لم يشفع لباراك اوباما قانون الرعاية الصحي و سياسات تحفيز الاقتصاد الأمريكي و العالمي و اختراقات تدبير الملفات الخارجية من المحافظة على الزخم الشعبي الذي أوصله إلى رئاسة الإدارة الأمريكية قبل سنتين.ففي أجواء تسريبات موقع ويكيليكس و حرب الطرود عاقب الناخب الأمريكي الحزب الديمقراطي و من وراءه اوباما و منح للجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس السيطرة على مجلس النواب و تحقيق مقاعد إضافية في مجلس الشيوخ رغم احتفاظ الديمقراطيين على أغلبية مقاعد المجلس.و لعل خسارة ولاية الينوى التي كان يشغل مقعدها اوباما من قبل و التي بقت تحت نفوذ الديمقراطيين أربعة عقود تعد انتكاسة انتخابية و ناقوس خطر لطموحات الرئيس في الفوز بولاية ثانية في أفق الانتخابات الرئاسية لسنة 2012 .
التركيبة الجديدة للكونغرس ستفرض على الإدارة الأمريكية الحالية إعادة النظر في السياسات التي تم تبنيها في السنتين الماضيتين. بل إن الإدارة ستجد نفسها مرغمة على تقديم تنازلات خشية الدخول مع الجمهوريين في معارك سياسية. كما ستكون هواجس الانتخابات الرئاسية المقبلة حاضرة في أي رؤية لمشاكل الداخل و صراعات المجتمع الدولي.
باراك اوباما الذي استطاع تجاوز أزمة الدرع الصاروخية مع روسيا, و نجح في إحراز تقدم في ملف أفغانستان بجلوس نظام حامد كرزاي مع بعض قادة طالبان في مفاوضات سرية, و مد جسور التواصل و الحوار مع العالم الإسلامي و الصين و كوريا الشمالية و سوريا, و نهج سياسة الحل السلمي بشراكة مع الأوربيين في معالجة الملف النووي الإيراني, و واجه التعنت الإسرائيلي في مفوضات السلام مع الفلسطينيين, سيكون اليوم مضطرا تحت ضغط صوت الناخب الأمريكي و من وراءه اللوبي اليهودي و المجمع العسكري الصناعي و مناطق الظل في الاستخبارات و المؤسسة العسكرية غير الراضين عن المقاربات السياسية و الاقتصادية في معالجة هذه الملفات, إلى تقييم مختلف هذه السياسات و الأخذ بمصالح و هواجس كل الفاعلين في العملية الانتخابية, مما يعني أن الساحة الدولية ستشهد من جديد أجواء التوتر و التصعيد و العودة إلى سنوات المحافظين الجدد خصوصا أن العامل العسكري سيشكل أهم الأدوات لحسم القضايا.
المنطقة العربية كجزء من المسرح الدولي مرشحة للانفجار و الدخول في حروب داخلية طائفية و إقليمية, فتراجع مشروع جورج بوش سمح لإيران في بلورة مشروع شرق أوسط فارسي قائم على تحالف دول و حركات الممانعة و المقاومة و ربط الأقليات الشيعية المتواجدة في دول المنطقة بالمشروع, نفوذ إيراني قابله محور دول الاعتدال الذي بدا أكثر حركية و فعالية في الأيام الأخيرة في استعادة الدور العربي في عدد من الملفات, لكن العودة الجديدة للمشروع الأمريكي, فان تناقضات المصالح و النفوذ ستجعل عدة ساحات داخلية مثل لبنان و العراق و فلسطين و اليمن و السودان على موعد مع المشاريع المسلحة و حروب الإلغاء و الإقصاء.
إن بارك اوباما يدرك جيدا أن استعادة ثقة الرأي العام الأمريكي بعد نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونغرس تمر عبر شد انتباه المواطن إلى الأزمات الخارجية و لعل حرب طرود القاعدة أول الغيث في انتظار سقوط الأبرياء في صراعات الفيل و الحمار الانتخابية.
التعليقات (0)