ماهر حسين .
كنت من متابعي صحف المعارضة في مصر وكنت ألاحظ بان هناك مستوى من الانتقاد والحرية التي يمكن التعامل معه باعتبارها هامش ممنوح من الحكومة مع إيماني المطلق و الدائم لاعتبار بان حرية الرأي حق وليست منحه .
فحرية الرأي حق يجب أن يكفله الدستور و يجب أن يحميه النظام السياسي ويجب أن لا يتم التعامل معه باعتباره (كرم) أو (منحه) أو حتى (تساهل ) من الدولة ومع هذا يجب التأكيد على أن حرية الرأي وكما هي حق فإنها مسؤولية .
الكلمة ..الموقف ..والخبر والتحليل مسؤولية ملقاة على عاتق صاحبها وناشرها من وسائل إعلام ويجب أن يكفل القانون والدستور كذلك حق محاسبة كل صاحب الكلمة…الموقف..الخبر والتحليل ..فلا تكون حرية الرأي والموقف مقدمة لفوضى وإثارة لفتن .
توازن الحق والمسؤولية في حرية الرأي معادلة صعبة ولكنها تعتمد على قانون الحكم ووعي المحكوم .
وهنا يجب التأكيد على أن حاضنة حرية الرأي هي الإعلام ومنها جاء مصطلح حرية الإعلام بالنسبة لي فحرية الإعلام التي أتحدث عنها لا تتعلق بنشر خصوصيات المواطنين والساسة ولكنها تتعلق بالتعبير بحرية عن الشأن العام على أن تكون هذه الحرية نابعة من مسؤولية الكاتب والجهه الإعلامية الناشرة للرأي .
في مصر وكما أسلفت كنت أرى (تساهل) من النظام بالتعاطي مع الحرية فكنا نرى مقالات تتناول موضوع التوريث بمصر بكل أشكال النقد وبل الهجوم أحيانا" .
وكما أرى فإن تساهل الحكومة كان نابعا" من ثقتها بغياب الفعل الجماهيري والحزبي في مصر حتى تلك اللحظة التي فاجئ بها شباب مصر العالم بثورة ستبقى مثار إعجاب العالم بما مثلته من فعل حضاري ،فثورة مصر الثانية لم تكن ثورة تخريب وتفجير وحرق وقتل ولكنها كانت ثورة حضارية من اجل المواطن وكرامته وحريته وهذا سر نجاح الثورة وبالطبع كان هناك عناصر أخرى قد ساهمت في نجاح الثورة .
في مصر ومن قبلها تونس قامت ثورة من اجل الحرية والكرامة .
وبعيدا" عن الغرق بالتفاصيل وحتى نتفادى الاتفاق والاختلاف مع نتائج الثورة فإنني أود الإشارة تأكيدا" إلى أن حرية الرأي وحرية الإعلام تواجه (التقييد في مصر) و(التطهير في تونس ).
فتقييد الإعلام في مصر له شواهد واضحة مرتبطة بإغلاق قناة فضائيه ومحاكمة صحفيين والتهمة القديمة والجديدة هي انتقاد الرئيس .
وبالطبع مازال الرئيس المصري المنتخب حديثا" يحاول التعاطي مع هذه الملفات بمنطق الرئيس المنتخب ففي الوقت الذي يشدد به حزب الحرية والعدالة على ضرورة منح الرئيس فرصه كاملة أولا" في مصادرة واضحة وصريحة لحرية الرأي وفي الوقت الذي يتحدث به بعض رجال الدين المقربين والتابعين للحزب عن (حرمة ) انتقاد الرئيس إلا انه ما زال هناك بعض الاستدراك للأخطاء بالتعاطي مع هذا الملف ومع كل ما سبق فإن التقرير الذي نشرته (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان) في 15اغسطس الجاري أشار إلى حقائق تؤكد بان هناك عودة لسياسة تكميم الأفواه وبل أن اخطر ما يحدث الآن هو استغلال الدين الإسلامي لمنع الانتقاد باعتبار انه أساءه للحاكم أو ولي الأمر فلقد زادت حالات انتهاك الحق في حرية الرأي لتبلغ 212 حالة تم رصدها من قبل المنظمة الحقوقية وهذا مخالف تماما" لما وعد به الرئيس المنتخب الدكتور مرسي .
نحن نريد لمصر الاستقرار ونريد للرئيس مرسي النجاح ولكن الاستقرار والنجاح لا يأتي بمصادرة حرية الاعلام وإنما بالتعاطي الواعي مع الاعلام وما ينشره من أخبار خاصة وان الرئيس المنتخب يمتلك الآن ماكينة إعلامية كبيرة ومؤثرة تقف معه خاصة بعد التغيرات التي أجراها على كل الصحف وعلى التلفزيون المصري .
أما في تونس فالعنوان مختلف ..في تونس هناك (تطهير الإعلام) ومن اجل تطهير الإعلام تم إجراء تعديلات وتغييرات بالطبع على المؤسسات الإعلامية الحكومية والآن يتم (تطهير الإعلام)بشكل عام .
أخطر ما في (التقييد المصري) و(التطهير التونسي) بأنه نابع من خلفية سياسية وحزبية واحده ..هي (الإخوان المسلمين) .
والإخوان المسلمين خبراء بالتعاطي مع الملف الإعلامي ويعلموا بان السيطرة عليه تعني السيطرة بشكل كبير على الحكم .
والسيطرة على الحكم بالانتخابات لا خوف منها فهي قرار الشعب ولكن التعاطي مع الانتخابات باعتبار أنها وسيلة لتحقيق حلم الدولة والسيطرة فهذا هو ما يخيف .
ما نريده هو أن تكون الدولة حاضنة للانتقاد ومتقبلة للرأي الأخر وحامية له ..وما نريده للدولة بان تكون قوية بانتماء مواطنيها وحريتهم وكرامتهم كضمانة لنهضتهم …ما نريده من الإخوان هو الحفاظ على الحريات العامة واحترام كل المعتقدات السماوية ورفض العنف ووقف الفتاوى الخاصة بقتل المتظاهرين وبإرضاع الكبير وأما إباحة القروض من صندوق النقد فلها شان أخر وهي بحاجة للتوضيح خاصة إذا كان القرض من حكومة أخوانيه لها رئيس إخواني .!!!!
حرية الإعلام بظل الحرية والعدالة تعاني من (التقييد) وحرية الإعلام بظل حزب النهضة تمر بمرحلة( التطهير) ولا أرى سوى سيطرة جديدة وإخضاع للإعلام .
أخيرا" نقول بان ...
حرية الإعلام وسيلة لحماية حرية الرأي ووعي المجتمع وقانون الدولة هو الحماية الحقيقية من حرية الرأي التي تثير الفتن .
التعليقات (0)