حرية إتباع وإعتقاد
لا يمكن للحرية الفكرية أن تتحقق دون حرية عقدية أو على الأقل حماية لمعتقد من تسلط بعض المتطرفين الذين لا يؤمنون بالآخر , فالحرية كل لا تتجزأ ولا يمكن لها ان تفصل عن المعتقد والواقع الإجتماعي والظروف المحيطة بذلك الواقع .
المتطرفين لا يؤمنون بالحرية الفكرية ولا العقائدية , بل يسعون بكل جهد لأن يكون لهم الحضوة والنصيب الأسد من العقول التابعة والأجساد المنقاده , يحاربون تعددية الفكر والعقيدة , بل وتجد من داخل المدرسة الواحدة مذاهب متعددة تتصارع على الأتباع وكأن الدنيا تحولت من دنيا تعددية إلى دنيا بهائمية .
إجبار وإكراه الناس ضد الحرية الإعتقادية والفكرية خاصة إذا علمنا أن ذلك الإكراه يكون في قضايا بلغ فيها الإجتهاد مابلغ ! كالزينة واللباس واللهو الخ إكراه وإجبار صورة متعددة من بينها تغليب رأي على آخر في المناهج والمؤسسات المعنية بالدعوة .
حرية الشخص لابد أن تٌحمى من تسلط أرباب التشدد الذين لا يؤمنون بالإختلاف ولا يقدسون الرأي الآخر والحرية الشخصية , فالمتشدد يسيء للأراء المتعددة عندما يقوم بحشد الأصوات وسوق الناس نحو رأي معين .
الحرية العقدية في المجتمعات المسلمة لا تخرج عن دائرة المقاصد والكليات العليا التي أتى بها الإسلام وحفظها وكذلك الحرية الفكرية , لكن البعض لا يؤمن بذلك بل يرى أن الحرية الفكرية للشخص وحرية الإعتقاد فيها خروج شكلي من دائرة الإسلام , فمن يدعو لإشاعة حق الإختلاف المذهبي الذي هو ناتج فكري يٌصنفه البعض على أنه داعية ظلال وفتنة ؟ مرد ذلك التصنيف لعدة أسباب من أهمها غياب الأصوات المعتدلة , وغياب حق الاختيار وتغليب رأي معين بقوة رسمية سلطوية دون أدنى إعتبار لبقية الأراء الفقهية وموقف السلطة من الإختلاف الفقهي في القضايا الشكلية لابد أن يكون محايداً , لان السلطة تعني الإدارة والتنظيم وليس الإجبار والإكراه كما يظن البعض , وحتى تكون السلطة محايدة عليها أن تأخذ في إعتبارها أن التعددية الفكرية والمذهبية حق وناتج طبيعي وعليها أن تعمل لنشر ذلك الحق والمحافظة عليه , وعليها توجيه مؤسساته فهناك جهات تتدخل وتفرض ما تمليه بعض الشخصيات بدعوى حماية بيضة الدين وفي ذلك نكوس للحرية الفقهية والتعددية الفكرية ؟
تدخل السلطة بمؤسساتها المختلفة في فرض أراء معينة عمل لا مبرر له مهما كانت مبررات السلطة ودعوات المستقوين بها , فالسلطة مؤسسة تنظم وتدير ولا يحق لها التدخل بأي طريقة أو شكل من الاشكال في صراعات فكرية أو فرض اراء معينة مغازلة لتيار دون أخر , بل من واجبها إشاعة التعددية وحماية الآراء من تسلط المتشددين وتمييع بعض الجهال , فالتعددية عامل بناء وإستقرار وليس عامل هدم وتدمير كما يظن البعض !
التعددية والحرية وجهان لعملة واحدة ولا يكون هناك تعددية بالمعنى الحقيقي في ظل تسلط أراء وغياب أخرى فأول خطوات التعددية ترك الناس يختارون من الأراء ما يشاؤون طالما لا تمس عقيدة ولا تنال من وحدة أرض وحماية ذلك الإختيار بطرق متعددة لعل أهمها وقوف السلطة ومؤسساتها موقف الحياد طالما ذلك الرأي لا يشكل خطراً على النسيج الإجتماعي والسلم الأهلي .
حتى نصل للتعددية الفقهية والمذهبية لابد من إعادة هيكلة لكثير من المؤسسات والمناهج , وإشاعة روح التعددية والتسامح في أوساط المجتمع وكف اللسنه من يكفر ويفسق الأخرين من داخل دائرة المؤسسات أو من عامة المجتمع فالإختزال والإكراه وتهميش الكثير من الأراء والمذاهب يقابلة عنصرية وطائفية ولغة نتنه وتفصيل للمواطنة حتى أصبحت المواطنة عند البعض مقرونة بالإتباع والإنقياد الكامل والشامل , فأول خطوات الحرية والمدنية ترك فضاء المجتمع بعيداً عن القيود والتسلط البشري الذي لم يعرف الإ الفرض ولغة الإكراه فالناس لهم حرية الإعتقاد في أي مجتمع كان , وللمسلمين داخل المجتمع الواحد حرية إعتناق مايرونه صائباً ومتوافقاً مع طبيعتهم البشرية طالما لم يخرجهم ذلك الإعتناق والإعتقاد من دائرة الإسلام الكبرى ومقاصدة السليمة السمحة , فالإسلام أتى متوافقاً مع الطبيعة البشرية ومعززاً للقيم الإنسانية لكن البعض لم يفهم ذلك فعلامة الفهم التطبيق الصحيح والسليم .
التعليقات (0)