بعد تخرجه من الأكاديمية العسكرية الشهيرة "ساند هيرست" في بريطانيا العظمى، التي عبرها الأمراء الشبان حتى صاروا ملوكاً وزعماء ونخباً في بلدانهم، فكر الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز، الآتي من العسكرية حينها، في خياراته التي لم تكن كثيرة، وهو يغادر عاصمة الضباب إلى مدينة الشمس الحارقة: الرياض.
وبعد تفكير قصير عرف الأمير الذي غاص في الوحل واضطر لترتيب غرفته بنفسه واحتال على مرافقه كي يأخذ نصيبا مضاعفا من المال الذي أرسله والده خلال تدريبه في الكلية العسكرية، بعد كل ذلك عرف أن علاقته مع البدلة العسكرية هي ما سيحدد مستقبله السياسي في بلاده؛ وهذا ما حدث بالفعل حيث تدرج في محطاتها حتى وصل إلى منصب مساعد وزير الدفاع.
وبعد قيادته حرباً حققت نتائجها بنجاح في جنوب البلاد من خلال إدارته للقوات السعودية التي قاتلت المتمردين الحوثيين في جيزان ونجران والمناطق الصخرية المحيطة بهما، فإن الأمير ينشط هذه الأيام في تحركاته السياسية من خلال المحادثات مع المسؤولين الأجانب، الذي يعرف أغلبهم منذ زمن، وعلى أولوية المباحثات تأتي حماية البلاد من الإرهاب.
وبينما يغرق اللغويون العرب في معاركهم القديمة المتجددة حول أيهما أصح "جيزان" أم "جازان" في قواميس اللغة وموازين القواعد، ينشط منسوبو وزارة الدفاع الذين يشرف عليهم الأمير الشاب في متابعة أخر تطورات الوضع على الحدود، وتأمين خطوط الإمدادات وتعزيز قدرات حماية البلاد، وما جازان إلا مثال حي على نجاح البلاد في حربها بعد ان عاد لها الاستقرار الذي افتقدته لعدة أشهر.
ومن النادر أن تخلو الصحف الرسمية التي تصدر في المملكة من صور وأخبار عن نشاطات هذا الأمير الذي يعتبر واحدا من ألمع أمراء الجيل الثالث من أسرة آل سعود التي تحكم هذه المنطقة منذ أكثر من 300 عام، وحصل على أهمية مضاعفة مع حصوله على عضوية هيئة البيعة وهي تجمع ملوك المستقبل في البلاد.
باختصار الذين يعرفون الأمير كثيرون، ولكن قلة فقط من تستطيع أن تعرف كيف يفكر الآن، وكيف يمكن أن يفكر غداً، غير أنه من الثابت أن قفازات العسكري، ستختلف عن قفازات السياسي إن لبسها يوماً ما، حيث أن العسكري يتربى على إطاعة الأوامر العليا دون مناقشة مع أصحاب المراتب الدنيا، بينما السياسي يحتاج للتعامل مع الاثنتين بذكاء وحذر.
وكونه أكبر أنجال والده ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز فإنه حظي بتربية أكثر شدة من سائر أخوته، فهو وإن كان أميرا شاباً في أسرة تحكم أكبر وأغنى مملكة نفطية في العالم، فإنه لم يتصور أن يقاسي كل تلك العذابات التي واجهها خلال تدربه في في أكاديمية سانت هيرست العسكرية.
لقد كانت تربية والده الحازمة سبباً حقيقياً في عدم إغداق الأموال عليه في شبابه، وظلت والدته، التي طالما شعر تجاهها بمحبة عميقة، هي القناة المغذية بالمال دون إسراف حتى أشتد عوده وعاد إلى بلاده أكثر قوة من ذي قبل.
حين شاهد والده إحدى الصور لوفده الرسمي لاحظ أن أبنه الأكبر الذي يجلس في كرسي خلفه، كان واضعا يده فوق خدّه الأيمن أثناء أحد الاحتفالات العسكرية، في طريقة جلوس أعتبرها الأب الحازم "غير ملتزمة"، الأمر الذي جعله يتلقى لوماً وتقريعاً شديداً من والده لعدة ساعات.
ولم يعد خالد الشاب لهذه الجلسة منذ ذلك التوبيخ حتى الآن كما كتب بنفسه في سيرته الذاتية التي كانت تحت عنوان "مقاتل من الصحراء" وتحدث فيها عن حياته بأكبر قدر ممكن من الصراحة.
وبعد أن وضعت الحرب، حرب الخليج الثانية، أوزارها قرر أن يغير حياته إلى ضفة أخرى. أستأذن والده وقدم استقالته إلى الملك فهد الذي قبلها بعد إلحاح طويل، وتوجه إلى أعماله التجارية ونشاطاته خصوصا كونه ناشرا لإحدى أهم دور النشر العربية وهي دار الحياة.
كما أنه أصبح أكثر ولعاً بالخيول الأمر الذي جعل خيوله تحقق الكثير من الجوائز العالمية. ووجد الكثير من الوقت كي يمضيه مع أبناءه وعائلته وبدأ في الاهتمام أكثر فأكثر في أحد أحلامه الصغيرة، ألا وهي مزرعة الخالدية التي أصبحت واحدة من أهم التحف الفنية والمعمارية في المملكة.
وتفرغ أيضاً لكتابة مذكراته التي صدرت تحت عنوان "مقاتل من الصحراء" وكانت الأولى من نوعها لمسئول سعودي مهم، فضلاً عن الاهتمام بصحيفته "الحياة" التي تصدر من لندن.
وأشترى 125 لوحة قماشية تؤرخ لحرب الخليج الثانية من الفنان البريطاني اندرو فيكاري، الوحيد الذي سمح له بالتواجد في أماكن القتال وقت الحرب، مقابل 17 مليون جنيه إسترليني. وتعرض لوحاته التي يبلغ طول الواحدة منها أكثر من عشرة أمتار للدبابات وطائرات الشبح المقاتلة ووجوه زعماء القوات المتحالفة وبينهم الجنرال الأمريكي نورمان شوارزكوف.
ومنذ انتهاء حرب الخليج حتى تعيينه في منصب مساعد وزير الدفاع، عاش الأمير في مرحلة "السنوات الهادئة" قبل أن يعود إلى العواصف وروائح الحروب وساحات المعارك التي اعتاد عليها وخلق من أجلها، وخصوصا عودته إلى البدلة العسكرية التي رسمت مستقبله السياسي منذ أن كان شابا صغيرا يحاول تعلم اللغة الإنجليزية في لندن الباردة.
التعليقات (0)