الوجه الجديد الذي أطل به الرئيس اليمني من خلال شاشات التلفزيون في خطاب " النقاهة " الأخير، يختزل صورة النظام العربي الذي يعاني من حروق خطيرة تحتاج إلى عناية طبية مكثفة و مركزة، وإلى كل أشكال العمليات التجميلية لعل و عسى...
اللافت أن الأسلوب الوحيد الذي تتقنه الأنظمة " العربية " هو ذلك الذي يعهد به إلى قوات التدخل السريع التي ظلت دائما واجهة أمامية تعبر عن قسوتها و جبروتها. و في عز الربيع الثوري في عدد من دول المنطقة مازالت سياسة العنف و التقتيل عملة رائجة في قاموس هذه الأنظمة. فقد أصبح هاجسها الأساسي هو الاستمرار في الحكم بكل الوسائل. و لأنها تشربت من الماكيافيلية رحيق السلطة فإنها ماضية في ترجمة شعارها :" الغاية تبرر الوسيلة" بكل حزم و في تحد سافر لكل المواثيق و الأعراف الدولية في حقوق الإنسان. و هكذا تكرس النخب الحاكمة في عدد من الدول التي تعيش على وقع انتفاضات و ثورات شعبية نفس العقلية المتسلطة للنظام العربي الذي يكاد يكون حالة استثنائية في التعاطي الأمني المتشدد مع الشعوب التي يحكمها. و بدل الإستفادة من الدرسين التونسي و المصري، و التعاطي بحكمة و مسؤولية مع الغليان الشعبي، و الانخراط في مسلسل إصلاحات سياسية و اقتصادية و اجتماعية عميقة و حقيقية تقطع مع ممارسات الماضي، و تؤهل شعوب المنطقة إلى التحرر و الكرامة... بدل كل هذا مازالت هذه الأنظمة تمعن في إذلال شعوبها عبر فرض سياسة الأمر الواقع رغم المخاطر التي تحدق بها.
في اليمن مازال علي عبد الله صالح يواصل نفس الخطاب، ويتحدث باللغة المعهودة ذاتها، فهو يمد يده للجميع، ويقبل اقتسام السلطة، لكنه يمثل الرأي الصحيح و السديد أما الرأي الآخر المختلف فهو إرهابي و متآمر و عميل. هكذا و ببساطة شديدة يصبح كل أحرار اليمن - الذين ظلوا يطالبون لعدة أشهر برحيل النظام - خونة و إرهابيين في عرف السيد الرئيس... لذلك فهو لا يقبل أن يحترق لوحده، و في خطابه الأخير ما ينم على استعداده لتقاسم الحروق مع أبناء بلده الأوفياء... أما في ليبيا فإن العقيد، عميد حكام العالم، لا يجد أي حرج في تحويل بلد بكامله إلى جحيم. نيرون الجديد ينظر إلى بلده و هي تحترق كل يوم في حرب اختارها بكل عناية، لكن الخاسر الأكبر فيها هو الشعب الليبي نفسه، ومع ذلك فهو لا يبالي بما يحدث. المهم هو ديمومة الكرسي و بعد ذلك فليأت الطوفان... و في دولة البعث الممانع لا يختلف الأمر كثيرا. ففي الوقت الذي تزف فيه الثورة يوميا عشرات الشهداء الذين يسقطون برصاص الأجهزة الأمنية في عدد من مدن سوريا، يرعى السيد الرئيس لقاء تشاوريا لما يسمى " بالمصالحة الوطنية ". أليس هذا هو الضحك على الذقون؟. أية مصالحة هذه و دماء الشعب تنزف في الشوارع؟. ثم مع من يتصالح هذا النظام تحديدا؟. و ما حدث على مدى الأشهر الأخيرة في درعا و بانياس، و ما يحدث هذه الأيام في حماة يثبت إفلاس الخطاب الرسمي هناك و تباعد الهوة بين القول و الفعل لديه. و الأكيد أن الدكتور بشار الأسد، و هو العارف ببعض أمور الطب، يحاول إنقاذ نظامه قبل أن تستعصي حروقه على العلاج، غير أن وصفاته الطبية لا تحقق المبتغى حتى الآن، و لا يبدو أنها ستغير من الواقع شيئا.
لقد بلغت حروق هذه الأنظمة مستوى خطيرا يصعب معه العلاج، و هي إذ تكابد الجراح تأبى أن تسلم بإرادة التغيير حتى و لو احترقت الشعوب بأكملها، لكنها تنسى أو تتناسى أنها تصنع نهايتها باختيارها، مادامت تصر في كل مرة على الفشل في امتحان الثقة. محمد مغوتي.10/07/2011.
التعليقات (0)