في لفتة أيمانية مباركة أطل مجلس محافظة البصرة مرة أخرى على رعاياه بوجهه الطالباني (نسبة الى حركة طالبان وليس للرئيس طالباني) مصدرا أوامره بأغلاق سيرك مونتكارلو ونقل فعالياته الى موقع آخر عجز عن أيجاده المجلس الموقر عن العثور عليه..
مجلس أمارة بصرستان الأسلامي أصدر فرمانه الأخير أستجابة لمطالبة دائرة الوقف الشيعي التي تعود الأرض التي نصبت عليها الخيمة لها رغم أن مجلس المحافظة نفسه هو من سمح بأقامة السيرك في هذا المكان سابقا إلا أن تهديدات مدير الوقف الشيعي هي ما جعلت مجلس محافظة البصرة يحذو حذو شقيقه مجلس محافظة بابل الذي أفشل قبل حوالي الشهر أقامة مهرجان بابل.
المجلس يرى بقيام السيرك بنصب خيمة تجاوزا على الأملاك العامة وهو قد أصاب جانبا من الحقيقة في ذلك...لكن ومن منطلق المساواة يجب على مجلس محافظة البصرة أن يهيئ جرافات لأزالة كل مسجد وكل حسينية أقيمت على أراض حكومية..فهي في النهاية مثل السيرك متجاوزة على أملاك الدولة ولابد من أزالة التجاوزات أيا كان مصدرها...
على المجلس الموقر أيضا أخراج العشرات من العوائل الساكنة في مباني حكومية منذ عام 2003 وحتى اليوم مدعين الفقر رغم أن معظمهم يعملون في دوائر ومؤسسات الدولة ويملك كثير منهم سيارات حديثة لاتقل أسعارها عن الخمسة عشر الف دولار ولا أدري كيف للفقير الذي لايجد مالا يدفعه لأيجار سكن له أن يشتري سيارة بهذه السعر!!!!
الوقف الشيعي من جانبه يرى في السيرك أبتذالا يجري على "أرض مقدسة" فيما يعترض البعض من خطباء وائمه الجمعة في البصرة على مثل هذه "المهازل والتجاوزات على الخطوط الحمراء " محذرين من غضب الشعب البصري للتدخل بشكل مباشر بنقله الى مكان اخر.
بالطبع الشارع البصري الذي يهدد به هؤلاء ملأ مقاعد العرضين اليوميين للسيرك فهو السيرك الأول الذي يزور البصرة منذ السبعينيات وهو في نفس الوقت من الفعاليات الترفيهية النادرة التي تشهدها البصرة في ظل سيطرة قوى الأسلام السياسي الظلامية على كثير من المرافق الحيوية في البصرة.
البصريون الذين وجدوا في السيرك أستراحة لهم من هموم الحياة تفاجأوا بلافتات نشرها الوقف الشيعي (وبنفس ألأسلوب الذي اتبعته المليشيات أيام سطوتها في البصرة)منددة بالسيرك ومعتبرة أياه أساءة وأخلالا بتاريخ البصرة وحاضرها الأسلاميين بل وصل الأمر بالبعض الى أكثر من ذلك فالنائبة عن كتلة الفضيلة كميلة الموسوي في تصريح لوكالة الصحافة المستقلة ( إيبا ) تقول " ان البصرة ارض الشعر والادب والفكر وليس الفن والفنون التي لا تضيف الى ارثها الحضاري شيء ، لذلك نحن نؤيد قرار ايقاف مهرجان مونت كارلو وندعو الى العمل على اقامة المنتديات الثقافية والادبية الهادفة "والمقصود هنا بالمنتديات الثقافية بالطبع مهرجانات الخطابة الدينية وبحوث الأعجاز في القرآن والسنة..
أما الفنون فهي إذن بحسب السيدة النائبة (وهي كما يبدو أقرب الى كونها نائبة حلت بأهل البصرة من كونها نائبة تنوب عنهم) لاتضيف شيئا للأرث الحضاري للشعوب..تقول هذا مستخفة بالفن والفنانين وكاشفة في نفس الوقت عن النظرة الحقيقية لقوى الأسلام السياسي تجاه كل ما هو حضاري وأنساني وهو موقف عبر عنه (الشيخ) كامل قاسم الباهلي وهو رجل دين ينتمي الى "جماعة الفضلاء" بقوله "تسمح الحكومة المحلية بالألعاب والبهلوانات التي تقوم بها نساء شبه عاريات على أرض الحسين.. وقد تفاجأنا بوصول الأمور إلى هذا الحد، فتارة يقام معرض تركي بحضور فنان وتارة يتم افتتاح فندق الشيراتون وتارة إنشاء دار أوبرا"ولا أدري من أين سمع الشيخ بأشباه العاريات في السيرك..
ربما هو يرى أن على المهرجات أرتداء الأزياء الأسلامية التي تجعل منهن نماذج سوداء مصغرة عن خيمة السيرك..
هل يجب على أهل البصرة أن يعيشوا أجواء الموت والمأساة دوما؟؟
أم هو خوف المهرجين المحليين ربما من أن يفسد مهرجو السيرك تأثيرهم في الناس
هل يتوقع رجال الدين أن ينتشر الفساد وتعم الرذيلة بين الناس بعد أن يشاهدون الحيوانات تؤدي عروضا مسرحية؟؟
اليس من الأفضل أحتضان مثل هذه الفعاليات التي تثبت أن الحياة في البصرة آخذة في العودة لمجاريها الطبيعية؟؟
ثم ماذا لو كان أهل البصرة جدلا غير راضين عن تاريخهم –الأسلامي-(رغم أن البصرة وكونها ميناءا عرفت منذ القدم بالتسامح وتعدد الثقافات وهي لم تكن أسلامية حتى في أيام الدول الأموية والعباسية)؟؟
هل يجبرهم أحد على فعل ما لايريدوه كون تاريخ مدينتهم حسبما يراه البعض لايسمح بهذا الشئ؟؟
هل من المعقول أن نجعل ما جرى منذ ما يزيد على الثلاثة عشر قرنا تتحكم بعصرنا الحالي؟؟
بل هل من المعقول أن يفرض على أهل مدينة بأكملها تطبيق قواعد دخول الجنة التي وضع أسسها الدكتور شلتاغ المياحي محافظ البصرة الذي رفع شعارا منذ أن تولى منصبه الحالي أن لا نعمل خير من أن نخطئ!!!!!
سادتي أعضاء مجلس المحافظة...أبناء البصرة ملوا حيل مهرجي المساجد المعممين وهم يجترون نفس الحيل منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا من الزمن..
تهديدات رجال الدين يا ممثلي أهل البصرة لم تعد تلقى أكتراثا من أحد..
والدليل أن البصرة كلها أستهجنت ما قمتم به..فهل أنتم منتهون؟؟
أخيرا أترككم مع تقرير لرويترز تناول تفاعل الشارع المحلي مع السيرك وهو أفضل شهادة على كذب كل المنافقين المتدينين الذين أدعوا أن أهالي البصرة مستاؤون من هذا السيرك...
تعالت ضحكات الجمهور العراقي عندما تظاهر مهرجان أحدهما بدين والاخر رفيع بمحاولة السير على حبل مشدود على الارض. ثم انطلقت مظاهر الفرحة وارتفع صوت التصفيق عندما قدمت مدربة حيوانات أوكرانية رقصة شرقية قصيرة قبل أن تقدم عرضا مع حيوانات من بينها الشمبانزي والكلاب والثعابين والقنفذ.
وجذب أول سيرك أجنبي في جنوب العراق منذ نحو عقود الانظار اليه في مدينة البصرة النفطية وانتزع الضحكات من سكانها الذين يخشون اراقة الدماء والدموع.
ومجيء سيرك مونت كارلو المتجول بمهرجيه ومقدمي العروض البهلوانية الى البصرة اشارة على تحسن الامن في المدينة الواقعة بجنوب العراق والتي كانت العصابات والميليشيات تسيطر عليها في وقت من الاوقات عند نشوب أعمال العنف الطائفية بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للبلاد عام 2003 .
وقال مهند عبد الوهاب وهو مهندس يعمل في الحكومة ويبلغ من العمر 50 عاما وجاء مع ابنه وابنته لمتابعة السيرك " هو شيء جديد ونحن ننتظره من زمان وقد استمتعنا به كثيرا ونتمنى ان يتكرر كثيرا."
وانحسر العنف بشكل عام في العراق منذ أن وصلت اراقة الدماء بين السنة الذين كانوا يحكمون البلاد يوما والاغلبية الشيعية الى ذروتها في عامي 2006 و2007 الا أن هجمات وتفجيرات مدمرة لمقاتلين اسلاميين لازالت منتشرة خاصة في بغداد وشمال العراق.
وكان أكثر من مئة شخص قتلوا بعد احتجاز رهائن في كنيسة كاثوليكية ببغداد وبعد سلسلة من التفجيرات في العاصمة العراقية منذ يوم الاحد مما ذكر بانعدام الاستقرار في العراق بينما لازال زعماؤه يكافحون لتشكيل حكومة جديدة بعد ثمانية أشهر من انتخابات غير حاسمة.
وبالمقارنة مع مناطق أخرى في العراق ساد الهدوء النسبي الجنوب . والتهديدات الرئيسية في جنوب البلاد هي زرع ميليشيات شيعية قنابل على جوانب الطرق تستهدف 50 ألف جندي أمريكي لازالوا في العراق قبل الانسحاب الكامل المقرر في نهاية 2011 .
ولم يكن الهدوء هو سيد الموقف دائما في البصرة الواقعة على بعد 420 كيلومترا جنوب شرقي بغداد.
وشهدت المدينة معارك ضارية في 2008 عندما أمر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الجيش العراقي باستعادة السيطرة من الميليشيات الشيعية والعصابات الاجرامية.
وقال سهيل عبيد اللبناني الذي يملك سيرك مونت كارلو "كان اسم العراق يخوف الفنانين."
وأوضح أنه أقنع أفراد سيركه بتقديم عروضهم في مدينة أربيل التي تتمتع بالحكم الذاتي في منطقة كردستان العراق والتي كانت تحظى بالامن والاستقرار عندما سقطت بقية أنحاء العراق في الفوضى ثم تمت دعوة السيرك للمجيء الى البصرة.
وأضاف عبيد "في البداية كانت فكرة صعبة كثيرا بعد حديث طويل تمكنا من اقناعهم من ان الوضع في البصرة آمن. كانوا خائفين من الوضع الامني وكانوا يتصورون انهم سيخطفون في البصرة."
وبعد أيام قليلة من مجيئهم الى المدينة بدأ قلق لاعبي السيرك الذين يصل عددهم الى 32 وبينهم أسبان وكينيون وايطاليون ونمساويون وألمان وروس وأوكرانيون ينحسر وبدأوا في التجول في أسواق وشوارع البصرة.
وقال سكان في البصرة انهم يعتقدون أن مدينتهم لم تستضف سيركا أجنبيا منذ السبعينيات من القرن الماضي. وقال أحمد الحسني نائب محافظ البصرة انه يعتقد أن أربعين عاما مضت على مجيء سيرك أجنبي للمدينة.
ويتوقع أن يظل سيرك مونت كارلو في البصرة لمدة 40 يوما. وتتراوح أسعار تذاكر فقرة السيرك التي تمتد ساعتين بين عشرة دولارات و15 دولارا.
وقال فارس شريف وهو تاجر من مدينة الناصرية الواقعة الى الشمال الغربي جاء الى البصرة للتجارة انه أرجأ مغادرته يوما اخر بعدما علم بوجود سيرك في المدينة.
وقال "كنت اتمنى ان ارى سيركا في الواقع ولم اكن اتوقع ان اراه واريد ان يشاهده الاطفال والنساء في الناصرية. انا احسد البصرة على ما رايته اليوم ."
التعليقات (0)