هل العيد يحمل في ثناياه كل السعادة والحبور على الأحياء وربما من هم في القبور ، هكذا نعرف في مخزوننا المعرفي أن العيد سعيد ، فلا تمر كلمة عيد إلا وتتبع بكلمة سعيد لتكون الجملة ( عيد سعيد ) وجدت على مر العمر المنصرم أن العيد يحمل بشرا وخيرا وأملا .. وهو منتظر ..يفرح ( بضم الياء وفتح الفاء )من لم يعرف طعم الفرح .. ويزار ( بضم الياء ) من لا يزار أو يزور ... وها هي المقابر تكتظ بالزوار والزهور .. والحلوى والبخور ..
في العيد ينتظر البعض الزيارة بفارغ الصبر يتزين ويتطيب وينثر الريحان على الطرقات . تفرح البنات المتزوجات وهن ينتظرن في بيوت أزواجهن وآباء أزواجهن قدوم الأخ أو الأب أو الأخت تفرح وترفع رأسها .. تلك تسمى الولية يزورها وليها ..
وفي حالا ت الوفاة تندب المرأة المتزوجة حظها إذا مات أخوها أو أبوها وتقول ( من سيزورني بالعيد بعدك ) فتثير البواكي من حولها .. وعندما يأتي العيد يثير فيها الحزن وتلكأ الجراح من جديد .. فيغدوا العيد حزينا كئيبا مؤلما ..
الأطفال هم الأكثر حبورا بالعيد ، الفقير والغني على حد سواء جميعهم يشترون ملابس العيد ( طبعا مع التفاوت بالشراء من حيث المكان والنوعية والثمن والكيفية ) تلك مقدمة أسوقها للحديث عن العيد عن الأطفال في عالمنا العربي فما أن يأتي العيد حتى ترى الأطفال وقد تسلحوا بالبنادق والمسدسات والذخيرة ( طلقات مطاطية وسهام صغيرة ) وتمنطقوا بالسيوف والخناجر ، فترى الطفل وكأنه جندي أمريكي في العراق او أفغانستان ، بل راح بعضهم يلبس ملابس الجيش المرقطة ويضع الرتب العسكرية ..
يتبارزون بالسيوف ، ويتراشقون بالطلقات المطاطية والأسهم الصغيرة .. ويشعلون الألعاب النارية الصغيرة والكبيرة .. بل إن بعضهم شكل فرقة عسكرية ضد فرقة أخرى تمشي في الشارع كأنك في ساحة حرب أو ميدان تدريب ، فالطلقات النارية قد تضرب قدميك أو ساقك ، أو قد تلقى تحت أقدام المارة بعض الألعاب النارية من المفرقات الصغيرة ، فتسمع دويا كأنه الانفجار ، ربما تجفل وتخاف فيضحك الأطفال منك وأنت تركض أو تقفز أو ربما يحترق بنطالك ، أو أن تسقط عجوزا على الأرض فيتضاحك الأطفال منها فيمطروها بوابل من الطلقات النارية من مكان ما وقد تتمرسوا خلفه وكأنهم الأشباح .
بالأمس سمعت أن احد الأطفال من الجيران فقد بصره في إحدى عينيه بسبب طلقة مطاطية .. ونشبت حرب طاحنة بين الجيران أسفرت عن جرحى ومعتقلين .. وتدخلت قوات الأمن .. ووجهاء الحي لإصلاح ذات البين التي انتهت بالصلح مع التعويض المادي ومتابعة العلاج .
أرى أطفالنا وهم ينجرفون خلف العنف والمنطق العسكري ، ولغة السلاح والقوة ، بعيدا عن الفرح بمعناه الشامل للحياة والبناء ، بعيدا عن التعمير والنمو والتطوير ، لغة تأخذ الأطفال الصغار من براءتهم وتزج بهم في أتون حروب وهمية ، ليس لها إلا أن تفسد ما يمكن أن تصلحه التربية في المدارس والمساجد والبيوت .
ترى كيف لمجتمع يلعب بتلك الألعاب ان ينتج مجتمعا مسالما ، وكيف له أن لا يكون عنيفا شرسا ، وكيف له أن يكون مجتمعا منسجما مع عاداته وتقاليده ، وهو يستورد كل تلك الترسانة الوهمية من الألعاب الحربية التي تثير في النفس الشعور بالتفرد والقوة والعنف والشراسة ، والرغبة في الهجوم والاعتداء .. وتبعده بالتالي عن المنطق والتفكير والتسامح وتقبل الآخر ... كما تبعده عن قيمه .
تلك أفكار المجتمع الغربي وتلك ألعابه التي يصنعها لنا ( وعلى وجه التحديد لنا وحدنا دون غيرنا ) فلم أشاهد عندهم من تلك الألعاب في شوارعهم ... بل رأيت مسدسات ترش الماء .. وأخرى تخرج الصوت دون الفرقعات النارية التي تصيب بالأذى النفسي قبل الجسدي ..
التعليقات (0)