبر الماضي "مركز الدوحة لحرية الاعلام" الذي تأسس بموجب مرسوم اصدره أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في سبتمبر/2007 ، وتشرف عليه حرم الامير الشيخة موزة بنت ناصر المسند.
ويتكون مجلسا الإدارة والحكماء (المشرفين على المركز) من 20 عضوا جميعهم من كبار الساسة والمفكرين من القارات الخمس من بينهم رئيس الحكومة الفرنسية السابق دومينيك دو فيلبان والكاتب البرازيلي باولو كويلو والوزير البرتغالي السابق جوزي لويس ارنو والصحافي الامريكي ايثان برونر ، ووزير الخارجية الاسباني ميجل انخيل موراتينوس
. ويترأس مجلس ادارة المركز الشيخ حمد بن ثامر رئيس مجلس ادارة شبكة "الجزيرة" بينما يرأس مجلس الحكماء حمد عبد العزيز الكواري وزير الثقافة القطري.
ورغم كل هذا الثقل الرسمي والمعنوي الذي يقف خلف المركز الا انه لم يتمكن من توفير المناخ الملائم للحريات الصحفية والاعلامية في دولة قطر، فكيف يمكنه ان يوفرها في دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا..؟؟
ومن المؤكد ان غالبية شعوب الشرق الاوسط وشمال افريقيا وهي المنطقة التي يفترض ان المركز اقيم من اجل حماية الحريات الصحفية فيها يعتقدوا ان دولة قطر الساكنة على ضفاف الخليج العربي الهاديء تنعم باجواء الديمقراطية، وترفل بالحريات الاعلامية والصحفية، وانها ربما تكون الجنة الوحيدة وسط غابة السخط العربية.
ويغيب عن معظم الشعوب العربية ان قطر بلاد قناة الجزيرة والتي شعارها الرأي والرأي الآخر، لا يوجد فيها ابسط مقومات الديمقراطية، فلا برلمان ، او احزاب سياسية، او نقابات ، او صحافة مستقلة، او مؤسسات مجتمع مدني مستقلة، وما زالت المناصب العليا في الدولة توزع حسب درجة الولاء والقرابة من الاسرة الحاكمة، وحسب درجة القرابة والولاء ايضا توزع المنح والامتيازات.، والمناقصات والعطايا والهبات، "فالخير وايد" والارض ما شاء الله تتنفس غاز وتبول بترول، وعدد سكان البلد لا يتجاوز 350 الف مواطن، معظمهم حديثي عهد بالحياة الحضرية العصرية.
وكواحد من الاف الصحفيين العرب استغرب كيف اقتنع الناشط الفرنسي في حقوق الانسان ورئيس منظمة مراسلون بلا حدود، ان مركزا للدفاع وصون الحريات الصحفية يمكن اقامته في بلد لا يوجد فيها اتحاد للصحفيين..!! والادهى والأمر كيف اقتنع اصحاب هذه الاسماء " الفخيمة" من كبار الساسة والمفكرين من القارات الخمس ، ان يكونوا حكماء في مركز يقام في بلد لا توجد فيها ابسط مقومات الديمقراطية..؟؟
ثم ان السيد مينار لم يفصح "وربما تقصير من جانبي" كيف ان مركز الدوحة لحرية الاعلام سيحافظ على حقوق صحفي مبتدئ استغلته صحيفة مصرية لعدة اشهر على اساس تعيينه في الصحيفة ثم تخلت عنه دون ان تعطيه مكافأة، او ماذا سيقدم مركز الدوحة لصحفية شابة بالمغرب وعدها رئيس التحرير او مدير التحرير بتعيينها ثم اخل بوعده لما نهرته عندما تحرش بها جنسيا.
ام ان السيد مينار ومركزه للحريات الاعلامية كان يضع في اعتباره التدخل عندما يكون الطرف في القضية رئيس تحرير مشاغب فقط ليس له لون او طعم او رائحة، ولا يؤمن الا بالاثارة التي تزيد من شهرته وزيادة توزيع صحيفته..؟ انها تساؤلات فقط لا يقصد بها أي نوع من التشكيك.
ولكن وفي كل الاحوال فلا بد من دعم وتأييد أي جهد مهما كان يشجع الحريات ويحاول حمايتها ويعمل على ترسيخ مؤسساتها، واتمنى الا يكون السيد مينار وقع ضحية وهم وبهرجة اعلامية تجيد صناعتها قناة الجزيرة، والا يكون احد المخدوعين مثله مثل ملايين العرب الذين خدعهم شعار :الرأي والرأي الاخر" الذي ترفعه قناة الجزيرة. او صدق فعلا ان فيصل القاسم هو فقط اعلامي محايد يقدم برنامج اسمه الاتجاه المعاكس، او ان احمد منصور، صحفيا محايدا وموضوعيا وليس بوقا تفوح منه رائحة جماعة الاخوان المسلمين. او ان غسان بن جدو مجرد اعلامي تونسي لا يخدم جهات سياسية.
في كل الاحوال لا بد من تقدير المحاولة فربما ينجح السيد مينار بتحقيق امانيه واهدافه.
ابراهيم علاء الدين
التعليقات (0)