شائت أقدار شادي أن تسوقه الي ساحه محكمه الأسره فهو لم يسبق له دخول أي محكمه طيله حياته ولكن صديقه العزيز توفي والده وأراد استخراج اعلام وراثه من المحكمه يتم بمقتضاه تقسيم التركه
لذلك لم يجد أحد سوي اثنين من أصدقاءه ليشهدا معه أمام القاضي بأن المتوفي هو فلان وورثته الشرعيين هم أولاده وزوجته
وكان شادي أحد الشاهدين وقد حضر باكرا مع صديقيه الي المحكمه بصحبه المحامي ووقفوا جميعا في بهو المحكمه منتظرين بدء الجلسه يتبادلون أطراف الحديث وكان المحامي يهدئ من اضطرابهم ويلقنهم ما يجب أن يقولوه في مواجهه القاضي....
وكان شادي يتطلع من حوله في جميع الاتجاهات بانوراما غريبه لم تراها عينه من قبل .. أناس من مختلف الأشكال والألوان والأعمار … البعض يتهامسون والبعض يصرخون ولكن كلهم لا يبتسمون … أناس تدخل وأناس تخرج وأناس تقف بالجوار والبهو رويدا رويدا يزدحم بالناس …..
وفجأه دخلت الي البهو امرأه تتشح بالسواد ولكنه سواد أنيق جدا تم اختياره بعنايه ليكون سوادا مثيرا بالرغم من كونه سواد ولكنه يزيد جمالها جمالا وترتدي نظاره سوداء كبيره تغطي أغلب وجهها وتخفي ملامحها وتمسك بيدها طفله صغيره لا تدري من أمرها شيئا …..
مرت هي وطفلتها من أمام شادي الذي تعلقت عيناه بها ونسي كل من كان معه ولكن ضربه علي كتفه من صديقه أعادته الي الوعي مره أخري .. والكل قال له ابقي معنا الوقت ضيق لابد أن تتذكر كل شيئ .. فأجاب شادي وكيف يمكن أن أنسي...
نادي الحاجب بصوت جهوري .. محكمه .. معلنا بدء الجلسه فانتبه كل من كان في البهو واتجهت الأنظار كلها نحو باب القاعه وبدء تحرك حشد الناس نحو باب القاعه ما بين مهرول لأنه في اول "الرول" وما بين متباطئ لديه متسع من الوقت...
وفجأه ظهرت هذه المرأه مره أخري تشق طريقها بصعوبه بين الحشد تحمل طفلتها علي يدها وتنظر في كل اتجاه باحثه عن شيئ ما .. وقد بدأ الاضطراب واضحا عليها وتابعتها أنظار شادي أينما تحركت وكانت ساقيه تنسل رويدا خلفها دون أن يدري فكأن شيئا بداخله يدفعه الي أن لا يدعها تغيب عن ناظريه.....
وأخيرا عثرت علي محاميها ووقفت تتحدث معه بعصبيه وقد أنزلت طفلتها علي الارض ووضعت يدها فوق رأسها وكأن حدثا جلل قد حدث …...
وفجأه تتصاعد وتيره الأحداث .. هي تتحرك باتجاهه .. أشاح شادي بوجهه عنها حتي لا تشعر بأنه كان ينظر اليها .. هي تتحرك مقتربه تدنوا وتدنوا .. تتسارع نبضات قلب شادي كلما اقتربت أكثر حتي كاد قلبه أن يتوقف …
أدار شادي وجهه قليلا محاولا النظر بطرف عينه ومعرفه الي أين وصلت ففوجئ بها في مواجهته تماما مما زاده ارتباكا ولكن استجمع شتات نفسه ونظر اليها....
فبادرته قائله ممكن أن تشهد معي ؟
حاول شادي الاجابه لكن هيهات .. حاول مره ثانيه وثالثه لكن الكلمات توقفت .. شل لسانه ..لم ينبض قلبه من قبل بمثل هذه السرعه الرهيبه .. لم يضطرب من قبل بمثل هذا الاضطراب .. لم يحدث في حياته أن وقف أمام أي امرأه وتعلثم …
عندما عجز لسان شادي عن الكلام أومأ برأسه موافقا....
نظر الي عينيها التي بدت من خلف نظارتها حزينه تسيل منها الدموع مدرارا وتتلألأ علي وجنتيها لتزيدها جمالا فوق جمال....
استشعرت هي بحس الأنثي الحاله المزريه التي عليها شادي فلم تزد كلاما وانما جذبته من يده متوجه به نحو محاميها وشادي يسير خلفها كالطفل الصغير لا يبدي أيه رده فعل....
وقالت لمحاميها هذا شاهد .. وهنا تمكن شادي من الكلام بعد أن استجمع نفسه وقال للمحامي بماذا سأشهد؟؟
فأجابه المحامي ستشهد بأن هذه السيده "حرم المرحوم" وهذه ابنته فأجاب شادي نعم أنا مستعد أن أشهد …
وعندما جاء دور دعوتها دخل المحامي الي القاعه وانتظر شادي وهي وابنتها في الخارج في انتظار أن يستدعيهم للدخول...
لحظات صمت قاتله انتظارا لسماع صوت المحامي لم يتخللها شيئ سوي محاولات شادي اختلاس نظرات اليها بين الفينه والأخري ثم مفاجئه من الطفله الصغيره له بأن مدت يدها وأمسكت بيده ليتصبب كله عرقا .....
وفجأه خرج المحامي من القاعه وأخبرها بأن الدعوي قد تأجلت شهرا ونظر شادي اليها وفتح فمه ليبدأ الكلام ….
ولكن جاء صوت صديقه.. شادي هيا أسرع حان دورنا وجذبه من يده الي داخل القاعه … وقف شادي في مواجهه القاضي وقد اغرورقت عيناه بالدموع ولكن هذه الدموع لم تكن حزنا علي وفاه والد صديقه بل كانت حزنا علي أنه لم يستطيع معرفه أي شيئ عنها ولم يتمكن من أن يكلمها …
شهد شادي أمام القاضي بدموعه والذي اكتفي بشهادته المؤثره جدا وأملي علي سكرتير الجلسه بأن الشاهد الثاني أيد الشاهد الأول في أقواله.....
وخرج الأصدقاء الثلاثه والمحامي من القاعه وكل أخرج منديل من جيبه وأعطاه لشادي ليكفكف دموعه وساروا في البهو متجهين الي الباب الخارجي وقال له صديقه مداعبا أنا لم أكن أعرف أنك كنت تحب المرحوم والدي الي هذه الدرجه أنت فعلا نعم الصديق....
وبمجرد أن خرجوا من الباب الخارجي وتوقفوا لتوديع المحامي حتي فوجئ شادي بيد صغيره تمسك بيده فنظر مذعورا فوجدها هي الطفله الصغيره ممسكه بيده وتبتسم له في براءه ونظر فوجد أمها تستند للجدار فترك أصدقاءه والمحامي بدون أن ينبس بكلمه واتجه بالصغيره علي الفور ناحيه الأم...
وجاءه صوت صديقه من الخلف قائلا .. وأنا من كنت أظن أنك تبكي علي والدي …..
مجدي المصري
التعليقات (0)