حروب ست.. وعمليات تسلل ..وقتال على الحدود.. وعدة سنوات من المناوشات الكلامية والاعلامية..وحجة قوية..كل هذا انتظرته المملكة العربية السعودية بمضض وتأفف ونفاد صبر من انكفاءات وتعثر الرئيس اليمني ..حتى وجد الحوثيون أنفسهم في موقع الاشتباك المباشر في منطقة جبل الدخان..مع الجيش السعودي المجهّز بأسلحة أميركية حديثة و ورضا الرئيس المتواطئ..
ولكن الآن..وعلى ذكرالدخان..وبمناسبة التواطؤ..نجد ان القوات السعودية..لم تنتظر انقشاع ادخنة الغازات المسيلة للدموع التي اسرفت القوات الامنية البحرينية في استخدامها ..حتى وجدت نفسها وجها لوجه مع الشعب البحريني المطالب بحقه في التعبير والمساواة والعدالة..في عبور سريع ومتلهف عد كخيار أول ووحيد منذ بواكير الازمة..وربما قبلها..
تدخل لن يعدم الجانب السعودي الوسيلة لتسويقه سياسيا واعلاميا باعتبارها خطوة مفروضة عليه قسرا اتقاءً لنذر وتهديدات لن يصعب عليه تبريرها..ولن يتعسر عليه الاهتداء الى الادلة العقلية والنقلية التي تجعله يتموضع في خانة الضحية المستهدف من اخطار جسام جلل تقرع على بوابته الشرقية..
هذه الاخطار التي لن تتعدى موضوعة التفرس الذي يتسلل الى جزيرة العرب متعلقا بالخيارات الفلسفية لغالبية الشعب البحريني و بين كتب الدعاء ومواضع السجود..
ذلك السجود والركوع الذي يكرس كجزء من مخططات خبيثة لغزو فارسي منتظر يروج له الاعلام السعودي بتطير كبير منذ سنين..وليس من المستبعد ان يصدقه السعوديون انفسهم ليجدوا جهدهم وترسانتهم المكلفة التي تشكو قلة الاستعمال.. غارقين في مستنقع لن يكون الخروج منه بنفس الطريقة الاستعراضية التي واكبت دخولهم اليه..
ولعل من أكثر الامور اثارة للجدل والاستغراب هي في تحديد الأسباب التي تجعل المملكة تحس انها مستهدفة كيانيا ووجوديا الى هذا الحد من الهلع..وما هي المعطيات التي تدفع النظام السعودي للظن بانه معني لوحده بهذه التهديدات..وما هو السر في ارتباط هذه المخاوف مع الانتفاضات المجتمعية في جميع البلدان العربية او من كلفه بالتصدي لها على الاقل..وما الذي يبرر تدخله في الاحداث التي تتعلق بالخيارات الشعبية للدول الاخرى المطالبة بالحكم الرشيد والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية..
فالسعودية ليست بالدولة الاقليمية العظمى.. ولا تملك النموذج الذي يمكن ان يكون مصدر اشعاع فكري او تنويري للعالم..وليس لها دور قائد في مجريات الامور..وليس لديها ما تقدمه للآخرين على المستوى العربي أو الإقليمي.. لا في التجربة الديموقراطية ولا في حقوق الإنسان ولا في الشفافية ولا في طهارة الحكم ولا في التعددية وتداول السلطة..وهذا العناصر هي التي تهم الانسان في هذه المنطقة التي نعيش بها حاليا وتتخذ الاولوية في طموحات الشعوب العربية اكثر من الدخول في صراعات سياسية بامتياز منتحلة طابع التناقضات الايديولوجية والمذهبية والطائفية..
كما ان التمهيد لحوار وطني شامل من خلال استجلاب الدعم العسكري الخارجي سوف يكون بالتأكيد مقدمة لاختلال فكري وسياسي ومناطقي وادامة وتوريث لجيل كامل يحمل الكثير من جينات التقاطع والحقد والكراهية على الأمد البعيد , وستظل تداعيات هذه الاحداث ذكرى مقلقة للنظام في البحرين حتى إن تم توقيع أتفاق ما بين الحكومة والمعارضة ..سواء تم ذلك عن طريق التدخل السعودي..او الضغط الامريكي..او اللامبالاة العربية..
ستظل القلوب تحمل الكثير من ذكريات ألألم والقهر والتهميش وفقدان الانتماء الى الارض التي يراد لها ان تنكر بصمات تراكض الناس صغارا على اديمها ..وستحتاج البحرين الى عقود وعقود من السنين لتمحو آثار ما اتخذ بليل من فقدان الحكمة والبصيرة..وستظل هذه التداعيات جرحا مؤلما في واقع الشعب البحريني النبيل بكافة اطيافه ..خصوصا وأنها مزجت بالطائفية والمذهبية والتمييز الفئوي بين المواطنين..ولولا المسحة الواقعية المأساوية والمتعبة والمتكررة لما يحدث ..لكنا نستطيع عد هذه الاحداث من الكوابيس المزعجة المقلقة لراحة وامن وسلام المنطقة..هذا السلام المغتال الذي سيكون ثمنه باهظا على جميع الاطراف..فلن يستطيع آل خليفة التمتع بالحكم بعد الآن..ولن تستطيع السعودية ضبط الاوضاع بهذه الطريقة البدائية الخرقاء..ولن يكون مفيدا للجميع اعلاء كل تلك الشعارات المنفرة المغلفة بثارات القرون النابعة من بطون الكتب الصفراء المغبرة ..تلك الشعارات التي ستساهم في تبديد سمعة ومكانة المملكة في المنطقة والاقليم تبدد الدخان المدمع في ساحة الشهداء..
التعليقات (0)