حروب الكلام.. والأسلحة الفاسدة
خليل الفزيع
في حرب 1948 بين العرب والصهاينة.. ظهرت أقوال كثيرة عن الأسلحة الفاسدة التي كانت تصيب أصحابها قبل أن تصيب من توجه إليهم، حتى قيل إنها السبب الرئيس في هزيمة تلك الحرب المشئومة، المبنية على وعد مشئوم من وزير الخارجية البريطانية (بلفور) ويبدو أن مثل هذه الأسلحة الفاسدة لا تزال موجودة، لكن ليس في الحروب العسكرية ولكن في الحروب الكتابية التي يمارسها بعض من يعتقدون أنهم مثقفون.. يملكون وحدهم الحقيقة، حتى بالنسبة للأمور التي يجهلونها والتي لا علاقة لهم بها من قريب أو بعيد، وأسلحتهم الفاسدة هذه غالبا من ترتد إليهم وقد تصيبهم في مقتل، لأنهم أساءوا التصرف عندما ركبوا موجة التشهير بالآخرين، وهي موجة ـ رغم رفض الجميع لها ـ هم غير مؤهلين لركوبها، ليس لأنهم يفتقدون مهارة مصارعة أمواج الحقيقة العارمة، بل لأنهم أقزام يحاولون التطاول على العمالقة ببذيء القول وسقط الكلام.، ظنا منهم أن هذا التعملق يمكن أن يصل بهم إلى أماكن يتوقون إليها دون استعداد فطري أو مكتسب.. لبلوغها.
هذا القول يندرج على زمرة من المثقفين الموتورين الذين يعانون من نقص يحاولون تجاوزه، لا بالعمل الثقافي الجاد المثمر، ولكن بالإثارة الرخيصة المستهجنة، والإدعاء الأجوف السخيف، وعض الأيادي التي امتدت إليهم بالفضل، كل ذلك نتيجة تأثير العقد النفسية المزمنة، وضغط الشعور بالاضطهاد الوهمي، مما يفضي بهم إلى العبوس في وجه كل ما هو جميل ورائع، وإنكار كل جهد مبدع وخلاق، ليس هذا وحسب بل هو من جانب آخر تعبير فعلي عن جنون، يدل عليه انحراف المزاج، وغياب التفكير السليم، وتقلب المواقف للميل تارة إلى اليسار وتارة إلى اليمين، وفي ظل انعدام الضوابط النفسية والعقلية، يمكن أن ترتكب الحماقات الدالة على أن ثمة مخلوقات مشوهة تسربت إلى الكيان الثقافي للعمل على تدمير بنيته، التي يدعمها الشرفاء بالعمل النبيل، والجهد المميز.
لا بد من الاعتراف هنا أن مثل هذه الطفيليات المتسلقة لاكتساب الشهرة على أكتاف الآخرين.. هم في حقيقتهم وباء يوجد في كل بيئة ثقافية، تستشرف المستقبل وفق مقاييس النزاهة والمحبة والانسجام مع مقتضيات المرحلة وطموحات أبنائها، وكل ذلك يولد الإحساس بأنك كمثقف لا بد أن تسمو بنفسك عن النزول إلى هذا المستوى من الحوار، لكنك لا تلبث أن تدرك أنك تتعامل مع مخلوقات مشوهة نفسيا وربما عقليا، هي أقرب ما تكون إلى الحشرات الضارة التي لا بد من سحقها حتى لا تنتقل شرورها إلى الآخرين، ثمة معضلة لابد أن تواجهها ـ كمثقف أيضا ـ وهي خيبة الأمل التي ستنتابك حتما عندما تواجه بحقيقة أولئك المدافعين عن حرية الرأي وحرية الموقف، ثم تكتشف أن دفاعهم ليس سوى فقاعات تزول عند أقل نسمة من نسمات حرية الرأي والموقف، ولتكتشف بعد ذلك أن آراءهم تميل حيث تميل مصالحهم وطموحاتهم المجهضة بفعل ما تنطوي عليه نفوسهم من (فرنويا) حادة تبعدهم عن الفعل الثقافي الجاد، وينسون أنهم بذلك يسقطون من حسابات أصحاب القرار، الذين يرجون الوصول عن طريقهم إلى منصب ثقافي يشبع نهمهم للشهرة، ويحقق رغبتهم في الوصول إلى واجهة ثقافية ترضي غرورهم، وهم أولى بالصفوف الخلفية في المسار الثقافي، إن لم يكونوا في الهامش من ذلك المسار، فليس بالإساءة للآخرين يمكن الوصول لأهداف ذاتية لا تعبر إلا عن دواخل متخمة بعفن التفكير، وسخف التنظير، وعدم الحياء في التعامل مع الآخرين، ومن لا يستحي يصنع ما يشاء. فمتى تنتهي هذه الأسلحة الكلامية الفاسدة، من الحوار الحر النزيه، الذي لا يصح فيه إلا الصحيح؟! اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
التعليقات (0)